حكومة جديدة في الأردن برئاسة معروف بخيت والديوان يستأثر بالملف الأمني

الإصلاح والحرب على الإرهاب ومكافحة الفساد ودعم العراق أبرز ملامح التكليف الجديد

TT

في خطوة كانت متوقعة اثر سلسلة من التغييرات في الديوان الملكي ومجلس الاعيان، طلب العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني من معروف البخيت الذي يوصف بانه «رجل الثقة» تشكيل حكومة جديدة تعمل على تطبيق برنامج واسع من الاصلاحات يشمل المسائل الأمنية والحريات العامة، ومكافحة الفساد ودعم العراق، خلفا لحكومة الدكتور عدنان بدران التي قدمت استقالتها صباح امس، وتم قبولها.

والمفاجأة الوحيدة التي تحدثت عنها الأوساط الاردنية هي اختيار البخيت لرئاسة الحكومة وهو الذي كان يشغل قبل فترة وجيزة لم تتعد اياما، منصب مدير الأمن الوطني ومدير مكتب الملك بالوكالة، وقد عاد لتوه أمس من دمشق بعد ان سلم رسالة من الملك عبد الله الثاني الى الرئيس السوري بشار الأسد. ويجيء تعيين البخيت الذي عمل سفيرا سابقا لدى اسرائيل وعمل طويلا في المخابرات العسكرية بعد اسبوعين من وقوع ثلاث هجمات انتحارية متزامنة اوقعت 60 قتيلا. وهو ما يشير الى رغبة الملك في اعطاء اجهزة الأمن دورا اكبر في صنع القرار خاصة بعد تعيين سالم الترك قبل ذلك، كرئيس للديوان. ويحسم تشكيل حكومة جديدة الجدل حول مصير مجلس النواب الذي كان مرشحا للحل في نطاق التغييرات الشاملة التي يقوم بها الملك مما يعني استمراره لنهاية مدته القانونية حتى عام 2007. وأكد العاهل الاردني في كتاب التكليف السامي الذي وجهه للدكتور البخيت أن «الإصلاح لم يعد خيارا فقط بل هو ضرورة حياتية للأردن الجديد»، وطلب منه أن يكرس هذا المفهوم في جدول أعمال الحكومة اليومي «باعتبار الديمقراطية نهجا لا حيدة عنه». مشيرا إلى أن الديمقراطية ليست مجرد شعارات ترفع في المناسبات. وطالب الملك عبد الله الثاني الحكومة بالإسراع بإعداد جملة قوانين عصرية تتوخى العدالة والمتغيرات من ضمنها قوانين جديدة للانتخاب والأحزاب والبلديات بما يسمح بتجديد الحياة السياسية والبرلمانية، ويضمن مشاركة أوسع في عملية صنع القرار.

كما دعا الحكومة إلى الالتزام بالمحاور الاجتماعية والاقتصادية التي تناولتها الأجندة الوطنية وفق الأولويات التي تأخذ بعين الاعتبار مصالح الوطن العليا وتضع مصالح المواطن الأردني في المقدمة على مختلف الصعد.

وبدأ البخيت على الفور مشاوراته لتشكيل الحكومة حيث قام بزيارة البرلمان مساء امس في اطار سلسلة من اللقاءات يعتزم القيام بها لهذه الغاية. والتقى الدكتور البخيت مع رئيس مجلس النواب المهندس عبد الهادي المجالي وعدد من رؤساء الكتل البرلمانية لاستمزاج آرائهم في تشكيل الحكومة والاستماع الى ارائهم في اعضاء الفريق الوزاري المرتقب. وتأتي هذه الخطوة استباقا لاي احتجاج او تحفظ قد يقوم به البرلمان او بعض اعضائه على تشكيل الحكومة بدعوى ان الرئيس لم يستشر البرلمان على هذا الصعيد خلافا لرئيس الحكومة الاردنية المستقيلة الدكتور عدنان بدران الذي شكل حكومته بدون استمزاج اراء النواب مما اثار عاصفة من الانتقاد ضده شكل عقبة كأداء امام حكومته. ومن المتوقع ان يواصل الدكتور البخيت مشاوراته مع فعاليات سياسية ونقابية لتكريس مبدأ الحوار وتعزيز التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وتقوية وتطوير العلاقات المستقبلية بينهما الامر الذي يشير الى ان الاعلان عن تشكيل الحكومة قد يستغرق بعض الوقت.

