جزر تكافح للبقاء في مواجهة ارتفاع مناسيب البحار

50 مليون «لاجئ بيئي» في العالم بسبب التغيرات المناخية بحلول عام 2010

TT

سيدني ـ رويترز: يمكن ملاحظة جزر كارتريت بشق الانفس على الخريطة، ولكن تلك الجزر المرجانية المتراصة على شكل حدوة حصان، تمثل محور تركيز رئيسيا للتغير المناخي، في الوقت الذي يهدد فيه ارتفاع مستوى البحر والعواصف وجودها.

وعلى مدى 20 عاما، ظل سكان الجزر البالغ عددهم ألفي نسمة يخوضون حربا خاسرة مع المحيط، فأقاموا السدود وحاولوا زرع أشجار المنغروف، وفي كل عام ترتفع الامواج لتدمر الحدائق الخضراء، وتجرف في طريقها المنازل وتفسد امدادات المياه العذبة.

ومن المقدر لسكان جزر كارتريت التابعة لبابوا غينيا الجديدة، أن يصبحوا من بين أول اللاجئين في العالم، هربا من التغير المناخي، فقد أصبحت جزرهم غير قابلة للسكنى، كما أنها قد تختفي تحت الماء.

واتخذ قرار لنقل سكان الجزر الى جزيرة بوجينفيل المجاورة الاكبر، وهي على بعد أربع ساعات بالقارب، وتقع الى الجنوب الغربي. وستنقل عشر أسر في كل مرة على مدى عام أو عامين بمجرد تخصيص الاموال اللازمة لبرنامج اعادة التوطين. وقال جو كايبو منسق بوجينفيل لرويترز، في مكالمة هاتفية، «انها حياة شاقة للغاية على الجزر. بعض المناطق جرفتها المياه». وأضاف «الاجراء الوحيد الان هو اعادة توطينهم».

وتكهنت لجنة من الامم المتحدة، تضم نحو ألفي عالم، بأن من المرجح ارتفاع متوسط مناسيب البحار ما بين 9 و88 سنتيمترا بحلول عام 2100، بسبب ضخ غازات مسببة لظاهرة الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، نتيجة حرق وقود باطن الارض مثل النفط والفحم.

ومن المتوقع أن يرتفع منسوب البحار بسبب ذوبان القمم الجليدية وبسبب تمدد المياه عند ارتفاع حرارتها. واذا ما ذاب كل الغطاء الجليدي في غرينلاند خلال القرون القادمة، على سبيل المثال، فسترتفع مناسيب البحار بواقع سبعة أمتار. ويقول الكثير من العلماء ان ارتفاع مناسيب البحار بواقع 50 سنتيمترا قد يسبب تراجعا قدره 50 مترا للخط الساحلي في المناطق المنخفضة.

وعلى الجانب الاعلى من هذه التنبؤات، فان البحر سيغرق السواحل ذات الكثافة السكانية العالية، في دول مثل بنغلاديش، ويسبب اختفاء جزر منخفضة، مثل جزر المالديف بالمحيط الهندي وجزر كيريباتي وتوفالو بالمحيط الهادي. وقال انوتي تونج، رئيس جزر كيريباتي، وهي 33 جزيرة منخفضة تغطي مساحة خمسة ملايين كيلومتر مربع في جنوب المحيط الهادي ويسكنها نحو مئة ألف نسمة «انها قضية بقاء بالنسبة لنا. اذا ما اختفت جزرنا تحت البحر فسوف نختفي نحن أيضا».

وصرح لرويترز، خلال قمة عقدت مؤخرا لزعماء منطقة المحيط الهادي في بورت مورسبي عاصمة بابوا غينيا الجديدة، «نحن نبتعد عن الخط الساحلي، ولكن الى أين يمكننا الابتعاد». وأعلى نقطة في جزر كيريباتي تبلغ 87 مترا فوق سطح البحر. وأغلب الجزر مرجانية مغطاة بنحو 2.5 متر فقط من الرمال والتربة الهشة. ولا توجد أنهار، وأغلب الجزر تحيط ببحيرة ضحلة.

ويقول برنامج البيئة الاقليمي في جنوب المحيط الهادي، ان جزيرتين من جزر كيريباتي، وهما تيبوا تاراوا وأبانويا اختفتا تحت الماء عام 1999 ولم يعد في جزيرة تيبوكا سافيليفيلي أي أشجار لجوز الهند، بسبب زيادة نسبة الملوحة في التربة. وقال تونج ان أكبر دول ملوثة في العالم، مثل الولايات المتحدة واستراليا اللتين لم تنضما الى معاهدة كيوتو للحد من الغازات المسببة للاحتباس الحراري، لا بد أن تواجه التبعات الاخلاقية لعدم استجابتها. ومضى تونج يقول «انه سؤال يجب أن تطرحه هذه الدول على نفسها... هل هي مستعدة أن تتركنا نختفي تحت البحر».

