القرار 1636 يتضمن فرض «عقوبات ذكية» ويعطي صلاحيات واسعة لميليس

TT

القرار 1636 الذي اتخذه مجلس الامن بالإجماع في جلسة استثنائية لوزراء خارجية دوله، بعد مفاوضات استمرت لغاية اللحظات الأخيرة قبل انعقاد الجلسة، بين وزيري خارجية فرنسا فيليب دوست ـ بلازي، وروسيا، سيرغي لافروف، ينذر ببداية مرحلة صعبة بالنسبة لسورية في ضوء تهديد المجلس بإمكانية «النظر في اتخاذ تدابير أخرى اذا احتاجت الضرورة». واذا ما ارتأت لجنة التحقيق الدولية أن تعاون السلطات السورية مع التحقيق «لا يفي بمتطلبات هذا القرار».

ولا يحدد القرار، في هذه المرحلة، نوعية «التدابير الاضافية»، بيد أنه يمكن اعتبار أن اللغة التي اعتُمدت في القرار لا تشمل فقط التدابير التي تنص عليها المادة 41 من الميثاق، بل تشمل أيضاً التدابير التي تنص عليها المادة 42. وفي حين أن المادة 41 تنص على ضرورة أن يقرر المجلس «ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته» مثل «وقف الصلات الاقتصادية»، فان التدابير المدرجة تحت المادة 42 تشمل «الحصار والعمليات الأخرى عن طريق القوات الجوية أو البحرية أو البرية التابعة لأعضاء الأمم المتحدة». ورغم موافقة الفرنسيين والأميركيين والبريطانيين على الطلب الروسي إلغاء الاشارة الى المادة 41 من ميثاق الأمم المتحدة من نص القرار، التي تهدد بفرض عقوبات اقتصادية على سورية، إلا أن الغاء الاشارة الى هذه المادة لا يغير كثيراً في مضمون القرار، بل قد تكون له انعكاسات أقوى على سورية في حال عدم تعاونها. وهذا ما لمح اليه مندوب الولايات المتحدة، جون بولتون امس عندما اكد على ان ادراج القرار تحت عنوان الفصل السابع «يتيح اللجوء لأي اجراء بموجب المادة 41 لا يتعلق باستعمال القوة وللمادة 42 التي تسمح باتخاذ اجراءات اضافية، فما هو لدينا الآن هو نص واضح يستند الى الفصل السابع»، مشيرا الى ان المجلس ابلغ سورية ان اخفاقها في التعاون مع لجنة التحقيق الدولية سيواجه اجراءات جديدة. ويُعتبر القرار الذي اعتُمد بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، والذي يتضمن آلية للتنفيذ عبر فرض العقوبات الاقتصادية أو اللجوء الى استخدام القوة، بمثابة حكم بالإدانة ضد سورية، اذ أن مجلس الأمن «يحيط علماً بالاستنتاج الذي توصلت اليه اللجنة، ومفاده أنه في ضوء تغلغل دوائر الاستخبارات السورية واللبنانية، عاملة جنباً الى جنب، في المؤسسات اللبنانية والمجتمع اللبناني، يصعب تخيل سيناريو تُنفذ بموجبه مؤامرة اغتيال على هذه الدرجة من التعقيد دون علمهما، وأن ثمة سبباً مرجحاً للاعتقاد بأن قرار اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق، رفيق الحريري، ما كان يمكن له أن يُتخذ بدون موافقة مسؤولين أمنيين سوريين رفيعي المستوى». ويؤيد القرار هذا الاستنتاج الذي توصل اليه رئيس لجنة التحقيق في تقريره الانتقالي، وهو ما رفضه وزير الخارجية السوري فاروق الشرع بشدة، في خطابه أمام مجلس الأمن الذي ذهب فيه الى حد القول إنه «لو أن وجود قوات عسكرية وأجهزة أمنية في بلد ما يعني أن أي حادث إجرامي أو ارهابي يقع في هذا البلد ما كان يمكن أن يقع دون علم أو موافقة هذه القوات وهذه الأجهزة، لكان يجب اتهام الأجهزة الأمنية في الولايات المتحدة بعلمها بالتفجيرات الارهابية التي ارتكبت في 11 سبتمبر (أيلول) 2001. علماً بأن هذه الأجهزة كانت تتوقع حصول هذه التفجيرات».

