فرنسا تعيش تحت «قانون الطوارئ» للمرة الأولى منذ 40 عاما

الحكومة لا ترى مبررا لإنزال الجيش رغم المطالبات * انتفاضة الضواحي تواصل حصد السيارات والحصيلة الجديدة 1173 * أحزاب اليسار والخضر استنكرت التدابير واليمينية ترحب

TT

دخل قانون الطوارئ في فرنسا حيز التطبيق الفعلي منذ منتصف الليل الفائت، بعد أن قرر مجلس الوزراء امس تفعيله للمرة الاولى منذ العام 1964. ويعطي هذا القانون الذي اقر قبل 50 عاما في عز حرب الجزائر 1955، الشرطة والقوى الأمنية والمحافظين، صلاحيات استثنائية أهمها منع التجول كليا أو جزئيا، وتفتيش المنازل والاعتقال بدون اذن قضائي، ويعطي الحكومة سلطات واسعة للغاية منها الرقابة على وسائل الاعلام ومنع التجمعات وإغلاق الملاهي ودور السينما، ويحد من الحريات العامة ومنها التنقل، والرأي، ما يدل على خطورة الأزمة الأمنية والسياسية التي تجتازها فرنسا، ومخاوف الحكومة من اشتدادها وامتدادها الى مناطق جديدة.

وتفاوتت ردود الفعل على قرار مجلس الوزراء، فانتقدته احزاب اليسار واليسار المتطرف والخضر، فيما رحبت به الأحزاب اليمينية التقليدية واليمين المتطرف. إلا أن فيليب دو فيليه، رئيس حزب التجمع من أجل فرنسا (وهو يميني كاثوليكي متشدد) اعتبر الإجراء الحكومي غير كاف ودعا الى إنزال القوات المسلحة لوضع حد لحالة الفوضى والشغب. ورد رئيس الحكومة مسبقا على مطلب إنزال الجيش بتأكيده أن الوضع «الآن» لا يتطلب إجراء من هذا النوع. بموازاة ذلك، وبالنظر الى امتداد أعمال الشغب الى غالبية المناطق الفرنسية، استدعت وزارتا الداخلية والدفاع جانبا من احتياطي الشرطة والدرك. واعلن رئيس الحكومة دومينيك دو فيلبان استدعاء 1500 رجل إضافي فيما شهدت فرنسا ليلتها الثانية عشرة من أعمال الشغب. وقد احرقت في هذه الليلة 1173 سيارة وألقت القوى الأمنية القبض على 330 من الشبان المشاركين في أعمال العنف. وقال ميشال غودان، مدير عام الشرطة الفرنسية، إن «كثافة أعمال العنف تراجعت» بعض الشيء للمرة الأولى منذ اندلاعها، مدللا على ذلك بتناقص عدد السيارات التي أحرقت قياسا لليلة التي سبقتها، وتراجع حدة «المناوشات» بين رجال الأمن والمشاغبين. ويتبين من إحصائيات وزارة الداخلية أن حدة العنف والشغب تراجعت في ضواحي باريس وانتقلت الى ضواحي المدن الكبرى الأخرى.

ويخول الدستور الفرنسي العمل بقانون الطوارئ لمدة 12 يوما. وتحتاج الحكومة، إذا ما رغبت في تمديد فترة العمل به، الى قانون جديد من مجلس النواب. ولم تنتظر الجهات الحكومية المعنية وخصوصا وزارة العدل انتهاء مهلة الأيام الاثني عشر لطلب التمديد. ومن المقرر أن يعقد مجلس الوزراء الفرنسي يوم الجمعة القادم اجتماعا يخصص لتأثير العمل بقانون الطوارئ على الوضع الأمني ولمناقشة مشروع قانون لتمديد العمل به. ويعطي القانون الذي أنيط أمر اللجوء اليه بالمحافظين الذين يمثلون الدولة في مناطقهم، سلطات إضافية منها فرض منع التجول العام أو الجزئي وإنزال عقوبة السجن أو الغرامة المالية بكل مخالف سواء كان راشدا أو قاصرا. ويمنح القانون المحافظ سلطة السماح لقوى الأمن بتفتيش المنازل في أي وقت من الليل أو النهار ودون الحاجة الى إذن قضائي خاص وكذلك إبعاد من يريد من الأشخاص الذين يعتبرهم مصدر تهديد للأمن والسلامة العامة من مناطق إقامتهم، وفرض الإقامة الجبرية في «مناطق أمنية» محددة، وطرد أجانب، ومصادرة الأسلحة بما فيها أسلحة الصيد، وإغلاق أماكن الاجتماعات العامة والمسارح وصالات السينما والملاهي، وفرض الرقابة على الوسائل الإعلامية.