وانسحبت الولايات المتحدة من كيوتو عام 2001 عندما قال الرئيس جورج بوش، انها ستكون مكلفة للغاية وتستبعد بشكل غير مبرر الدول الفقيرة من الجولة الاولى من خفض الانبعاثات حتى عام 2012. كما رفضت استراليا التصديق على البروتوكول. ويقول علماء ان ارتفاع منسوب البحر سيفسد أيضا امدادات المياه العذبة للملايين وسيؤدي الى موجات من الهجرة الجماعية. وتكهنت دراسة أجرتها الامم المتحدة اخيرا بأن نحو 50 مليون شخص قد يصبحون من اللاجئين البيئيين بحلول عام 2010 لاضطرارهم لمغادرة منازلهم بسبب التصحر وارتفاع مناسيب البحار والفيضانات والاعاصير، وكلها ظواهر مرتبطة بتغير المناخ. وأبدى ماتيا توافا رئيس وزراء توفالو عدم ارتياحه لمصطلح «لاجئ بيئي»، ولكنه يقر بأن 11600 نسمة هم سكان الجزيرة قد يضطرون لترك منازلهم قريبا في الجزيرة.

وتتألف توفالو من تسع جزر مرجانية، أعلى نقطة بها لا تتجاوز خمسة أمتار فوق مستوى سطح البحر، ولكن الارتفاع الغالب فيها يبلغ نحو مترين. واختفت جزيرة صغيرة بالفعل قبالة العاصمة فونافوتي تحت البحر، واضطر بعض سكان الجزيرة لزراعة محاصيل داخل صفائح معدنية، لان التربة أصبحت شديدة الملوحة. وفي فبراير (شباط) وقبل عدة ايام من سريان معاهدة كيوتو، راقب سكان توفالو في العاصمة الامواج العاتية والرياح الشديدة وهي تدمر الطريق الرئيسي.

وقال توافا من فونافوتي «التوقع هو أنه خلال 50 عاما لن يكون لتوفالو وجود. اعادة التوطين مستحيلة في البلاد لان كل الجزر منخفضة». وفي المحيط الهندي تتسم جزر المالديف البالغ عددها 1200 بالانخفاض الشديد، حتى أن المياه أغرقت بعضها عندما ضربت أمواج المد منطقة المحيط الهندي في 26 ديسمبر (كانون الاول).

ونشر رئيس جزر المالديف مأمون عبد القيوم كتاب «جزر المالديف.. أمة في خطر» عام 1998 مبرزا خطورة ارتفاع مستوى البحر. ومنذ ذلك الحين أقيمت دفاعات ساحلية وتبذل جهود لحماية الشعاب المرجانية وحماية الجزر من العواصف. وصرح عبد القيوم لرويترز، «نبذل قصارى جهدنا لحماية أمتنا. ولكن ما نفعله هنا في المالديف لا يكفل لنا مستقبلا آمنا بيئيا». وأضاف، لن تكون سلامتنا مؤكدة الا عندما يتخذ المجتمع الدولي خطوات ملموسة لخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري ولاتخاذ اجراءات خاصة للحد من خطر ارتفاع مستوى المياه.

وتريد الجزر الصغيرة، نظام تأمين جديدا للمساعدة في تغطية تكلفة الخسائر التي سببها التغير المناخي، وتطالب باقامة صندوق خاص لبناء دفاعات ساحلية وحماية امدادات المياه العذبة والتوصل الى أشكال جديدة للزراعة. وقال عبد القيوم انه يأمل في أن يرسي مؤتمر التغير المناخي، الذي يعقد في مونتريال ابتداء من 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي أسس وضع حل للتغير المناخي، بعد تطبيق كيوتو من خلال الاتفاق على نقاط مشتركة مع أكبر الدول الملوثة.

ومضى يقول «يجب ألا ينتظر الذين عارضوا بروتوكول كيوتو الدليل العلمي المؤكد لعملية التغير المناخي، ولكنهم يحتاجون الى تحقيق الارادة السياسية لتجاوز الفوائد على المدى القصير لكل دولة مقابل مستقبل آمن بيئيا».