وتركز الفقرات المدرجة في الديباجة التي تحدد الاطار العام للقرار الذي تبناه مجلس الأمن على إعادة التأكيد على دعوة المجلس الى «الاحترام الصارم لسيادة لبنان وسلامته الإقليمية ووحدته واستقلاله السياسي تحت السلطة الوحيدة والحصرية لحكومة لبنان»، مع التأكيد على أن «الارهاب بجميع أشكاله ومظاهره يشكل واحداً من أشد التهديدات خطراً على السلام والأمن». ويرفض القرار أي تدخل أجنبي في الشؤون اللبنانية الداخلية، ويعتبر أن اغتيال رفيق الحريري هو عمل ارهابي، الأمر الذي دفع المجلس الى ربط هذا القرار بقرارات سابقة تتعلق بمسألة الارهاب. كما أن مجلس الأمن اعتبر أن اغتيال الحريري وانعكاساته يشكلان «تهديداً للسلم والأمن الدوليين»، مما دفع المجلس الى تمرير القرار بموجب الفصل السابع.

وقرر مجلس الأمن في قراره الجديد فرض عقوبات محدودة ـ تُعرف بالعقوبات الذكية ـ على أي شخص تُدْرِجُ لجنة التحقيق أو الحكومة اللبنانية اسمه في قائمة للمشتبه في ضلوعهم بالتخطيط لعملية الاغتيال أو تمويلها أو تنظيمها أو ارتكابها، بما في ذلك حظر السفر وتجميد الأرصدة المالية. ويعطي مجلس الأمن نفسه صلاحية تطبيق عقوبات على أشخاص لمجرد الاشتباه فيهم، وهو اجراء قانوني ينطبق على كافة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ويصبح قانوناً بالنسبة لأية دولة عضو في المنظمة الدولية، الأمر الذي قد يواجه صعوبات عملية، علماً بأن هذه الصلاحيات غير موجودة في غالبية الأنظمة القضائية التابعة للدول.

ومن أجل مراقبة تطبيق هذه العقوبات المحدودة، قرر مجلس الأمن بموجب القرار 1636 تأسيس لجنة جديدة مكوَّنة من أعضاء مجلس الأمن الـ15، لتسجيل اسم أي شخص تحدده لجنة التحقيق أو الحكومة اللبنانية كمشتبه فيه في عملية الاغتيال. ومن المتوقع أن توافق هذه اللجنة على استثناءات من التدابير المنصوص عليها بالنسبة لأي شخص. وقد برر أعضاء مجلس الأمن، الذين أبدوا معارضتهم للاشارة الى المادة 41 في نص القرار، تأسيس هذه اللجنة كطريقة لضبط تطبيق هذه العقوبات، علماً بأنها يمكن أن تُطبق على أي شخص فقط في حال عدم اعتراض أي عضو في اللجنة على ذلك. ولكن، في ضوء الضغوط السياسية، يبقى أن نرى كيف أن أعضاء هذه اللجنة سيستخدمون الفيتو الذي يتمتعون به، لمنع إدراج أسماء مسؤولين سوريين أو غيرهم في قائمة المُستهدَفين بالعقوبات. كما أن أعضاء اللجنة يمكن لهم أيضاً أن يستثنوا أي شخص من القائمة اذا لم يعترض أي عضو في اللجنة على ذلك. بيد أنه من الصعب تصور كيف أن هذا الفيتو الفعلي يمكن أن يمارس خصوصاً من قبل الأعضاء غير دائمي العضوية في مجلس الأمن، اذ أنهم سيضطرون الى تقديم أسباب اعتراضهم في غضون 48 ساعة من وقت تلقي تحديد أي أسماء في القائمة. والمسألة ستكون صعبة بالنسبة لأي عضو في اللجنة يعارض اضافة أية أسماء للقائمة، لضيق الوقت المتاح أمامه لمعارضة توصيات الحكومة اللبنانية أو لجنة التحقيق. وبالنسبة لتغيير اللغة المتعلقة بالسماح لرئيس لجنة التحقيق باستجواب المسؤولين السوريين وغيرهم والتخلي عن الفقرة التي كانت تطالب بالسماح لإجراء هذه الاستجوابات في الخارج، فان القرار يعطي رئيس لجنة التحقيق الدولية ديتليف ميليس صلاحيات واسعة لتحديد «مكان وأساليب اجراء المقابلات مع المسؤولين والأشخاص السوريين الذين ترتأي اللجنة أن لهم صلة بالتحقيق». كما أن القرار يفتح المجال أمام إعادة تجديد مهمة لجنة التحقيق بدون تحديد جدول زمني لانتهائها.