أزمة تواجه أبحاث الخلايا الجذعية بسبب مخالفات مركز كوري جنوبي

TT

برزت أزمة أخلاقية في واحدة من أهم المختبرات المتخصصة بالخلايا الجذعية في العالم، تهدد هذا المركز بالدخول في مرحلة جديدة من عدم الاستقرار فيما يخص مستقبله، مع تساءل العلماء الأميركيين، إن كان ذلك سيسبِّب ردود فعل سياسية.

وتحوم الاتهامات حول خبير «الاستنساخ» الكوري الجنوبي وو سوك هوانغ من جامعة سيول القومية، وهو أول عالم يقوم بتنمية خلايا جذعية داخل أجنة بشرية مستنسخة. وأدى ذلك إلى إنهاء عدد كبير من الدراسات المخطط لها والهادفة إلى إثبات ما تمتلكه هذه الخلايا من قدرات في الحقل الطبي.

لكن المزاعم التي تقول إن هوانغ قد يكون حصل على البويضات البشرية لبحوثه من نساء شعرن أنهن تحت الضغط كي يتبرعن بها، أثارت نقاشا حادا في الولايات المتحدة حول أخلاقية القيام بدفع نقود لفتيات مقابل البويضات التي يتبرعن بها، والتي بدونها يكون صعبا إنتاج خلايا جذعية تناسب ما يحتاجه الأفراد.

يعتبر التبرع بالبويضات خاليا من المخاطر، لكنه أحيانا يؤول إلى تعقيدات مهددة للحياة، وهذا ما أثار النقاش الذي كان طرفا فيه بعض المنظمات النسوية، والمفكرون الليبراليون الذين يفضلون فرض قيود أكبر على بحوث الخلايا الجذعية.

وضمن هذا السياق قالت مارسي دارنوفسكي المديرة المساعدة لمركز الوراثة والمجتمع في أوكلاند بكاليفورنيا «نحن معرضون لخطر جعل النساء بالحيوانات المستخدمة في التجارب، حتى قبل أن تكون هناك أية علاجات تحتاج إلى الاختبار. نحن حقا بحاجة إلى قواعد واضحة يجب فرضها».

وظهرت هذه المشكلة بعد أن قطع عالم البيولوجيا مجيرالد شاتين من جامعة بيتسبرغ تعاونه وبشكل مفاجئ مع هوانغ، الذي عمل معه ما يقرب من عامين، وقال إن لديه أدلة تثبت أن الأخير قد حصل على البويضات البشرية بطريقة غير أخلاقية.

وجاءت اتهامات شاتين لتثير مزاعم طرحت خلال عامين متلاحقين، حينما أخبرت طالبة دكتوراه في مختبر هوانغ مجلة «نيتشر» العلمية، أنها مع مساعدة أخرى لها، كانتا من بين نساء أخريات تبرعن ببويضاتهن.

وفي وقتها أثار تصريح الطالبة العاملين في حقل البيولوجيا في كوريا الجنوبية وفي الخارج، ويعد أمرا بديهيا في حقل البحوث الطبية ألا يسمح للعاملين في هذا الحقل أن يكونوا متطوعين في الدراسات، لأن ترتيبات من هذا النوع لا تكون حقا تطوعية. وتزايدت المخاوف من تجارب هوانغ، بعد انتشار شائعات تقول إن طالبة دفع لها نقودا مقابل تبرعها ببويضاتها. لكن هوانغ كذب بسرعة الحكاية وقبل ذلك كذبت الطالبة أيضا. وقبل شاتين هذا الانكار حتى 11 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، حينما قال إن لديه أدلة تثبت أن هوانغ لم يكن نزيها معه.

