زوليك يحمِّل الخرطوم مسؤولية تفاقم الأوضاع في دارفور وينتقد الحركات المسلحة

البشير: نرفض مواقف واشنطن المزدوجة تجاه السودان

TT

حمل مساعد وزير الخارجية الاميركي روبرت زوليك الحكومة السودانية مسؤولية «تفاقم» الاوضاع المضطربة اصلا في اقليم دارفور، «باستغلال الصراعات داخل الحركات المسلحة في دارفور». وفي الاتجاه الآخر لوَّح بأن المجتمع الدولي قد لا يساعد الحركات المسلحة في الاقليم حال استمرارها في الصراعات بينها»، وشدد على ان بلاده «تفضل قيام سودان موحد ينعم فيه الجميع بالديمقراطية».

وبدأ زوليك مفاوضات «شاقة»، ووصفها بنفسه بأنها «مهمة» في السودان ركزت حول الاوضاع في دارفور في جوانب «وقف نشاط الجنجويد والعنف ضد المرأة والاوضاع الانسانية». وأضاف ان بلاده تؤيد محاسبة المسؤولين عن الجرائم الانسانية في دارفور، والاسراع في تنفيذ اتفاق السلام الموقع بين حكومة الرئيس عمر البشير والحركة الشعبية لتحرير السودان في يناير (كانون الثاني) الماضي، وكيفية حسم جيش الرب المعارض للحكومة الاوغندية والذي يتخذ من الاراضي السودانية منطلقا له ضد اوغندا.

واستغرقت مباحثات زوليك مع الرئيس عمر البشير الساعتين وعلي عثمان محمد طه (زهاء الساعة ونصف الساعة) ووزير الخارجية الدكتور لام أكول. وسيتوجه المسؤول الاميركي الذي يمهد بزيارته هذه لزيارة خاطفة ستقوم بها وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس للخرطوم في شكل توقف في مطار الخرطوم الدولي غدا الى دارفور حيث يزور مدينة نيالا في جنوب دارفور، قبل ان يتوجه الى مدينة جوبا الجمعة لاجراء مباحثات مع النائب الاول للرئيس، ورئيس حكومة الجنوب سلفا كير حول ذات القضايا المحددة.

وقال زوليك في محاضرة قدمها في قاعة الشارقة الشهيرة في الخرطوم ان بلاده تعتبر مسألة ايجاد السلام في دارفور من المسائل البالغة الاهمية بالنسبة لها، وقال ان قوات حفظ السلام في دارفور تحتاج الى دعم عاجل للقيام بمهامها، واتهم الحركات المسلحة بأنها في سياق صراعاتها تهاجم قوات الاتحاد الافريقي التي تحرس الاتفاق الهش لاطلاق النار في الاقاليم، وقال الاتحاد الافريقي لديه 700 جندي ومن العسير جدا عليه العمل في منطقة بحجم فرنسا ولا بد من دعمه. وأضاف ان بلاده تؤيد محاسبة المسؤولين عن الجرائم الانسانية في دارفور.

وقال في المحاضرة التي حضرها حشد من السياسيين والاكاديميين والصحافيين ومراكز البحوث إن الادارة الاميركية ستواصل تقديم الاغاثة الانسانية لمن يعانون في السودان. وأضاف «وسندعم اجراء انتخابات حرة وقيامَ مؤسسات ديمقراطية وتطورا اقتصاديا لشعب السودان». واعتبر الزيارة مهمة وقال ان المسائل التي اثارها، وهي «تطبيق الاتفاق، وجيش الرب، ودارفور، والاتحاد الافريقي، والعنف ضد النساء» تشكل اهتمامات لدى واشنطن .

وقال ان العمل يجري لتوفير العون الانساني واحلال السلام في دارفور لكن لا بد ان يؤدي ذلك في نهاية المطاف الى مصالحة وطنية، وكان هنالك تعاون وتعايش على مدى قرون بين السكان الا ان العلاقات تدمرت في اعقاب فترات الجفاف والمشاكل بين الرعاة والمزارعين.

