الحملات الانتخابية في العراق: الهدايا الثمينة والولائم الكبيرة تسبق إعلان البرامج

مظاريف محشوة بدولارات وهواتف جوالة ووعود بمناصب وزارية لإغراء المقترعين

TT

مع انطلاق الحملات الانتخابية للتحالفات والكيانات السياسية التي ستخوض انتخابات 15 الشهر المقبل، لم يتردد البعض من هذه الكيانات وممثليها ان يبدأ حملاته ليس لإعلان البرامج الانتخابية وانما بتوزيع مظاريف محشوة ببعض الدولارات او تقديم الهدايا التي بدأت بالسيارات ولم تنته بأجهزة الهاتف الجوال ووعود بالتوزير في الحكومة المقبلة.

«الشرق الاوسط» تابعت جوانب من بعض هذه الحملات والحفلات التي تنقل بعض صورها.

كان الدكتور احمد الجلبي، رئيس المؤتمر الوطني العراقي، قد سبق الآخرين في بدء حملته الانتخابية بأداء فيه الكثير من التقليدية، حيث نظم دعوات لمثقفين وطلبة جامعات وأطباء وشيوخ عشائر.

وتمت هذه الدعوات التي اشتمل كل منها على ما بين 150 و200 مدعو، في نادي الصيد الذي يقع في حي المنصور الراقي القريب من محل اقامة الجلبي ومكاتبه ـ وكان الجلبي قد اتخذ من نادي الصيد مقرا لحزبه فور دخوله الى العراق عام 2003، لكن الهيئة الادارية للنادي استعادته لاحقا، ومع ذلك ظل هذا النادي العريق ساحة عمليات للجلبي يعقد فيه معظم اجتماعاته ولقاءاته ويقيم في قاعاته جل نشاطاته ومؤتمراته الصحافية.كما يعقد الجلبي بعض لقاءاته في بستان عائد لعائلته في منطقة الكاظمية.

ولا تخلو هذه اللقاءات والدعوات من مآدب غداء او عشاء. وعادة ما يتحدث رئيس المؤتمر الوطني العراقي عن وعود بتحسين الاوضاع الاقتصادية، داعيا لان يكون النفط ملكا لكل العراقيين ومشجعا على قيام فيدراليات في جنوب العراق ووسطه، وواعدا بتحسين الخدمات ومحاربة الفساد الاداري.

وعندما يتم الحديث عن الفساد الاداري، فان الجلبي لا يتوانى عن إلقاء اللوم على الحكومة السابقة التي رأسها الدكتور اياد علاوي. ومن دون ان يذكر اسماء صراحة يردد اتهامات لم يبت القضاء بعد بصحتها.

الجلبي لم يتردد عن تقديم هدايا من النوع الثقيل، فهو قدم لرجل الدين الشيعي المتشدد مقتدى الصدر سيارة مرسيدس مدرعة ضد الرصاص على مواصفات حلف شمال الاطلسي يبلغ سعرها نصف مليون دولار، مع وعد للصدر بتجميد مذكرة القبض القضائية الصادرة بحقه على خلفية مقتل رجل الدين المستقل عبد المجيد الخوئي عام 2003، من اجل كسب التيار الصدري الذي كان قد وضع اول شروطه بالانضمام الى الائتلاف العراقي الموحد الشيعي عدم انضمام الجلبي للائتلاف.

«الشرق الأوسط» تحدثت مع بعض الاطباء والمثقفين العراقيين الذين استقبلهم الجلبي في نادي الصيد فأكدوا ان «هذه اللقاءات روتينية لم نسمع خلالها سوى الوعود من اجل استخدامنا كأوراق مجانية في حملته الانتخابية». وتساءل احدهم، طلب عدم نشر اسمه، «لماذا الوعود، الجلبي نائب رئيس الحكومة وكان بإمكانه ان يحقق بعض الانجازات لنا؟».

الدكتور أياد علاوي، الامين العام لحركة الوفاق الوطني العراقي ورئيس القائمة «العراقية الوطنية» انتهج اسلوبا علميا في حملته الانتخابية، وذلك من خلال وضع غرفة عمليات للحملة يعمل فيها استشاريون من الاعلاميين العراقيين البارزين، البعض منهم يعمل كمتطوع لإنجاح القائمة والبعض الآخر ينتمي للحركات والأحزاب المتحالفة ضمن القائمة مثل الحزب الشيوعي العراقي وتجمع الديمقراطيين العراقيين المستقلين وتجمع «احرار» وتجمع «عراقيون»، وهؤلاء يعملون بروح الفريق الواحد ضمن خطط مدروسة.

علاوي التقى مجاميع من اعضاء حركته ومن آخرين يمثلون شرائح مختلفة من المجتمع العراقي في قاعة المعهد الديمقراطي التابع للحركة وتحدث اليهم ليس عن الوعود الجاهزة وإنما عن اهداف ومبادئ قائمته.

