غوانتانامو: معتقل يحاول الانتحار خلال زيارة محاميه ومحققون دوليون يرفضون زيارة السجن بدون مقابلة المحتجزين

TT

كان المعتقل جمعة الدوسري يهم بالذهاب الى الحمام، ومازح محاميه الاميركي الذي كان ينتظره للمقابلة قبل ان يقتاده أفراد الشرطة العسكرية الى زنزانة مجاورة بها حمام. تجربة الحبس خلال السنوات الأربع السابقة في غوانتانامو تركت آثارها على الدوسري، إلا أن محاميه، الذي جاء لمناقشة قضيته أمام المحاكم، لاحظ ان موكله في روح معنوية عالية. وبعد مرور دقائق عندما لم يعد الدوسري من الحمام دق المحامي جوشوا كلانجيلو ـ برايان على باب الزنزانة التي يوجد بها الحمام مناديا موكله، وعندما لم يسمع منه ردا فتح الباب ليرى بركة من الدماء على أرضية الزنزانة. اصيب كلانجيلو ـ برايان بالذهول ونظر الى اعلى ليرى الدوسري فاقدا الوعي ومعلقا من حبل ربط في السقف. كان سواد عينيه قد اختفى وخرج لسانه من داخل فمه وشفتاه قد انتفختا والدم ينزف من جرح في يده اليمنى. وتعتبر محاولة الدوسري الانتحار، قبل حوالي اسبوعين، اول حدث يشهده شخص من خارج معسكر غوانتانامو، كما يعد واحدا من عدة مؤشرات على قلق المحامين والمدافعين عن حقوق الإنسان بشأن حالة اليأس والاكتئاب المتزايدة وسط ما يزيد على 500 معتقل في معسكر غوانتانامو. ويعتقد محامون ان الدوسري الذي قضى حوالي عامين في الحبس الانفرادي، سعى لتوقيت محاولة انتحاره ليشهدها شخص آخر بخلاف حراس غوانتانامو، وهي صرخة لطلب المساعدة الغرض منها ان تخرج من بين أسوار معتقل غوانتانامو وتصل الى العالم الخارجي. يشار الى ان سلطات المعتقل تطعم قسرا 12 معتقلا كانوا قد بدأوا اضرابا عن الطعام قبل فترة، ويقول محامو معتقلين آخرين ان هناك عشرات من المعتقلين المضربين عن الطعام منذ اغسطس (آب) الماضي. وقال مسؤولون عسكريون ان هناك حوالي 27 معتقلا في معسكر غوانتانامو مضربون عن الطعام، حالتهم مستقرة حتى الآن ويخضعون للمتابعة عن كثب بواسطة الطاقم الطبي للمعسكر ويتلقون التغذية اللازمة. السلطات العسكرية لا تناقش من جانبها الحالات الفردية للمعتقلين وفرضت التعليق على قضية الدوسري. وقال المقدم جيريمي مارتن، المتحدث باسم قوة العمل المشتركة بمعسكر غوانتانامو، ان هناك 36 محاولة انتحار حدثت بين 22 من معتقلي غوانتانامو، بمن في ذلك ثلاثة خلال الـ20 شهرا السابقة. وأضاف مارتن ان كل المعتقلين يتلقون معاملة انسانية، مؤكدا ان «اي مخاطر اصابة او انتحار» يجري التعامل معها بصورة جادة. وأوضح مارتن ان التدخل السريع عند حدوث محاولات الانتحار حالت دون موت اصحابها. وأضاف انه لم تحدث حالة وفاة لأي معتقل في غوانتانامو حتى الآن. وتأتي احتجاجات المعتقلين وسط قلق دولي متزايد ازاء المعاملة التي يتلقونها داخل معسكر الاعتقال. وكانت منظمة الامم المتحدة ومنظمات تعنى بحقوق الانسان قد شكت من القيود المفروضة على مقابلة المعتقلين وأعربت عن قلقها حول المزاعم عن الانتهاكات الجسدية والنفسية، بما في ذلك الحبس الانفرادي لفترات طويلة. ويحاول مسؤولون اميركيون إعادة عدد كبير من المعتقلين الى دولهم، إلا ان ذلك لم يحدث بسبب التأخير والمشاحنات الدبلوماسية. وقال ثلاثة خبراء من الامم المتحدة اول من امس انهم لن يقبلوا دعوة من الحكومة الاميركية لإجراء جولة في غوانتانامو إلا في حال منحهم تصريحا لمقابلة المعتقلين شخصيا، وهو الطلب الذي ظلت الولايات المتحدة ترفضه باستمرار بحجة الحرب المستمرة ضد الارهاب والمخاوف الأمنية. وقال مقرر الامم المتحدة الخاص حول التعذيب متسائلا: «اذا صح انه ليس للسلطات الاميركية ما تخفيه، كما تزعم، لماذا لا تريد السماح لنا بمقابلة المعتقلين بصورة شخصيا والتحدث معهم؟».

