جدل بين مفكرين خليجيين وغربيين حول الإعلام التحريضي

في ختام ندوة «التطرف والإرهاب» بلندن برعاية المكتب الإعلامي الكويتي و"الشرق الأوسط"

TT

اختتمت ندوة «التطرف والإرهاب» التي عقدت على مدار ثلاثة أيام أعمالها في لندن أمس، بمناقشة المحور الأخير على جدول أعمالها؛ وهو المحور الإعلامي. واتفق الجميع على ضرورة مواجهة الإعلام التحريضي الذي يحرض على العنف والإرهاب أو يبرر لهما رغم تباين وجهات نظر المتحدثين حول السبل التي تتم بها هذه المواجهة والوسائل التي يمكن استخدامها لتحقيق هذا الهدف. وتناول الحديث الإعلام الرسمي العربي والواقع السياسي والاجتماعي الذي يعكسه وسبل تطويره لمجابهة التحديات الحالية والقادمة.

وقال وزير الإعلام الكويتي، الدكتور أنس الرشيد إنه ليس بإمكاننا الحديث عن وسائل الإعلام من دون الدخول إلى الخلفيات الثقافية لكل دولة، وضرب الرشيد أمثلة على أنواع الإعلام التي توفرت تاريخياً وكيف تطورت من وجهة نظر التأثير. وتحدث الوزير عن القصور التشريعي للإعلام في العالم العربي والتشريعات القانونية التي يمكن من خلالها محاسبة مواقع الإنترنت، خاصة أن التكنولوجيا تتطور بسرعة يصعب للتشريعات اللحاق بها.

وقال خالد الطراح، مدير المركز الإعلامي الكويتي في افتتاح الجلسة إن «الإنترنت أصبحت اليوم وسطا إعلاميا خطيرا» يصعب السيطرة عليها، ويستخدمها الكثير من الجهات لبث التطرف والفتاوى التي تبرره، بالإضافة إلى وضع دروس عليها حول صنع المتفجرات واستخدامات الأدوات الإرهابية في تنفيذ العمليات. وتحدث الطراح عن الخلط في الوظائف الإعلامية بين الإعلام الذي يهدف إلى نقل الحدث وزيادة المعرفة، وذلك الذي يمتهن التحريض على التشدد والتطرف والإرهاب. وأصبحت بعض وسائل الإعلام، حسب وصف الطراح، تسعى للتميز حتى بالخروج على أخلاقيات المهنة وإساءة استغلال مساحات الحرية المتاحة. كما أشار الطراح إلى الخلل الذي أصاب الإعلام الغربي وتبيان حقائق الأمور مما يسبب اختلاطا في الأوراق والمفاهيم.

كما أشار عضو مجلس الأمة الكويتي، محمد البصيري إلى أن وسائل العصر قد سبقت الإعلام المكتوب، وأصبح الإعلام الفضائي المرئي والإنترنت يشكلان وسائل غزو فكري يمكن أن يصل إلى جميع فئات المجتمع. وقال «لقد تخلفت مؤسساتنا الإعلامية أمام هذا السلاح الخطير» وطالب الاعلام الرسمي الذي يملك تمويلاً كافياً لمجابهة الفكر المتطرف، بأن يتمتع بالشفافية والحرية وأن يكف عن جعل مهمته الأولى تلميع الأنظمة، وطالب ايضا بالانتباه إلى الإعلاميين الساعين للشهرة والذين يتحدثون بلهجات استفزازية لا يوجد غرض منها سوى خلق مساحة شهرة عبر «خالف تعرف». وطالب البصيري بإجراء حوارات صريحة وعميقة لمواجهة فكر الإرهاب بالفكر والرأي في وسائل الإعلام. وقال: «المشكلة هي أن الإعلام الرسمي كان بدون هدف أو رسالة واضحة سياسية كانت أو اجتماعية أو تربوية، أصبح بالتالي بلا لون ولا طعم ولا رائحة، وقد فقد ثقة متابعيه وجمهوره ودفعهم للبحث عن المعلومة لدى أية جهة توفرها، مما يتم استغلاله حالياً من قبل الفضاء الإعلامي المزدحم بالقنوات». من جهته، قال عبد الحميد الأنصاري، استاذ السياسة الشرعية في كلية القانون بدولة قطر: «لا أحد يولد في هذه الدنيا كارهاً للحياة، ولكن البيئة التي يعيشون بها تدفعهم نحو ذلك وأهم ما في هذه البيئة هو التحريض الإعلامي الذي فشل منذ هزيمة 1967 والتضليل الذي مارسه أحمد السعيد حينها لا يزال مستمراً إلى اليوم في صور مختلفة. ثم تساءل الأنصاري: «هل أمامنا إسلام جديد معاد للعالم أجمع؟» وتساءل أيضاً عن الطريقة التي يتم من خلالها إقناع شباب في عمر الزهور من مختلف بقاع العالم بالتخلي عن الحياة ومتاعها ليقوموا بعملية يقتلون فيها انفسهم دون مبررات. ويجيب الأنصاري عن هذه التساؤلات قائلاً: «لقد فشلنا بعد نصف قرن من العمل التعليمي والإعلامي والدعوي في حماية أبنائنا وتحصينهم من هذا النوع من التطرف، وفشل كذلك الخطاب الديني فخرج أبناؤنا غاضبين ناقمين يريدون تفجير أنفسهم فينا».

