تحديد الحالة العقلية للجنين في الأشهر الثلاثة الأولى للحمل

TT

أفادت دراسة علمية نشرت أمس انه صار بالإمكان الكشف عن الأجنة المصابة بـ«متزامنة داون» التي تعرف بين الناس بالتخلف العقلي (المنغولي) خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل وبشكل موثوق به.

ووجدت الدراسة، الأوسع في نوعها، أن الطريقة المتبعة في المسح الطبي، الذي يتضمن فحصا للدم والفحص بواسطة الذبذبات ما فوق الصوتية، يمكنها تحديد أي من الأجنة مصاب بهذا الخلل بعد 11 أسبوعا من الحمل. وهذا ما يسمح للنساء باتخاذ قرار مبكر في ما إذا كن يردن أن يقمن بفحص أكثر خطورة للتثبت من صحة التشخيص.

وقال فرغال مالون، من الكلية الملكية للجراحين في دبلن والذي ترأس فريق البحث، إن هذا الإنجاز «مهم جدا للنساء، وسيكون له تأثير كبير على العناية الخاصة بالنساء، ليس فقط في الولايات المتحدة بل في شتى أنحاء العالم».

ويسمح إجراء الفحص قبل بدء الشهر الرابع من الحمل للنساء اختيار إنهائه في وقت يعتبره الأطباء أكثر سلامة وأقل إيلاما. كما يعطي هذا الفحص النساء اللواتي يرغبن في مواصلة الحمل وقتا أطول للتهيؤ من الناحية العاطفية لتقبل أوضاع أطفالهن القادمين. وقالت كاثرين سبونغ من المعهد القومي لصحة الطفل ونمو الإنسان، الذي مول الدراسة بكلفة 15 مليون دولار واستمرت ثمانية أعوام: «انه اختراق علمي كبير».

وتعتبر «متلازمة داون» أكثر الاختلالات شيوعا للكروموسومات حيث تحدث لخمسة آلاف طفل يولدون كل سنة في الولايات المتحدة. وتنجم هذه المتلازمة عندما تكون في الكروموسوم الواحد والعشرين ثلاث نسخ بدلا من نسختين، الأمر الذي يسبِّب خصائص جسدية مختلفة، وهي تقود إلى مشاكل محددة في نمو الطفل تزيد من وقوعه في أمراض متنوعة تؤدي إلى تقصير عمر الطفل.

وحاليا يعرض على النساء اللواتي لهن تاريخ عائلي خاص أو بسبب عمرهن فحص الدم المعروف بالفحص الرباعي عندما يكن في الأسبوع السادس عشر من حملهن. والنساء اللواتي تكون نتائج فحوصهن إيجابية يستطعن الخضوع لفحص آخر أكثر دقة يدعى «أمنيوسنتسيس» amniocentesis للتوثق من صحة التشخيص الأولي.

لكن الطريقة الجديدة تستخدم الفحص بواسطة الذبذبات ما فوق الصوتية لقياس سمك جلد رقبة الجنين مع فحص للدم لمعرفة مستويات البروتين التي تسمى بروتين البلازما A المرافقة للحمل وهرمون يعرف باسم HGG (الغشاء البشري للغونادوتروبين).

وتضمنت الدراسة فحص 38167 امرأة في 15 مركزا طبيا أميركيا بهدف معرفة أي من الأجنة كانت مصابة بـ«متلازمة داون». وخلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل تم تشخيص 87% من حالات «متلازمة داون» حيث جرى الفحص على حوامل في الأسبوع الحادي عشر، بينما شخص الفحص «الرباعي» لاحقا 81% من الحالات. وكلا الفحصين أنتجا 5% من النتائج غير الصحيحة. وقال مالون: «على ضوء هذه الدراسة، نحن نقدم هذا الفحص لكل النساء خلال الأشهر الثلاثة الأولى من حملهن».

ويمكن للواتي تكون النتيجة مقلقة لديهن، أن يأخذن فحصا آخر يسمى «سي. في. إس» يجري على الغشاء المحيط بالجنين داخل رحم الحامل للتوثق من صحة التشخيص الأول أثناء الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل. وبامكان النساء اللاتي لا تتضح لديهن النتيجة، انتظار الفحص الرباعي خلال الأشهر الثلاثة التالية من الحمل. وإذا كان ذلك إيجابيا، فإنهن يستطعن القيام بالفحص الآخر «امنيكوسينتيس» الذي يحمل مخاطر وقوع الإسقاط.

وقال مالون إن النساء الراغبات في الإجهاض بسبب النتيجة الإيجابية لفحصهن الأول يستطعن القيام به في فترة أبكر، وهذا ما يجعل العملية أقل خطورة وإزعاجا. وأضاف: «في الأسبوع العشرين من الحمل تستطيع أكثر النساء تحسس حركة الجنين في بطونهن. نحن لا نريد أن نقلل من المصاعب النفسية والعاطفية للمرور بعملية إجهاض في تلك المرحلة».

وبالنسبة للنساء اللواتي يحصلن على نتيجة سلبية (أي لا يتم تشخيص متلازمة داون لدى أطفالهن) فإنهن سيشعرن بالراحة في فترة مبكرة من حملهن. وقال مالون: «سيكون بإمكان آلاف النساء الاسترخاء منذ الأشهر الثلاثة الأولى ولا يقلقن حول هذا الموضوع».

لكن جين رود، من اتحاد الجمعيات الطبية المسيحية، قال انه قلق من عدم حصول النساء على نصائح كاملة حول المخاطر الناجمة عن الفحوص السابقة للولادة ومن احتمال استخدام الفحص كسلاح للتخلص من الأطفال المصابين بمتلازمة داون. وتساءل رود «ما الهدف هنا؟ هل هو لتخليص المجتمع من الأطفال المصابين بمتلازمة داون؟ اذا كان ذلك هو الهدف فانني أتساءل عن مدى تحضر ممارسة من هذا النوع. العدد الكبير من المصابين بمتلازمة داون يخبرك بأن حياتهم سعيدة».

وقال راندال أوبانون من «اللجنة الوطنية في حق الحياة» إن «تلك الفحوص تهدف إلى اختيار الأطفال الذين يشكلون نسبة 5% كي يتم إسقاطهم والذين قد لا يكونون مصابين بمتلازمة داون». واعتبر ان «قتل طفل مصاب بمتلازمة داون ليس حلا لمتلازمة داون».

لكن مالون وآخرين يشكّون في أن هذه الفحوص ستؤدي إلى زيادة حالات الإجهاض. وقال مالون: «ستقوم أكثر النساء باتخاذ نفس القرار لكن في فترة أبكر من حملهن. وفي حال قررن إجراء الإجهاض فإن الكشف المبكر سيجعله أكثر سلامة ويزيد من سرية هذه العملية، خصوصا أن الحمل لا يكون واضحا على النساء في فترة الأشهر الثلاثة الأولى».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»