ملك المغرب احتفى كثيراً بالرئيس الموريتاني .. وخصص لإقامته تحفة معمارية

أحمد التوفيق وزير الأوقاف وابن مراكش والمحاور الممتع رافق العقيد ولد فال خلال الزيارة

TT

شكل التشاور السياسي وتقوية الشراكة الاقتصادية وإعادة الروح الى بناء المغرب العربي، العناوين البارزة في المحادثات التي أجراها في مراكش العاهل المغربي الملك محمد السادس، والعقيد أعل ولد محمد فال، رئيس المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية الموريتاني، الذي خصص له استقبال استثنائي، في إشارة واضحة الى رهان المغرب على جارته الجنوبية التي دخلت منذ شهر أغسطس (آب) الماضي طورا سياسيا جديدا، قوامه الإصلاح السياسي والانفتاح على مكونات المجتمع الموريتاني وأطيافه السياسية والثقافية، والالتفات الى خصوصياته كذلك.

وليس الاهتمام بموريتانيا واستقرارها، وهي الواقعة على خطوط التماس، سلوكا جديدا من المغرب الذي ينظر بتعاطف وتواد الى جارته الجنوبية، مساندا لها من دون استعلاء، وواقفا الى جانبها في أدق الظروف وأصعبها. وتوج هذا الاهتمام بزيارتين قام بهما الي نواكشوط العاهل المغربي في وقت سابق، الأولى ذات طابع رسمي، والثانية في طريق عودته من الجولة الأفريقية التي قادته الى عدة دول في القارة السمراء. واستوقف الملاحظين عدا الترحيب المغربي الحافل بشتى ألوان الود، والعناية البروتوكولية الضائقة، كون العاهل المغربي تباحث مع ضيفه الموريتاني، رأساً لرأس، لأكثر من ساعتين ما جعل المتتبعين يستنتجون أن القضايا التي بحثت ذات طابع سياسي دقيق تناولت ما يمكن أن يخطر بالبال من محاور العلاقات الثنائية، وتطورات النزاع حول الصحراء، واتحاد المغرب العربي. واستكملت المحادثات بين رئيسي الدولتين، خلال زيارة العاهل المغربي لضيفه في مقر إقامته بقصر الستينية، الذي يعد آية في جمال الهندسة المعمارية المغربية الإسلامية الأصيلة، كان قد شيده باشا مراكش الأشهر في تاريخ المدينة والمغرب، الحاج التهامي الكلاوي الذي توفي عقب استقلال المغرب.

ولم يقف احتفاء الملك محمد السادس، بضيفه عند هذا الحد، بل حرص على اصطحاب العقيد ولد فال الى مأدبة العشاء التي أقامها تكريما له وللوفد المرافق له.

ومن المؤكد، أن المغرب بهذا الاستقبال وباشإرات أخرى، عبر عن ارتياحه للتطور الداخلي الايجابي الحاصل في موريتانيا، لأنه يلتقي في كثير من الجوانب مع توجهاته لجهة توطيد اركان الديموقراطية والحكامة الجيدة وإيلاء الجهد اللازم لقضايا التنمية الاقتصادية الكفيلة بدعم الاستقرار الاجتماعي. وفي هذا السياق لوحظ أن الرئيس الموريتاني، اصطحب معه وفدا هاما من رجال الأعمال للالتقاء بنظرائهم المغاربة. وأعربت الحكومة المغربية على لسان رئيسها، إدريس جطو، أنها ستضع رهن إشارة الفاعلين الاقتصاديين في البلدين كل ما يطلبونه للوصول الى درجة التعاون الذي ينشده البلدان، لما له من انعكاسات على تدفق البشر ورؤوس الأموال، وتمتين الروابط الإنسانية خاصة ان الموريتانيين لا يجدون صعوبة في التأقلم مع أجواء بلد يمتد حتى حدودهم. ولم يكن غريبا أن يصف العقيد ولد فال علاقات بلاده بالمغرب بالعمق الممتد عبر الأمد الطويل، كما قال في حديث لوكالة الأنباء المغربية.

وعلى الصعيد المغاربي، يؤمن الرئيس الموريتاني بأن توقف قطار المغرب العربي يمكن تجاوزه بكل سهولة ويسر إذا ما تم تجنب القضايا الكفيلة ببث الخلافات والمشاكل والعمل على السير بالأمور الى الأمام، مبرزا اعتزام بلاده مواصلة العمل من اجل مناخ سليم وملائم يمكن من تقدم الأوضاع.

وإذا كان مثل هذا التصريح تقتضيه المجاملة والأعراف الدبلوماسية، فانه مع ذلك مؤشر واضح على أن نواكشوط، غير مستعدة للقيام بأدوار، غير التهدئة وتقريب شقة الخلاف بين الأطراف المعنية بنزاع الصحراء، وانها مستمرة في الالتزام بالحياد الايجابي حيال الصراع. وهذا موقف ترتضيه الرباط لأنه يقطع الطريق على أطراف راهنت في الماضي على تأرجح محتمل على موريتانيا، باعتبارها الحلقة الأضعف.

تجدر الإشارة الى أن أجندة زيارة الرئيس الموريتاني، كانت حافلة باللقاءات شملت السفراء العرب المعتمدين، ومدير عام منظمة الإيسيسكو، والمنظمة العربية للتعدين، كما برزت رغبة ضيف المغرب في الاطلاع على آثار مراكش التي تعود أصول البعض منها الى الصحراء الممتدة حتى موريتانيا التي أتى منها المرابطون، الذين أسسوا امبراطورية كانت مراكش قاعدة فتوحاتها وانطلاقها في اتجاه أفريقيا وأوروبا.

ولعله من المناسب الإشارة الى أن العاهل المغربي اختار ضمن بعثة الشرف المرافقة أحمد التوفيق وزير الأوقاف، وهو ابن المدينة من جهة، ومؤرخ من جهة أخرى، إضافة الى كونه مثقفا مطلعا وأديبا، مما يجعله محاورا ممتعا لرئيس المجلس العسكري للعدالة والديموقراطية.