المغرب: دلالات وإشارات سياسية في احتفالات الذكرى الـ50 لعودة محمد الخامس

حضرها الأمير مولاي هشام .. وأول ظهور رسمي للجنرال العربي بلخير

TT

حملت احتفالات المغرب بمناسبة الذكرى الخمسينية لعودة محرر البلاد الملك الراحل محمد الخامس من المنفى وعيد الاستقلال، عدة دلالات وإشارات سياسية، تجسدت في الخطاب الذي وجهه العاهل المغربي الى شعبه خلال الاحتفال الرسمي، الذي أقيم امس بساحة ضريح محمد الخامس بالرباط، وذلك في حضور عدد من الضيوف المرموقين من ضمنهم خوسي لويس ثاباتيرو رئيس الحكومة الاسبانية، ودومينيك دو فيلبان رئيس وزراء فرنسا، باعتبارهما الدولتين اللتين استعمرتا المغرب عام 1912، وبرناديت شيراك عقيلة الرئيس الفرنسي، وممثلون عن رئيسي السنغال ومدغشقر، التي كانت منفى للعائلة الملكية مدة اكثر من سنة، وعقيلة رئيس السنغال، اضافة الى حضور جميع افراد العائلة الملكية المغربية، بمن فيهم الأمير مولاي هشام، ابن عم الملك محمد السادس. الذي جلس متوسطا عمته الأميرة للا امينة، ووالدته الأميرة لمياء الصلح.

كما كان الحفل مناسبة لأول ظهور علني للجنرال العربي بلخير، السفير الجزائري الجديد لدى المغرب.

وهيمنت الروح المغاربية والعربية والاسلامية على اجواء الاحتفالات، نظرا للحضور الكثيف لشخصيات مغاربية وعربية واسلامية، عرفت بمساندتها القوية لمطالب المغرب، وهو الحضور الذي جسد وحدة الحركة الوطنية المغاربية، مقابل حالة التنافر السائدة في المنطقة.

وفي سياق روح الوحدة، تم توشيح الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة، وفرحات عباس، رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة الراحل، والرئيس الجزائري الراحل محمد بوضياف، والزعيم النقابي التونسي الراحل فرحات حشاد، الذي شكل حادث اغتياله، انطلاق شرارة المقاومة المغربية العنيفة للاحتلال الفرنسي. من دون اغفال الاشارة الى دور مصر من خلال اذاعة صوت العرب، التي كان يديرها انذاك أحمد سعيد، الذي وشح بدوره بوسام ملكي رفيع.

واذاعة صوت العرب، هي التي بثت «نداء القاهرة»، الذي وجهه علال الفاسي زعيم حزب الاستقلال الراحل الى الشعب المغربي يدعوه فيه للمقاومة، غداة تنحية الفرنسيين للسلطان محمد الخامس عن العرش ونفيه الى جزيرة كورسيكا ومدغشقر. والتفت العاهل المغربي ايضا الى احرار فرنسا من مفكرين وسياسيين واعلاميين ومناضلين، الذين دافعوا باستماتة عن قضية المغرب العادلة، ووشحهم ايضا بأوسمة رفيعة. مثلما خص العاهل المغربي شخصيات خدمت جده واسرته خلال مقامهم في المنفى.

الى ذلك، قال الملك محمد السادس، انه اذا كان يعتبر نفسه مجسدا لعرش البلاد، ومؤتمنا عليه، بوصفه من أعرق الملكيات، فإنه يعتبره ايضا «تاجا يعلو رؤوس كل المغاربة، وأمانة في أعناقهم، مثلما هم أمانة فيعنقنا».

وذكر الملك محمد السادس، في خطاب القاه امس بمناسبة الاحتفال الرسمي، الذي أقيم بساحة ضريح محمد الخامس بالرباط انه «إذ نستحضر هذه الصفحات المشرقة، من تاريخ المغرب، فليس للإشادة أو التبجيل، وإنما لاستخلاص العبر والدروس من نجاحاته وإخفاقاته، والتشبع بعمق دلالات الإرث السياسي والوطني، والوقوف على ما بذلته الأجيال المتعاقبة، من جهود وتضحيات جسام. وكذلك على المكاسب الرائدة، التي حققتها بلادنا. وذلك بإسهام جميع المغاربة، كل من موقعه. مخلفين لنا مغربا حرا، متمتعا بسيادته».

وأضاف ملك المغرب قائلا «فليكن ذلك باعثا قويا لنا، على التوجه نحو المستقبل، بنفس التعبئة والثقة والحماس، وعلى الانخراط الجماعي، في مسيرة تعميق الديمقراطية والتنمية. تحذونا الوطنية الصادقة، المبنية على أن حب الأوطان من الإيمان، وعلى التمسك بالثوابت المقدسة. وفي مقدمتها الالتحام الراسخ بعرشك».

وقال العاهل المغربي «إن احتفالنا اليوم، هو إشادة بالقيم المثلى، التي جسدها محمد الخامس، رحمه الله، وفي طليعتها الحرية، التي جعل منها قوام مذهبه السياسي. وناضل من أجل المحرومين منها، بدون تمييز عرقي أو ديني أو فئوي. متضامنا مع حركات التحرير، مغاربيا وإفريقيا. دون أن ننسى موقفه الشهم المشهود، إلى جانب العالم الحر، في التصدي للنازية والفاشية».