واختلف المتحدثون حول وظيفة الإعلام إن كان عليه أن يعكس الواقع الذي يعيشه العالم العربي بما فيه من تخلف فكري واجتماعي أو أن يكون دوره تنويرياً يقوم ويصحح الخلل الموجود. وذكر الأنصاري الحضور بأن مجلس الأمن الدولي قد تبنى قراراً يجرم العمل التحريضي على الإرهاب بما في ذلك المساندة والتأييد والتعاطف. «المشكلة هي أن يتم تفعيل هذا القرار من قبل الدول العربية المعنية في أجواء إعلامية لا يزال يوجد بها من يبرر ويتعاطف مع الإرهاب ويدينه إدانة تبريرية في أحسن الأحوال»، وهو ما يعتبره الأنصاري «الإثم الأعظم»، وهو حسب تعبيره أشد جرماً من ارتكاب العمل الإرهابي نفسه.

ويقول خليل الخليل، عضو مجلس الشورى السعودي «يجب علينا الوقوف مع جميع الدول والمؤسسات التي تحارب الإرهاب، لأن مواجهة هذا النهج المتطرف هو في مصلحة الجميع».

ويعتقد الخليل أن الإعلام الرسمي قد أدى الدور المطلوب منه، ولكنه غير قادر على المواجهة وحده. وعبر عن احباطه بسبب احجام المختصين عن نبذ الإرهاب ووصفه بـ«الذنب الكبير». ويعتقد الخليل أن الحوار مع التطرف لا بد ألا يكون في السجون، بل أن يكون في الجامعات والملتقيات الثقافية. وعرج الخليل على الجمعيات الخيرية ومنابر المساجد التي أسيء استخدامها وشوهت وحورت أهدافها المرسومة بعد أن سيطر عليها متطرفون محلياً ودولياً. ويقول الخليل «هؤلاء المتطرفون أساءوا لحضارتنا وديننا وأجهضوا الصحوة الإسلامية وأفرغوها من مضمونها وتمكنوا من استخدام آخر ما وصل العالم له من تكنولوجيا معلومات لنشر التخلف بقدرة عالية يمتلكونها على المبادرة والتوقيت».

ويقول خليل حيدر إن هناك مسؤولية كبيرة على ما وصفه بالإعلام الإسلامي، حيث يتوجب عليه مراجعة خطابه الإعلامي وما يبثه في أوساط جمهوره وكيف يتم تلقيه.

وتحدث الكاتب في «الشرق الاوسط» مشاري الذايدي عن أهمية الإعلام بالنسبة للتنظيمات الإرهابية ووضع تنظيم القاعدة كمثال لهذا الاهتمام، مستشهداً بالخطاب الذي بعثه أيمن الظواهري إلى أبو مصعب الزرقاوي، وفيه إشارات تدلل على هذا الرأي بينها، فيما كتب الظواهري أن «الإعلام ثلثي المعركة». وقال الذايدي أن لـ«القاعدة» إعلامها الخاص بها والذي تبثه عبر مواقع معروفة على الإنترنت، ولها أيضاً إعلامها الذي تقوم عليه جهات تتعاطف معها ومع الفكر المتطرف الذي تطرحه مثل مؤسسة «سحاب» ومنتديات عدة على الإنترنت، ومنابر أخرى تعد أبواقاً غير مباشرة لأفكارها من بينها قنوات فضائية وصحف معروفة. ويختلف الذايدي مع الخليل حول المكان المناسب لإجراء الحوارات مع الإرهابيين قائلاً: «إن الحوار الحقيقي يجب أن يتم في معزل عن الإعلام حتى لا يخرج الحوار عن أهدافه ويصبح من قبيل طلب الظهور في وسائل الإعلام».

وتحدث عضو مجلس الأمة الكويتي السابق، عبد المحسن المدعج عن خلط يقع فيه بعض الإعلاميين بين التدين، وبين من يطوع الدين في سبيل تحقيق أهداف سياسية، وهو أسلوب قديم في تراثنا الإسلامي يتمثل في ركوب موجة الدين لتحقيق سلطة سياسية. أما المشكلة الحقيقية في الإعلام العربي فهي من وجهة نظر الدعيج أنه «مرتبط بالوضع العربي التعيس الذي ينتج إعلاماً تعيساً». ولكن على الجانب الآخر هناك تطرف أيضاً داخل الخطاب الإعلامي الغربي بعضه يحرض على القضاء على الإسلام والمسلمين والانقضاض عليهم كأمة وحضارة.

من جهته، علق احد المشاركين الغربيين روبرت سبرنجبورد بالقول إنه لمس مذاقا سلبيا في الحديث عن الإعلام العربي، ومن وجهة نظره، فإن الإعلام العربي تم توظيفه بشكل جيد وقد تطور خلال العشر سنوات الماضية بشكل مذهل، وان الإعلام الجيد نهاية الأمر سوف يتمكن من دفع الإعلام السيئ وسيكون في نهاية المطاف البقاء للأفضل. وقال زهير الحارثي، إن العائق الأكبر وراء الكواليس هو إيجاد تعريف للإرهاب لا يخلط بين الإرهاب والمقاومة الشرعية للاحتلال. وتحدث أن الإعلام هو وسيلة نقل الأفكار، فإن سمح للأفكار الهدامة من الانتقال من شخص لشخص، فإنها سوف تنتقل من جيل إلى جيل أيضاً. وتحدث الحارثي عن ازدواجية لدى بعض الدول في خطها السياسي وبين الخط الذي تتبعه وسائل إعلامية تمولها تلك الدول، كما أن هناك خلطا بين المصطلحات الإعلامية وكيفية توظيفها لخدمة أغراض معينة، ضارباً المثل باستخدامات مصطلحات عمليات جهادية أو استشهادية بدل انتحارية أو إجرامية.