وقال: التحول الديمقراطي الذي ينشده السودان ورد في ثنايا اتفاقية السلام الشامل، ومضى: «اذا سعى السودانيون بجد لتحقيق السلام فاننا نشد من ازرهم ومعنا بقية دول العالم». وطالب حكومة جنوب السودان بأن «تعمل على بناء جنوب قوي، وعلى وزرائها على المستوى المركزي ان يعملوا من اجل السودان بأسره وان يشاركوا في حل مشكلة دارفور، وعلمت ان الجهود تجري لتكون هناك رؤية موحدة لحكومة الوحدة الوطنية لتحقيق السلام في دارفور».

من ناحيته، ابلغ الرئيس بشير امس، رسميا، زوليك رفض السودان القاطع لمواقف الولايات المتحدة المزدوجة تجاه السودان، وانتقد المواقف المتناقضة والمتمثلة في المطالبة بتنفيذ اتفاق السلام وتجديد العقوبات في ذات الوقت. وقال البشير في المباحثات بينهما إن مثل هذه الخطوات لا تساعد على انفاذ الاتفاق الذي يحتاج الى تطبيق عملي في الداخل باصلاح القوانين وتشكيل اللجان والدعم الخارجي سواء المباشر عبر المانحين او بالمعاملة الطبيعية. وقال علي كرتي وزير الدولة بالخارجية في تصريحات صحافية ان الرئيس ابلغ زوليك رفض السودان لمطالبة بعض الجماعات الاميركية بابقاء العقوبات على الشمال ورفعها في الجنوب، وأكد البشير لزوليك ان السودان يرفض رفضا باتا هذا الموقف. وحسب كرتي فإن البشير طمأن المسؤول الاميركي بأن اتفاق السلام يجري تطبيقه وفق النهج المتفق عليه، وعزا البطء الى وفاة زعيم الحركة الشعبية السابق الدكتور جون قرنق، اضافة الى بعض الاسباب العملية التي ادت الى تأخير تشكيل الحكومة القومية وحكومات الجنوب والشمال، وابان البشير بأن ما تبقى من لجان ومفوضيات قليلة ينتظر فقط قرارات من المجلس الوطني عقب انعقاده، وأكد ان حكومة الوحدة الوطنية تعمل في تجانب واتساق.

وحول الوضع في دارفور انتقد البشير الصمت الكثيف على عمليات الحركة التي يقوم بها المتمردون من قبل المجتمع الدولي، وقال ان عدم تحديد مواقع التمرد يؤدي الى الخروقات، وذكر ان المرات القليلة التي ردت فيها الحكومة على الهجمات بسبب عدم مقدرة قوات الاتحاد الافريقي على الملاحقة وجدت صدى مضادا. وتابع «مما يظهر ان الحكومة هي التي تخرق الاتفاق».

وطالب بضرورة الضغط على الحركات لتحديد مواقفها، وأكد انه ما لم يتم ذلك فلن تكون هناك فرصة تثبت وقف اطلاق النار. وأشار كرتي الى ان البشير طمأن نائب وزيرة الخارجية بسير العمل الانساني وان الحكومة تقدم الدعم اللازم لقوات الاتحاد الافريقي. وأكد له ان اجراءات عملية وقانونية اتخذت من قبل الجهات العينية للحد من العنف ضد النساء وان تقدما كبيرا في هذا المجال قد حدث، وقال ان اللقاء تطرق الى الجهود المبذولة لمحاربة «جيش الرب». ونقل البشير لزوليك ان مقترحات محددة يجري الاعداد لها حاليا للاتفاق مع اوغندا حول كيفية مطاردة «جيش الرب» منوها الى ان مسائل قانونية محددة يجري الاعداد لها حاليا. مذكرا بالتعاون السابق بين كمبالا والخرطوم لمطاردة «جيش الرب». واعتبر كرتي في حديثه للصحافيين ان ما يجري من قبل واشنطن هو محاولة للضغط على السودان وان اطرافا داخل الولايات المتحدة تريد التأكد من سير إنفاذ الاتفاق ومن ثم اعادة العلاقات ومراجعة المسائل الخلافية.

