توجيهات جديدة للقوات الأميركية حول استجواب السجناء تمنع التعذيب النفسي أو الجسدي

في ضوء فضائح الانتهاكات في العراق وأفغانستان

TT

صادقت وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) على توجيهات جديدة حول عملية استجواب الاشخاص المشتبه في تورطهم في الارهاب والمسجونين الآخرين الذين يخضعون للحبس في مراكز تشرف عليها القوات الاميركية. وتسمح التوجيهات المذكور، التي جرى التوقيع عليها الاسبوع الماضي بواسطة نائب وزير الدفاع المكلف غوردون انجلاند دون إعلان رسمي، للجيش الاميركي، بإصدار ارشادات بشأن الاستجواب من المفترض ان تكون قد روعيت فيها الدروس المستخلصة من فضائح الاعتداءات التي تعرض لها معتقلون تحت حبس القوات الاميركية العام الماضي.

وكان الجيش الاميركي قد درج، على سبيل المثال، على التأكد من ان وسائل الاستجواب مصادق عليها من أعلى المستويات في البنتاغون، فضلا عن التأكد من تلقي المحققين التدريب اللازم في هذا المجال مع مطالبة العاملين بالإبلاغ عن أي انتهاكات. وكانت هذه التغييرات قيد الدراسة منذ الكشف عن الانتهاكات التي تعرض لها معتقلو سجن ابو غريب في العراق في ابريل (نيسان) 2004، كما تعكس التغييرات المشاكل المتواصلة ازاء الانتهاكات التي ترتكبها القوات الاميركية في افغانستان والعراق منذ ذلك الوقت. وكان مجلس الشيوخ قد صادق على مقترح تقدم به السناتور جون ماكين يحظر المعاملة السيئة للمعتقلين بواسطة القوات الاميركية. ويعتبر التوجيه المذكور جزءا من جهود واسعة من جانب البنتاغون بدأت في ديسمبر (كانون الثاني) الماضي لإعادة النظر في معاملة السجناء الخاضعين للحبس. كما صدر توجيه آخر، يشتمل على كل الجوانب المتعلقة بالمعتقلين وليس بوسائل الاستجواب فقط، أثار جدلا حادا داخل ادارة بوش خصوصا في الجانب المتعلق بما اذا كانت ارشادات البنتاغون ذات الصلة بالاعتقال يجب ان تتضمن نصوصا من مواثيق جنيف التي تحظر استخدام المعاملة المهينة بحق السجناء. وكان بعض مسؤولي الكونغرس قد أوضحوا ان التوجيه الصادر حول استجواب المعتقلين بسبب الاشتباه في ضلوعهم في الارهاب صدر الآن بغرض تهدئة بعض الاعضاء المعارضين داخل الكونغرس، حيث ظهرت انتقادات حادة جديدة للأداء الاستخباراتي، ومن المحتمل ان يحظر تعديل مقترح بشأن الإنفاق العسكري تقدم به ماكين معاملة السجناء بطريقة مهينة. وأضاف ويتمان قائلا ان هذه التوجهات الجديدة تتضمن سياسة البنتاغون التي تؤكد على المعاملة الانسانية للمعتقلين. وقال المتحدث باسم البنتاغون، برايان ويتمان، ان التوقيت الذي صدرت فيه هذه التوجيهات لا صلة له بالمبادرات التي طرحت في الكونغرس، كما اوضح ايضا ان التوجيه قنن الكثير من الاجراءات التي وضعت موضع التنفيذ في 12 تحقيقا حول الانتهاكات التي حدثت في العراق وأفغانستان وغوانتانامو. وكان الرئيس بوش قد حاول خلال تعليقات أدلى بها عقب لقائه رئيس بنما، مارتين توريجوس، صرف الأنظار عن التقارير التي تحدثت في الآونة الاخيرة عن مراكز الاستجواب الاميركية السرية في بعض الدول والمعاملة السيئة التي يتعرض لها معتقلون في مراكز حبس تابعة للقوات الاميركية. وقال بوش ان الولايات المتحدة في حالة حرب وان على السلطات الاميركية واجب حماية الشعب الأميركي، مؤكدا ان أي شيء يحدث في إطار هذا المجهود يحدث في إطار القانون مؤكدا عدم ممارسة التعذيب. ويضع التوجيه مسؤوليات على كبار مسؤولي البنتاغون المدنيين والعسكريين في ما يتعلق بالأنشطة ذات الصلة باستجواب المعتقلين وتحديد المتطلبات اللازمة للإبلاغ عن انتهاك هذه السياسات، كما ينص التوجيه ايضا على ان يتبع محققو وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي آي إيه) توجيهات البنتاغون عند استجواب المسجونين العسكريين. وتؤكد التوجيهات مجددا على حظر استخدام الكلاب العسكرية المدربة في عمليات استجواب المعتقلين وعلى مساعدة الشرطة العسكرية للمحققين من خلال توفير معلومات حول سلوك المعتقلين ولكن دون ان يشارك من أفراد الشرطة العسكرية في التحقيق.