وشدد الملك في خطاب التكليف على ضرورة أن تضع الحكومة خططا عملية وسريعة للشروع فورا بمعالجة جيوب الفقر والحد من البطالة، وإيجاد قاعدة بيانات واضحة ومحوسبة وميدانية وحديثة لحصر الأسر الفقيرة في البلاد ضمانا لإيصال الدعم إلى مستحقيه. ولفت خطاب التكليف الى أهمية أن تتضافر الجهود لإيجاد المزيد من فرص العمل وبخاصة للشباب وأصحاب الكفاءات والخبرات وبما يضمن الإسهام في رفع نسبة ومستوى التنمية. ودعا الحكومة إلى الاستمرار في إقامة مشروعات سكنية توزع على الأسر الفقيرة بأسعار رمزية تتلاءم وظروفهم المعيشية. مؤكدا ضرورة أن تشرع الحكومة في العمل لشمول شرائح أوسع وأكبر من المواطنين في التأمين الصحي والرعاية الاجتماعية ضمن الإمكانات المتاحة. وشدد العاهل الاردني على ضرورة أن تباشر الحكومة بإزالة أو تصحيح الاختلالات الإدارية والهيكلية في الاقتصاد أو الخدمات أو المرافق، وإزالة الإعاقات والبيروقراطية التي تمارسها بعض الإدارات لأسباب عديدة لضمان ثقة المستثمرين العرب والأجانب في مناخ الاستثمار الواعد في البلاد. وطالب بمكافحة الفساد والمفسدين ومحاربة المحسوبية «ومروجي الاتهامات الباطلة التي يراد منها اغتيال الشخصية». كما طالب الحكومة بتبني استراتيجية شاملة في مواجهة «ثقافة التكفير بوضع قانون لمكافحة الارهاب وشن حرب لا هوادة فيها على مدارس التكفير».

وقال العاهل الاردني في كتاب التكليف للدكتور البخيت ان «ما نهضت به الحكومة المستقيلة من أعمال ومهمات في ظروف إقليمية ودولية حرجة هو موضع تقديرنا وما أنجزته في مجالات عديدة يسجل لها، إلا أن طموحات شعبنا وجملة الأهداف الإستراتيجية العليا التي عاهدنا كل مواطن ومواطنة على تحقيقها، تفرض عليك وعلى زملائك الذين سيقع عليهم اختيارك المهمات والمبادئ والأسس التي آمل من الحكومة تنفيذها والتزام معاييرها وفق قواعد عملية ومقاربات وآليات قابلة للتنفيذ». ووصف علاقات الأردن العربية والأجنبية بأنها في أفضل حالاتها، وأنها قائمة على مبادئ الاحترام والثقة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد وتحت أي ظرف، الأمر الذي اكسب الدبلوماسية الأردنية صدقية واحتراما في العالم اجمع. ودعا الحكومة إلى العمل على تعزيز هذه العلاقات وتطويرها في مختلف المجالات وايلاء العلاقات الأردنية العربية عناية خاصة وبذل الجهود المكثفة لدعم العمل العربي المشترك ونبذ أي خلافات قد تعصف بعالمنا العربي. وفيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أكد على ضرورة أن يتبع الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة خطوات انسحاب أخرى من الضفة الغربية، وفق خريطة الطريق التي يجب أن يلتزم بتنفيذها الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي وبما يفضي بالنهاية إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة القابلة للحياة. كما أكد دعم الأردن المستمر للشعب العراقي وقال «سنظل السند لهم لبناء عراق قوي وموحد يتاح فيه المجال للتعددية والتنافس السلمي وينبذ فيه العنف والإرهاب».