فرنسا: حذر بعد تراجع نسبي للعنف للمرة الأولى منذ 14 يوماً

توقيف 1830 شخصاً منذ بداية الأحداث وسجن 213 شخصاً بينهم أربعون قاصرا وحرق 617 سيارة ليل الثلاثاء ـ الأربعاء

TT

للمرة الأولى منذ 14 يوما تراجعت حدة العنف وأعمال الشغب نسبيا في ضواحي باريس والمدن الفرنسية وذلك عقب إعلان حال الطوارئ وفرض منع التجول الكلي أو الجزئي في عدد من المناطق الساخنة. وأفاد استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «سي.آس.أ» لصالح صحيفة «لو باريزيان» بأن 73 بالمائة من الفرنسيين يؤيدون فرض حال الطوارئ، ما يعكس قلقا شعبيا مؤكدا إزاء تدهور الحال الأمنية وامتداد أعمال الشغب الى غالبية المناطق الفرنسية، ورغبة عارمة في كبح جماح العابثين بالأمن وإن كان باللجوء الى «طرق غير تقليدية».

غير أن أوساطا رسمية وفرنسية حكومية بدت بالغة الحذر إزاء التحسن الطفيف الذي طرأ على الوضع الأمني الذي تربطه بعوامل ثلاثة : الأول هو «الصدمة» النفسية التي يمثلها إعلان حال الطوارئ للمرة الأولى في فرنسا منذ 41 عاما وبموجب قانون قديم صدر عندما كانت فرنسا بلدا مستعمِرا وتسعى الى قمع الحركة الداعية لاستقلال الجزائر في الجزائر نفسها وداخل الأراضي الفرنسية. والعامل الثاني يعود، وفق الأوساط نفسها، الى عمليات الاعتقال التي تنفذها القوى الأمنية الفرنسية التي تأمل منها أن تضرب «النواة الصلبة» من الغوغائيين والمشاغبين ما يسهل بعد ذلك عودة الأمن والاستقرار الى البلاد. وبحسب أرقام وزارة الداخلية فقد تم توقيف 1830 شخصا منذ بداية الأحداث، وأودع السجن ـ بعد مرورهم أمام المحاكم الفورية ـ 213 شخصا بينهم أربعون قاصرا. أما العامل الثالث فيتمثل بالأعداد الكبيرة من الشرطة والدرك التي نشرتها وزارتا الداخلية والدفاع إذ وصل ذلك الى 11500 رجل بعد أن استدعت الوزارتان جزءا من احتياطيهما. وأظهرت الأرقام، التي كشف عنها مدير الشرطة الفرنسية ميشال غودان في مؤتمر صحافي أمس، أن إحراق السيارات تراجع بمعدل النصف في الليلة الثالثة عشرة من أعمال الشغب بحيث هبط الرقم الى 617 سيارة (مقابل 1173 في الليلة التي سبقتها). كذلك تراجع عدد البلدات والمدن التي شهدت أعمال عنف، إذ تراجعت من 226 بلدة ومدينة الى 196. وكذلك تراجع عدد الاشخاص الذين تم توقيفهم في ليلة واحدة الى 280 شخصا مقابل 330 شخصا في الليلة السابقة. وأصيب ليل الثلاثاء ـ الأربعاء من الشرطة 108 في المواجهات اليومية مع مجموعات الشغب المشكلة من شبان غالبيتهم متحدرة من أصول اجنبية أفريقية ومغاربية.

وأفاد كريستيان غايار دو لافرنيه، مدير الدفاع والأمن المدنيين، بأن عمليات رجال الإطفاء قد تراجعت خصوصاً في منطة باريس وضواحيها. واللافت أن كليشي سو بوا، حيث انطلقت شرارة أعمال الشغب، كانت هادئة في اليومين الأخيرين. وقال غودان إن هذه الأرقام «تعكس تراجعا ملموسا في الأعمال العدائية» التي تواجه قوات الأمن.

وصدر في الجريدة الرسمية المرسوم الذي يحدد المناطق التي يمكن ان يشملها تطبيق حال الطوارئ التي أصبحت سارية منذ منتصف ليل الاربعاء، بكل ما ينص عليه قانون العام 1955. يعطي القانون المذكور، الذي أعاد تفعيله مجلس الوزراء الاثنين الماضي، المحافظين (أي ممثلي سلطة الدولة في العاصمة والمناطق) سلطات واسعة للغاية منها الحق في إعلان منع التجول الجزئي أو الكلي وإقفال الملاهي والمسارح وصالات السينما وتحريم بيع الكحول وتفتيش المنازل من غير إذن قضائي وإبعاد المشاغبين الى مناطق بعيدة عن أماكن إقامتهم والاستعانة بالمحاكم العسكرية. ولم يرد في المرسوم الحكومي أي ذكر لفرض الرقابة على الوسائل الإعلامية ما يعني أن الحكومة أخرجتها من دائرة الأحكام المفروضة. وبحسب مرسوم الجريدة الرسمية فإن حال الطوارئ تطبق على 25 مقاطعة و38 بلدة أو مدينة منها باريس وكل الضواحي المحيطة بها ومدن مرسيليا وتولوز وليل. وتستطيع الحكومة عند الضرورة إضافة مقاطعات ومدن جديدة على اللائحة المنشورة في الجريدة الرسمية. وتعمل الحكومة على تحضير مشروع قانون ستقدمه في القريب العاجل الى البرلمان الفرنسي بغرض تمديد مدة العمل بحال الطوارئ الى ما بعد المرحلة الأولى الممتدة الى 12 يوما وفق ما تنص عليه الأحكام المرعية. ومن المؤكد أن الحكومة لن تجد صعوبة في تمرير مشروع القانون بفضل الأكثرية النيابية التي تتمتع بها في البرلمان وبسبب ضعف المعارضة التي انتقدت قانون حال الطوارئ بكثير من الغموض.

ومنذ الثلاثاء، أخضعت مجموعة من المدن والبلدات لقانون الطوارئ لحظر التجول ومنها مدن أميان (شمال باريس) وأورليان (وسطها) وفي عدد من الضواحي المحيطة بباريس والتي منها انطلقت أعمال الشغب في السابع والعشرين من أكتوير (تشرين الأول) الماضي. وعمدت السلطات الى حظر بيع البنزين والمشتقات النفطية للقاصرين بغرض حرمانهم من تصنيع زجاجات المولوتوف الحارقة. غير أن التحسن الملموس لم يعن غياب أعمال العنف التي ما زالت تضرب هنا وهناك. وأحرق المشاغبون ثمانية أبنية رسمية، كما تم حرق مستودع لصحيفة «نيس ماتان» في مدينة نيس. وفي مدينة ليون تعرض فريق من الصحافيين الروس لمعاملة سيئة من مجموعات من المشاغبين.

أما على المستوى السياسي فإن المعلومات التي توافرت أمس تفيد بأن رئيس الحكومة دومينيك دو فيلبان هو الذي أصر على فرض أحكام الطوارئ بينما وزير الداخلية نيكولا سركوزي كان يعتبر أن قوات الأمن ليست بحاجة الى مثل هذا القانون وأنها قادرة بوسائلها على السيطرة على الوضع. وحسم الرئيس شيراك الجدل. وإذا تبين مع الوقت أن حالة الطوارئ ومنع التجول ساعدا في إعادة الهدوء فسيكون ذلك بمثابة «انتصار سياسي» له ونقطة جديدة رابحة تسجل لحسابه وعلى حساب منافسه وزير الداخلية.