الى ذلك، طالبت الامم المتحدة بشدة بحل المليشيا المسلحة في جنوب السودان ودارفور والعاصمة الخرطوم او دمجها في الجيش السوداني او الحركة الشعبية لتحرير السودان، قبل ان تحذر من مغبة وجودها في هذه المواقع بكامل اسلحته، وتشير المنظمة الدولية بمطالبتها وتحذيرها الى «قوات الدفاع الشعبي»، و«قوات دفاع جنوب السودان» بزعامة باولينو ماتيب المواليتين لحكومة الرئيس البشير، ومليشيات الجنجويد في دارفور.

وقال فرانسيس كي كي، رئيس لجنة نزع السلاح والدمج التابعة للبعثة الخاصة للامم المتحدة في السودان، في مؤتمر صحافي في الخرطوم امس إن مندوب الامم المتحدة اجرى حوارا مع الحركة الشعبية لتحرير السودان ووضعية قوات دفع جنوب السودان بدمجها في قوات الحركة او الجيش السوداني او تسريحها او دمجها في المجتمع بعد توفير البدائل لعملها. وقال ان من حق الحكومة السودانية ان تحدد مصير قوات الدفاع الشعبي بدمجها في الجيش او تسريحها.

وشدد على ان الامم المتحدة ترفض وجود ميلشيا مسلحة خارج نطاق القانون، وذكر ان الامم المتحدة ستساعد في عملية الدمج والتسريح، وأشار الى لجنة مشتركة خاصة تعمل في مجال وضعية المجموعات المسلحة في السودان.

الى ذلك، قالت راضية عاشوري، الناطق الرسمي باسم البعثة في المؤتمر الصحافي، ان بعثة الامم المتحدة بالسودان رفعت مستوى المحاذير الأمنية لموظفيها ببعض مناطق جنوب السودان الى المستوى الرابع في اعقاب مقتل اثنين من موظفي منظمة سويسرية بجنوب السودان أخيرا.

وقالت ان رفع مستوى المحاذير الامنية الى المستوى الرابع يعني ان العمال الانسانيين المهمين فقط يستطيعون العمل بمناطق معينة، الامر الذي يعني تقليل نشاط البعثة الانساني في مناطق عدة لا سيما ولاية بحر الجبل وبعض مناطق الاستوائية. وأضافت ان المنظمة السويسرية اوقفت نشاطها الانساني ، ما ادى الى خفض مستوى عمليات نزع الالغام والتأثير محليا في معدلات عودة النازحين الى مناطقهم.

وأكدت عاشوري ان نشاط المليشيات المسلحة بالجنوب سيؤثر على خطط البعثة لنشر موظفي وقوات الامم المتحدة وعمليات اعادة الاعمار وجهود تنظيف الطرق بهدف ربط مدن جنوب السودان بالدول المجاورة وناشدت الحكومة وحكومة الجنوب توفير الامن اللازم للعمال الانسانيين، واضافت ان ايان برونك الممثل الخاص للامين العام للامم المتحدة بالسودان، الذي يزور جوبا، سيناقش مع رئيس حكومة الجنوب سبل توفير الامن والسلم للعاملين الانسانيين. وقالت عاشوري ان البعثة تعمل على إكمال نشر قوات الامم المتحدة لدعم السلام في السودان والبالغ عددها عشرة آلاف جندي في يناير من العام 2006. وأضافت ان عدد القوات الاممية التي وصلت السودان حتى الآن بلغ 3822 أي حوالي 40 % من العدد الكلي للقوات. ونوهت الى ان نشاط المليشيات المسلحة بجنوب السودان ولا سيما «جيش الرب» سيؤثر سلبا على عمليات نشر القوات الدولية ويعوق جهود تنظيف الطرق الرئيسية المستخدمة في نقل وتوزيع القوات.