إرهاب أقرب لإنفلونزا الطيور

TT

عمليات التفجير التي وقعت في ثلاثة فنادق أردنية لم يعهدها الأردن الذي كانت فيه أعمال الإرهاب والعنف السياسي منذ فترة طويلة تتسم بالمحدودية والسطحية، وأغلبها اكتشف في مرحلة التخطيط أو قبل وقوعها. وكانت هذه العمليات أقرب إلى المفاجأة، بل والصدمة، ويتوقع أن تؤدي إلى سلسلة من الإجراءات والحالات غير المألوفة في الأردن الذي كان يغلب عليه الشعور بالأمن والاستقرار. فمن المألوف لأهله أن تكون الشوارع والمقاهي والفنادق والمطاعم تغص بالناس حتى منتصف الليل، ولا يكاد يبدو مظهر للطوارئ أو التوتر في الأماكن العامة، وهو ما كان يثير دائما دهشة زوار الأردن وإعجابهم، ويجتذب السياح والمستثمرين ويشجعهم، وبخاصة في الموسم السياحي الصيفي الماضي الذي كان استثنائيا في مسار السياحة الأردنية.

ولكن العنف السياسي والإرهاب لم يعودا قضية محلية متعلقة بالسياسات والمواقف المتبعة في دولة، وإنما أقرب ما يكون إلى إنفلونزا الطيور، فلم يعودا يستهدفان بلدا أو شخصا بذاته، ولا يمكن فهمهما أو تحليلهما وفق معلومات وسياسات ومدخلات وطنية محلية، وكأن الحالة الجديدة تقدم فهما جديدا للآية الكريمة «.. فكأنما قتل الناس جميعا» ليس متعلقا فقط بحجم الجريمة وبشاعتها، ولكنها أيضا تدل على أن «القتل» أمر يخص الناس جميعا، ويجب التعامل معه ومواجهته على أنه قضية العالم كله، فالأردن يبدو في مواجهة مع جماعات معولمة لا تستهدف سياساته ومواقفه بالتحديد، ولكنها حالة عالمية متداخلة، ولا يمكن مواجهتها إلا بإصلاح العالم الذي أصبح أقرب إلى بلد واحد، وأن العالم كله يتحمل بالتضامن مسؤولية الظلم والاحتلال والهيمنة. وقد يكون من العجلة إسناد التهمة إلى جماعات ينصرف إليها الذهن تلقائيا، وقد تكون دول وجماعات ومصالح قريبة أو بعيدة تدفع إلى الفوضى والابتزاز والضرر والجنون، ويجب ألا تحمي حالة الإغراق الإعلامي السائدة الفاعلين الحقيقيين، وإذا كان مقبولا في مرحلة ما أن يقدم الإعلاميون أفكارا ومقابلات وتحريات، تقع في سياق التسلية والإثارة، فإن الظاهرة اليوم بالنسبة إلى الأردن والدول والمجتمعات المتضررة مباشرة بالإرهاب على الأقل تمثل تحديا يجب فهمه، ولم يعد ثمة مجال لترف التسلية والتحليل الكسول للعنف في سياق ميثولوجي وتوظيف سياسي وإعلامي واستثماري.

والمعلومات المتاحة حتى الآن لا تربط الأحداث التي وقعت في الفنادق بحالة استثنائية، فحفل العرس الذي وقع التفجير في منتصفه في فندق راديسون ساس، يعود إلى عائلتين عاديتين ليس لهما أي وضع سياسي، ولم يكن بين القتلى أو الجرحى كما يظهر للآن أي دور سياسي يستدعي استهدافهم بالقتل، وكذلك الأمر بالنسبة للفندقين الآخرين اللذين وقع فيهما الانفجار. والانطباع الأولي للعمليات الإرهابية أنها متصلة بما يجري في المنطقة من عنف وتوتر، وأنها تندرج تحت عنوان «الإرهاب في مواجهة العالم، والعالم في مواجهة الإرهاب» فهي حالة عولمة أكثر مما هي محلية، وإذا أيدت التحقيقات الجارية ما قاله أحد العاملين في فندق «حياة» لإحدى القنوات الفضائية عن أن المنفذ هو عراقي، فإن التحليل الذي يربط ما يجري بعولمة العنف والإرهاب سيكون الأقرب إلى الصحة، وبخاصة أن الأردن لم يكن مسرحا للعنف الدموي والخطر طوال العقود الماضية، وأنه ليس في حالة مواجهة قاسية مع جماعة إرهابية أو سياسية منظمة، فقد كانت جميع العمليات السابقة التي أعلن عن وقوعها في الأردن تعود لمجموعات محدودة غير منظمة تحاول أن تضر بالإسرائيليين أو ضباط دائرة المخابرات العامة ومرافقها، وكان عدد المعتقلين في قضايا الإرهاب محدودا بالعشرات، وكانت نتائجها أيضا محدودة، وتغلب عليها مشاركة غير الأردنيين.

* كاتب ومحلل أردني