ينص التوجيه، الذي حصلت «نيويورك تايمز» على نسخة منه، على ان «حظر ممارسة التعذيب الجسدي والنفسي»، إلا ان الوثيقة لم تتضمن شرحا، بخلاف التأكيد على المعاملة الانسانية للمعتقلين «بما يتماشى مع القوانين والسياسات السارية»، طبقا لنص التوجيه. المصادقة على سياسة الاستجواب باتت تسمح الآن للجيش الاميركي بإصدار ارشادات ميدانية حول عمليات الاستجواب.

تجدر الإشارة الى ان الجهات المعنية فرغت من صياغة جزء كبير من هذه الارشادات قبل عدة شهور إلا ان صدورها تأخر الى حين الفراغ من عملية النظر في السياسة الجديدة. وقال مسؤول طلب عدم ذكر اسمه ان هذه التوجيهات ستصدر قريبا. وقال مسؤولون عسكريون ان مجموعة الارشادات الجديدة، وهي الأولى من نوعها منذ 13 عاما، تتضمن تحوطات تهدف الى منع استخدام وسائل المعاملة القاسية التي كشف النقاب عنها في فضيحة سجن ابو غريب. وأشار مسؤول عسكري آخر الى ان هناك أجزاء لا تزال غامضة في التوجيهات ولا تضيف كثيرا في ما يتعلق بتحديد وسائل الاستجواب المقبولة. وأضاف المسؤول ان الارشادات الميدانية تعتبر وثيقة مهمة للجيش الاميركي لأنها لا توفر فحسب الارشادات اللازمة لتدريب المحققين وإنما قابلة للتدقيق في بنودها لمعرفة مدى استيعابها للدروس المستفادة من فضيحة الاعتداءات على المعتقلين في سجن ابو غريب. واستطرد المسؤول موضحا انه كان يجب فعل ما هو اكثر من ذلك لكي تصبح الوثيقة اكثر وضوحا، إلا ان مسؤولين آخرين في الجيش الاميركي قالوا ان الإرشادات الجديدة، المعروفة بـ«FM2-22.3»، ستكون مصحوبة بوثيقة تدريب سرية تتضمن عشرات حالات الاستجواب وتحدد التفاصيل ذات الصلة بالإجراءات المسموح باستخدامها وتلك المحظورة. ولا يزال يدور جدلا حاميا حول التوجيه 2310.01 «برنامج وزارة الدفاع الخاص بأسرى العدو والمعتقلين الآخرين». وقال مسؤولان في البنتاغون ان ديفيد آدينغتون، رئيس موظفي مكتب ديك تشيني، واصل الضغط على كبار مسؤولي الكونغرس بغرض إزالة الصيغ الخاصة بمواثيق جنيف التي تحظر المعاملة «القاسية والمذلة والمسيئة» للمعتقلين، إلا ان هذه النصوص تجد تأييدا من مسؤولين آخرين في الكونغرس ومحامين عسكريين ونواب قادة الأسلحة بالجيش. وكان تشيني قد طلب يوم الثلاثاء من اعضاء مجلس الشيوخ خلال لقاء غداء خاص استثناء وكالة الاستخبارات المركزية من صيغ مماثلة مضمنة في تشريع ماكين. وأعرب المسؤولون عن اعتقادهم في ان التوصل الى تسوية حول التوجيهات المذكورة يمكن ان تلغي الإشارة الى نصوص مواثيق جنيف والاستعاضة عنها بصياغة تتضمن جوهر الممارسات المحظورة، مثل «المعاملة الانسانية تتطلب توفير الغذاء والماء والمأوى والسماح للمعتقلين بتأدية العبادات وحظر التعذيب». ومن المحتمل ان يصوت مجلس الشيوخ يوم الثلاثاء على مقترح آخر يتعلق بالمعتقلين تقدم به السناتور الديمقراطي كارل ليفين، ويتضمن المقترح إقامة لجنة مستقلة للتحقيق في الانتهاكات التي تعرض لها السجناء في العراق وأفغانستان وكوبا.

* خدمة بـ«نيويورك تايمز»