ويخول القانون القضاء العسكري الحلول محل القوانين المدنية للنظر في الجنح أو الجرائم ما يمكن أن يشكل أداة ردعية إضافية في أيدي السلطات. وباختصار، فإن قانون الطوارئ يعطي الحكومة سلطات واسعة للغاية ويحد من الحريات (التنقل، الرأي..) وتستطيع الحكومة عن طريق مشروع قانون يقدم الى مجلس النواب فرض حالة الطوارئ لفترة طويلة يحددها القانون الجديد بعد انقضاء فترة الـ 12 يوما الأولى. وأمس، تم اجتماع في وزارة الداخلية بحضور الوزير سركوزي ومحافظي «مناطق الدفاع» الفرنسية السبع المعنية بالدرجة الأولى بأعمال العنف والشغب وبالتالي بحالة الطوارئ. وتضم هذه المناطق عمليا غالبية الأراضي الفرنسية، وأول هذه المناطق باريس والمقاطعات الثماني المحيطة بها ومنطقة الشمال ومنطقة الغرب (الشاطئ الأطلسي الممتد من مقاطعة نورمانديا وحتى مقاطعة بريطانيا)، ومنطقة الجنوب الغربي، ومنطقة الشاطئ اللازوردي، وجزيرة كورسيكا، ومنطقة الشرق المحاذية للحدود الألمانية، وأخيرا منطقة الوسط وجنوب شرقي فرنسا. وكان الرئيس شيراك قد برر اللجوء الى حالة الطوارئ بدواعي «العودة الى الهدوء في أسرع وقت». وبحسب الناطق باسم الحكوم جان ـ فرنسوا كوبيه، فإن شيراك طلب من الوزراء «الإسراع في تطبيق حالة الطوارئ بروح من المسؤولية والاحترام» منوها بـ«ضرورة التلازم بين القانون والعدالة».

وكان رئيس بلدية مدينة أورليان الواقعة على بعد 300 كلم جنوب غربي باريس قد استبق مجلس الوزراء بإعلان عزمه على منع التجول لمن دون السادسة عشرة من عمره في المدينة من التاسعة مساء وحتى السادسة صباحا، محتذيا بذلك حذو زميله رئيس بلدية رانسي الواقعة في مقاطعة سين سان دونيس التي انطلقت منها أعمال الشغب.

واثار تطبيق قانون الطوارئ ردود فعل واسعة من الطبقة السياسية الفرنسية. وجاءت السلبية منها، بطبيعة الحال، من اليسار حيث أكد الحزب الشيوعي أن التدبير الحكومي «استفزاز مجاني وغير فعال». وتساءل الحزب الشيوعي في بيان أمس عن «جدوى» منع التجول في الوقت الذي تعجز فيه قوى الأمن عن منع أعمال الشغب. وبعكس ذلك، طالب الشيوعيون باعتماد الحوار سبيلا لإعادة الهدوء وليس القمع و تدابيره.

وأعربت جمعية مناهضة العنصرية ومعاداة السامية وجمعيات أخرى منها نقابة القضاة ونقابة المحامين والخضر عن رفضها للتدبير الحكومي معتبرة أنه سيفتح الباب أمام «استفزازات وممارسات شاذة إضافية». أما الحزب الاشتراكي وهو الحزب المعارض الرئيسي فقد لزم موقفا أكثر اعتدالا. فقد أعلن جان مارك أيرو، رئيس المجموعة البرلمانية الإشتراكية أن الأولوية هي «لإعادة الأمن والنظام» مشيرا الى أن الحكومات الاشتراكية المتعاقبة لم تلغ قانون العام 1955. لكنه شدد على أهمية العمل بقانون الطوارئ لمدة 12 يوما فقط. وبالمقابل أشاد نواب وأحزاب اليمين بقانون الطوارئ، واعتبره نواب التجمع من أجل حركة شعبية وهو الحزب اليميني الرئيسي تدبيرا استثنائيا «للرد على وضع استثنائي».