وهوانغ الذي أصبح شهيرا خلال العامين الأخيرين في كوريا الجنوبية، ومنح ملايين الدولارات من قبل الحكومة كمنح لدعم مختبره، قد أنكر مرة أخرى يوم الاثنين الماضي أن يكون قد قام بعمل خاطئ، لكن التفسير الكامل الذي وعد بتقديمه خلال ثلاثة أيام لم يصدر حتى الآن. وهذه ليست المرة الأولى التي وجد فيها شاتين نفسه في ظل فضيحة بويضات. فقبل عشر سنوات أدى كشف ممارسات جنائية في برنامج الخصوبة بجامعة كاليفورنيا بالمحققين الى شاتين الذي كان عندئذ في جامعة ويسكونسون. فقد كان لديه ترتيب للحصول على البويضات من العيادة الطبية في ايرفين بولاية كاليفورنيا، حيث تبين ان الأطباء كانوا يخصبون النساء بأجنة معدة من بويضات نساء أخريات، ويبعثون بالبويضات الفائضة عن الحاجة الى الباحثين بدون مصادقة رسمية. وقد أدين أحد أطباء ايرفين أخيرا بتهم جنائية وهرب اثنان آخران خارج البلد لتفادي المقاضاة. وقد برئ شاتين من القيام بأية أخطاء. وكانت آخر دعوات شاتين، قد نشأت من قرار اتخذ عام 2004 بخصوص التعاون مع هوانغ الذي كان قد افلح في تنمية الخلايا الجذعية من أجنة بشرية مستنسخة، وهو ما وصف بأنه انجاز «الكأس المقدس»، الذي اثبت للمرة الأولى امكانية تنمية خلايا جذعية وراثيا تتوافق مع أية مريضة.

وبالنسبة لهوانغ، الذي كانت لغته الانجليزية ركيكة، عمل شاتين كمترجم بليغ وناطق باسمه، وصلة مع المراكز العلمية المتنفذة في العالم الغربي. وبالنسبة لشاتين الذي كان بحثه الخاص في الخلايا الجذعية قد تعثر، وفرت الصفقة طريقا مختصرا الى مقدمة واحد من الميادين الأهم في البيولوجيا والى أضواء الاعلام الدولي.

ووسط ضجة كبيرة بدأ هوانغ وشاتين الشهر الماضي مسعى طموحا لارسال مئات من مجاميع الخلايا الجذعية وفق المواصفات المطلوبة الى الباحثين في الأمراض في مختلف أنحاء العالم، وبينهم باحثون من الولايات المتحدة من غير القادرين على الوصول الى مثل هذه الخلايا في ظل تقييدات فرضت عليهم من جانب الرئيس بوش عام 2001.

وفي مقابلة معه في مكتبه ببيتسبيرغ الشهر الماضي، قبل ان تنهار الصفقة، كانت عينا شاتين تغرورقان بالدموع، عندما كان يتحدث حول المزايا التي يمكن أن يحققها المشروع للبشرية.

وأدهش الانهيار المفاجئ لتلك المحاولة، الباحثين الأميركيين التواقين إلى المصادر والذين كان كثير منهم ينتظرون الاستفادة من أساليب الكوري الجنوبي، والتمويل الذي يحسد عليه.

وكانت لدى جورج دالي، الباحث في معهد الخلايا الجذعية ومستشفى الأطفال ببوسطن، خطط سابقة لزيارة هوانغ في سيول الأسبوع الحالي، على سبيل المثال بهدف تحقيق تعاون معه.

وقال دالي، وهو أحد العلماء الذين عبروا عن مخاوفهم من أن الفضيحة الكورية الجنوبية، قد تكون لها عواقب سياسية على الميدان «نريد أن نقوم بذلك هنا، ولكن هذا من باب التحدي»، إذا ما أخذنا بالحسبان القيود الرسمية على استنساخ الأجنة البشرية. وكان ما يزال يفكر الأسبوع الماضي بما إذا كان سيلغي تلك الرحلة في ضوء أقوال شاتين.

وبصورة عامة فإن الوضع الناشئ في جنوب افريقيا، أثار مجددا جدلا دائرا في هذا البلد حول أخلاقيات منح البويضات لغرض الاستنساخ والبحث في مجال الخلايا الجذعية.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)