وقال المحامي كلانجيلو ـ برايان انه يشعر بالقلق ازاء احتمال ان يكون المعتقلون يتمنون الموت على البقاء في الحبس لأجل غير مسمى. وقال انه يشعر بالصدمة لكنه لم يتفاجأ بمحاولة انتحار الدوسري بالنظر الى «محنته الفظيعة». وأوضح المحامي ان كل ما يعلمه حول حادثة الدوسري ان الطاقم الطبي نجح في إنقاذه، وانه اجريت له عملية جراحية وان حالته مستقرة. وقال ان هذه هي الوسيلة الوحيدة المتاحة أمام المعتقلين للتعبير عن تحكمهم في مصائرهم. وأردف معلقا: «الوسيلة الوحيدة للاحتجاج الفاعل هي إلحاق الأذى بأنفسهم إما من خلال الإضراب عن الطعام او الإقدام على الانتحار».

من جانبه، قال مارتن ان المزاعم حول تدهور حالة المضربين عن الطعام وانهم اوشكوا على الموت ادعاءات لا اساس لها من الصحة. وأضاف ان آخر احتجاج بدأ في 8 اغسطس بمشاركة 131 معتقلا، إلا ان عدد المضربين الآن اقل من ذلك بكثير. وأردف مارتن ان الاضراب عن الطعام ينسجم مع تدريب «القاعدة» ويعكس محاولات المعتقلين لجذب الانتباه والمساعدة في الضغط على الولايات المتحدة. وظل مسؤولون عسكريون يؤكدون ان الجماعات الارهابية قد اصدرت توجيهات الى مقاتليها باختلاق مزاعم تفيد التعرض للتعذيب والاعتداء في حال إلقاء القبض عليهم. وقال الدوسري لمحاميه انه تعرض لاعتداءات ومعاملة سيئة يعتقد انها من أسوأ الانتهاكات التي يمكن ان تكون قد ارتكبت في اي مركز اميركي للاعتقال على مدى السنوات الاربع السابقة. وفي تسجيلات وملاحظات جرى تدوينها خلال اللقاءات معه، يصف الدوسري انتهاكات وتعذيب منذ إلقاء القبض عليه في باكستان في ديسمبر 2001 وخلال فترة اعتقاله في قندهار من قبل القوات الاميركية. وقال الدوسري ان أفرادا من القوات الاميركية كانوا يطفون أعقاب السجائر على جسده وهددوه بالقتل وضربوه ضربا مبرحا. كما ابلغ محاميه بأنه رأى أفرادا في قوات مشاة البحرية (المارينز) ينظفون احذيتهم العسكرية بصفحات من مصحف. وأضاف انه هوجم من قبل حراس تابعين لقوة التدخل الفوري بالمعسكر وصوروا انفسهم وهم يهاجمونه. إلا ان مسؤولين عسكريين قالوا ان قوة التدخل الفوري ترسل عادة الى الزنزانات لتهدئة الشغب. وابلغ الدوسري محاميه ايضا بأنهم لفوه في اعلام اسرائيلية وأميركية خلال الاستجواب، وهو تكتيك اشير اليه في مزاعم حول انتهاكات من جانب مكتب المباحث الفيدرالي (اف.بي.آي) في غوانتانامو. وتعرض الدوسري، حسبما ابلغ محاميه، لتهديد المحققين بإرساله الى دول سيتعرض فيها للتعذيب.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الاوسط»