وأكد العاهل المغربي عزمه الراسخ، على توطيد دعائم الشراكة المتميزة، المغربية الفرنسية الإسبانية «مستلهمين ذلكم الحس السياسي الحضاري الرفيع، وهو التحرر من عقدة الاستعمار، باعتبار ذلك من أسمى الفضائل، التي تحلى بها، بكل استبصار، محرر الأمة، جدنا جلالة الملك محمد الخامس، ورفيقه في الكفاح، باني دولتها الحديثة، والدنا جلالة الملك الحسن الثاني». من جهته، ثمن رئيس الحكومة الإسبانية خوصي لويس ثاباتيرو عاليا، المسار المثمر والغني، الذي قطعه المغرب منذ استقلاله، تحت قيادة الملكين محمد الخامس والحسن الثاني، والذي يواصله حاليا الملك محمد السادس.

وقال ثاباتيرو في كلمة ألقاها خلال الحفل الرسمي، إن الأمر يتعلق مرة أخرى بمناسبة كبرى لتسجيل الدينامية الحالية، وتأكيد المستقبل الواعد لهذه الأمة الفتية، ذات التقاليد الضاربة الجذور في أعماق تاريخ، وهي تقاليد تغار عليها وتحافظ عليها بوفاء مع المراهنة على التقدم وعلى التغيير.

وذكر رئيس الحكومة الاسبانية، أنه خلال الخمسين سنة التي مضت منذ نيل الاستقلال، عرف المغرب كيف يجد التوازنات بمهارة بين التمسك بماضيه، وحرصه على تحقيق الحداثة، وبين تقوية وتعزيز الجبهة الداخلية وانفتاحه بعزم على العالم الخارجي، وبين انتمائه للقارة الإفريقية وتوجهه الأوروبي.

وعبر للعاهل المغربي عن اليقين، «بأن مسيرة الأمة المغربية ستكون، كما هي الآن، مرافقة بدعم الشعب الاسباني الشقيق وحكومته الصديقة».

أما دومنيك دو فيلبان رئيس الوزراء الفرنسي، الذي رأى النور في الرباط، ايام احتلال بلاده للمغرب، فقد اشاد بالرؤية المستقبلية للملك الراحل محمد الخامس، وبعد نظر الوطنيين المغاربة في ظرف عصيب، وخص بالذكر ثلاثة منهم هم: مبارك البكاي (اول رئيس حكومة للمغرب المستقل)، وأحمد بلافريج (ثاني رئيس حكومة) وعبد الرحيم بوعبيد (اول سفير للمغرب في فرنسا).

وجدد دو فيلبان تعهد بلاده بدعم المغرب، مبرزا اواصر الصداقة العميقة التي تجمع المغرب وفرنسا. واشار الى التزام الرباط وباريس بالتصدي للارهاب، ومحاربة الهجرة السرية والمخدرات.

الى ذلك، أشاد الرئيس السنغالي عبد الله واد بحكمة الملك الراحل محمد الخامس معتبرا أنه كان «عاهلا فذا».

وقال واد، في كلمة تلاها باسمه الوزير الأول السنغالي، ماكي سال، إن الاحتفاء بهذه الذكرى المجيدة «تذكير للمغاربة، بما كان لحكمة هذا العاهل الفذ، وتبصره من دور مهم في تحقيق استقلال بلدهم، وبناء التلاحم الوطني».

من جهته، أكد الرئيس الملغاشي مارك رافالومانانا، أن مدغشقر تتشرف دائما بكونها استقبلت الأسرة الملكية التي ما زالت ذكرى إقامتها في هذه الجزيرة الإفريقية حاضرة. وبعد أن عبر الرئيس الملغاشي، في رسالة ألقاها بالنيابة عنه رئيس مجلس الشيوخ الملغاشي، راجوميسون راكوتوماهارو، عن أسفه العميق لعدم تمكنه من الحضور الى المغرب، بمناسبة تخليد هذه الذكرى، نظرا لالتزامات قاهرة حالت دون ذلك، وأوضح أن كافة الشعب الملغاشي يحيي الشعب المغربي الشقيق، ويشيد بالأسرة الملكية.

وأبرز أن «ذكرى إقامة الأسرة الملكية بمدغشقر ستظل راسخة، فبالنسبة لهم مدغشقر كانت بالتأكيد تشكل أرضا للمنفى، لكنها قبل كل شيء أرض للضيافة ومعقلا للسلام» ملاحظا أن أنتسيرابي، وهي محطة حمامات ملغاشية صغيرة، لا زالت تتشرف بكونها استقبلت الأسرة الملكية.

وسجل رافالومانانا أن أنتسيرابي التي تشعر أيضا بالفخر بإشراكها في تخليد هذه الذكرى، «فخورة بتاريخها، وفخورة بكونها كانت بوتقة تعاون يزداد خصوبة يوما تلو الآخر».

وجدد في هذا السياق استعداده الكامل للتعاون مع الملك محمد السادس في إطار التعاون جنوب جنوب، بهدف تحقيق الازدهار للقارة الافريقية.

وخلص الى أنه «من خلال تظافر جهودنا، سنتكمن بشكل أفضل، من تعزيز مكتسبات الاستقلال، الذي يعود الفضل فيه الى جلالتي المغفور لهما محمد الخامس والحسن الثاني».