الوجه الآخر لبغداد: حفلات أعراس وعروض مسرحية وأطفال يتحدون كل شيء

مشاهد يومية من حياة مدينة تقاوم الموت

TT

ليس صحيحا اذا قلنا ان كل ما يجري في الساحة العراقية اليوم، هو عبارة عن عمليات اختطاف واغتيالات وتفجيرات وأزمات في الأوضاع الاقتصادية والخدماتية، ففي ذلك سنجانب الصورة الحقيقية للحياة اليومية العراقية، التي هي في جوانبها الأخرى، تعبر عن الروح العراقية في تحدي المصائب ومحاولة عبور المطبات اليومية، من اجل ان تستمر الحياة وتتقدم. هنا، في بغداد، وبعد سماعك صوت تفجير سيارة مفخخة او عبوة ناسفة سيبهرك صوت الموسيقى الشعبية المنبعث من احدى سيارات موكب عرس. وستسعدك دعوة لحضور حفل افتتاح معرض فني او عرض مسرحي او عصرية شعرية، (لان غالبية هذه النشاطات ان لم نقل جميعها تقام قبل غروب الشمس). أيضا، مما يفرح في العاصمة العراقية افتتاح الفنادق الكبرى، فبالإضافة الى فندقي فلسطين (ميرديان) وعشتار (شيراتون)، تم إعادة افتتاح فندقي المنصور (ميليا) وبابل وبإدارة عراقية بحتة، من قبل القطاع الخاص العراقي، فيما يعمل فندق الرشيد ضمن حدود المنطقة الخضراء وهو خاص بضيوف القوات المتعددة الجنسيات والحكومة العراقية. في أحياء، مثل المنصور والحارثية والكرادة والاعظمية والجادرية، حيث تقع جامعة بغداد، ترى حسناوات عراقيات يرتدين أحدث الملابس المستوردة، التي تباع في محلات بغداد بأرخص الاثمان. وهنا يجب أن لا ننسى ان العاصمة العراقية هي الأرخص من حيث تكاليف المعيشة وأسعار المواد الاستهلاكية. الحسناوات العراقيات يتحدين الأوضاع السائدة الشاذة، التي أجبرت العديد من العراقيات على وضع الحجاب وعدم وضع مساحيق التجميل فوق وجوههن. وباستثناء دائرة ديوان رئاسة الوزراء والدوائر التابعة لوزارات يقودها اسلاميون متطرفون، فانك ستجد العديد.. العديد من العراقيات غير المحجبات. أما في ديوان رئاسة الوزراء، حيث مكتب رئيس الحكومة ابراهيم الجعفري، فانه من غير المسموح على الاطلاق ان تعمل المرأة من غير ان تضع الحجاب فوق رأسها. لا سينمات في بغداد.. هذا الأمر يدعو للحزن والأسف الشديدين. فبعدما كانت بغداد عاصمة لدور العرض السينمائي المتطورة، منذ الأربعينات من القرن الماضي، صارت تشكو اليوم من غياب دور العرض لأسباب أمنية، وبعدما تم احراق بعض هذه الدور فغابت الأصوات عن سينمات: غرناطة وسميراميس والنصر والنجوم والخيام، وغيرها. يشكو بشير، وهو أستاذ في جامعة بغداد من ان «ظاهرة غياب دور العرض السينمائي يعني التخلف والعودة الى زمن مظلم ما عرفته بغداد، الا في سنوات تاريخها المظلم»، مشيرا الى ان «وجود دور العرض السينمائي دليل حضارة وتطور بغداد».

مقابل هذا، هناك فرق مسرحية شابة تغامر بعرض أعمالها بين أطلال مسرح الرشيد المتهدم. قالت الفنانة المسرحية العراقية الكبيرة آزادوهي صاموئيل، لي وهي في طريقها لحضور عرض لفرقة مسرحية غامرت وجاءت من مدينة البصرة: «هذه إشارة حياة، نحن نتشبث بكل هذه الاشارات لنؤكد وجودنا وقوة تدفق حياتنا».

في باحة فندق المنصور الذي كان مقرا للنشاطات الثقافية وتواجد المثقفين في صالته، التي كانت قد احترقت بعد تعرضها للنهب، والتي تم إعادة بنائها بجهود عراقية، التقيت الشاعرة أمل الجبوري، وهي محاطة بحشد من المثقفين العراقيين. هذه الشاعرة تركت المانيا، مقر اقامتها، وعادت الى بغداد لترعى المثقفين العراقيين، من خلال المركز الثقافي الألماني (غوتة)، بعد ان عملت جاهدة لإقناع الجهات الألمانية المختصة بافتتاح هذا المركز، الذي تحول الى مركز يقدم يد العون للمبدعين العراقيين من خلال نشر أعمالهم وعرض لوحاتهم وإقامة الندوات الثقافية فيه.

تقول أمل الجبوري: «لقد سألت نفسي طويلا لماذا انا في ألمانيا، يجب ان أكون في العراق مع زملائي المبدعين وان أؤسس جسرا ثقافيا يربط بين الثقافات في الشرق (العراق) والغرب (ألمانيا) فسعيت جاهدة لتأسيس هذا المركز، بالرغم من المصاعب الأمنية التي أتعرض لها يوميا».

مشاهد حياتية كثيرة تدفع الى الأمل والتفاؤل في بغداد، رغم كل الظروف الصعبة.. ولعل أجملها مشهد الأطفال وهم يذهبون الى مدارسهم كل صباح، او مشهد حرص طلبة الجامعات على الوصول مبكرين الى قاعات محاضراتهم. وكذلك مشهد العمال والموظفين وهم يسابقون الوقت للعمل أكثر، او مشهد الأمهات العراقيات وهن يتبضعن من أسواق بغداد الشعبية. وما يفرحك أكثر هو ان العراقيين صاروا يفكرون بصوت عال معبرين عن آرائهم بصراحة بلا خوف او خشية، بالرغم من زوار الفجر الذين يجرجرون الرجال من غرف نومهم ليجدوهم بعد ايام معدومين لأسباب طائفية او ثأرية، من غير ان تتحرك الحكومة لفعل ما يطمئن المواطنين.