محمد خورشيد، عضو المكتب السياسي لحركة الوفاق الوطني قال «نحن نعمل لتجسيد مبادئ وأفكار حركتنا، تلك المبادئ التي ناضلنا طويلا من اجلها، ألا وهي تحرير العراق من الحكم الديكتاتوري وتحقيق النظام الديمقراطي وبناء العراق من جديد». وأضاف قائلا «لم نضع في اذهاننا اننا سنحكم العراق في يوم ما، بل ولم نثقف كوادرنا على ذلك، لكن الأمين العام للحركة عندما وجد نفسه مضطرا ليكون في واجهة الاحداث من اجل انقاذ العراق من التقسيم والتجزئة وشعر بمسؤولية شعبه وبطلب وإلحاح من الحركة، تصدى للعملية السياسية وتقدم بالقائمة العراقية الوطنية التي لم تضم إلا القليل من اسماء أعضاء الحركة».

المفكر العراقي أياد جمال الدين زعيم تجمع «أحرار» المؤتلف ضمن القائمة العراقية الوطنية عن محافظة ذي قار (الناصرية) يتحرك ضمن المسار ذاته الذي تنتهجه القائمة، فهو(جمال الدين) يستقبل انصاره وأنصار القائمة في مضيفه المبني من قصب البردي المنتشر في أهوار العراق ووفق نمط مضايف شيوخ العشائر العراقية في جنوب العراق. وغالبا ما يكون ضيوفه هم من ابناء وشيوخ عشائر الناصرية التي يأمل جمال الدين ان يحقق مع بقية اعضاء القائمة نصرا كبيرا فيها خلال الانتخابات المقبلة.

قال جمال الدين لـ«الشرق الاوسط» تحت سقف مضيفه «لقد تولينا بأنفسنا وضع اسماء المرشحين عن مدينة الناصرية ضمن القائمة العراقية الوطنية، ونحن نعرف اهلنا في الناصرية كلهم من المثقفين والمبدعين، فالشعر والموسيقى والغناء لها موطن عريق هناك، بل ان أولى الحضارات الراقية في وادي الرافدين بدأت من اور» القريبة.

ويراهن جمال الدين على علمانية اهالي الناصرية وعلى ثقتهم بالكيانات المرشحة ضمن قائمته.

قائمة «الائتلاف العراقي الموحد» الشيعية التي فازت بالأغلبية في الانتخابات السابقة بفضل تأييد المرجع الشيعي الاعلى آية الله علي السيستاني، تراهن الآن على الحس الطائفي للناخب العراقي واللعب على وتر «المظلومية» التي طالت الشيعة تاريخيا. كما ان رهانها الاكبر هو على تصويت انصار مقتدى الصدر لصالحها.

وإذا كانت بقية القوائم قد اختارت صالات النوادي الاجتماعية والقاعات العامة والبيوت كمجالس او حفلات انتخابية، فان قائمة الائتلاف العراقي الموحد اختارت الجوامع والمساجد والمجالس الحسينية واللطم على الصدور للترويج لنفسها، خاصة في المدن الشيعية من غير ان نهمل الدعم الايراني غير المحدود لهذه القائمة.

وحسب محلل سياسي عراقي، طلب عدم نشر اسمه، فان «قائمة الائتلاف لا تستطيع ان تعد الناخبين بالكثير كونها سيطرت على اغلبية مقاعد البرلمان وتسلمت الحكم في العراق من دون ان تحقق مكاسب تذكر للعراقيين بمن فيهم ابناء الطائفة الشيعية. بل ان حكومة ابراهيم الجعفري رئيس حزب الدعوة الاسلامية مارست أسلوبا طائفيا لم ينجح في قيادة البلد في ظل ظروف صعبة».

الحركات والأحزاب العربية السنية تلعب هي ايضا بالورقة الطائفية، ولكن تحت مسميات غير مباشرة ملوحة بان الوضع الامني لن يتحسن ما لم يصل ممثلوها الى سدة الحكم. ومن غير المنطقي ان نردد ما يقوله اضداد العرب السنة من ان هؤلاء المرشحين هم امتداد لحكم صدام او انهم (العرب السنة) حكموا العراق خلال العقود الماضية، وان كانت هناك جيوب بعثية واضحة في بعض القوائم السنية التي راهنت هي الاخرى على العشائر السنية، مثلما راهنت القوائم الشيعية على عشائرها.

مثال الآلوسي رئيس(حزب الامة العراقية) يراهن على طروحاته المشاكسة للحكومة الحالية وعلى عزفه على وتر شباب العراق ومثقفيه الذين تلقى طروحات الآلوسي صدى طيبا بين البعض منهم باعتباره قائدا شبابيا متمردا على كل ما هو سائد.