جدل بين الحقوقيين المصريين حول طلب القضاة تدخل القوات المسلحة

TT

أثار طلب القضاة بتدخل القوات المسلحة (الجيش) لحفظ الأمن وتأمين القضاة والناخبين أثناء الانتخابات المصرية بعد تصاعد عمليات العنف والبلطجة وفشل الشرطة في التصدي لها جدلاً كبيراً بين الحقوقيين المصريين ومنظمات المجتمع المدني، وأبدى حقوقيون بارزون تخوفهم من أن تدخل الجيش لحفظ الأمن في العملية الانتخابية يفتح الباب لتدخلات أخرى وصفوها بالخطيرة، محذرين مما أسموه توريط القوات المسلحة في صراعات سياسية.

في حين رأى فريق آخر أن تدخل الجيش هو الأمل الوحيد الباقي في حفظ الأمن بعد ما اعتبروه تورط جهاز الشرطة وتواطؤه لصالح مرشحي الحزب الوطني (الحاكم). وقال محمد زارع رئيس مجلس إدارة جمعية حقوق الإنسان لمساعدة السجناء لـ«الشرق الأوسط» إن تدخل القوات المسلحة في الوقت الراهن أصبح ضرورة ملحة لإنقاذ الانهيار الأمني الحالي وسيطرة الأجهزة الأمنية على العملية السياسية.

وذهب زارع إلى أن دور الجيش يجب ألا يتوقف عند تأمين الانتخابات لأن البلد يعيش حالة انتقالية تجعل خيارات المستقبل مفتوحة لكل السيناريوهات وهو ما يتطلب قيام الجيش بدوره في حماية الدستور والمواطنين والدولة.

وأضاف زارع، أن الصراع المتوقع في المستقبل يتركز بين الحزب الوطني (الحاكم) وجماعة الإخوان المسلمين التي تصدرت المعارضة بعد الفوز الذي حققته في المراحل الأولى من الانتخابات البرلمانية، وهو ما يثير تخوفات عديدة حول موقف الجماعة من فكرة الدولة المدنية والانقضاض على الحياة الديمقراطية ومفهوم الدولة المدنية، لذلك لا بد من وجود وجهة محايدة تتولى الدفاع عن الدستور وهو الدور المنوط بالقوات المسلحة، وأشار زارع إلى أن القوات المسلحة هي صمام الأمان في الصراعات السياسية التي تخرج عن إطار الانتقال السلمي للسلطة أو التي تهدد أمن وسلامة المجتمع. وأبدى حافظ أبو سعدة الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان انزعاجه الشديد من طرح فكرة الاستعانة بالقوات المسلحة لتأمين العملية الانتخابية، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه مع إقرارنا بتردي الأوضاع الأمنية إلا أن تدخل الجيش أمر في غاية الخطورة وله دلالات تكاد تكون مرعبة لأن تدخله في الصراعات السياسية المدنية يفقده حياده الذي يجعله صمام الأمان في الدفاع عن الوطن ضد أي اعتداءات خارجية ويورطه في خلافات التيارات السياسية، كما أنه يفتح الباب لتدخلات أخرى ربما تكون أكثر خطورة.

وحذر أبو سعدة من أن طلب تدخل الجيش في الحياة المدنية يعطي مؤشراً بأن الوضع الأمني أصبح خارج السيطرة وهو أمر غير صحيح على الأقل في هذه المرحلة لأنه مع تردي الأوضاع الأمنية فإنه ما زالت لدى أجهزة الأمن الفرصة في السيطرة على الأوضاع إذا أرادت ذلك.

وقال جمال عبد العزيز مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان لـ«الشرق الأوسط» إنه مع التفهم الكامل لموقف القضاة والظروف التي دفعتهم إلى طلب تدخل القوات المسلحة لحفظ الأمن إلا أن مثل هذا الطلب من شأنه أن يثير حالة من القلق والانزعاج لدى معظم الحقوقيين الذين يحرصون على الحفاظ على مدنية الدولة والفصل بين السلطة العسكرية والحياة المدنية.

وأضاف عبد العزيز أن شعور القضاة باليأس من الحكومة وأجهزتها هو الذي دفعهم لمثل هذا المطلب، مشيراً إلى أن جموع المواطنين بمن فيهم القضاة وجدوا انفسهم أمام ثلاثة خيارات: حكومة حالية تعتمد على القهر والاستبداد وترفض إجراء أي إصلاحات تسمح بالتداول السلمي للسلطة، وحكومة دينية متوقعة يسعى الإخوان المسلمون لتحقيقها، والخيار الثالث هو طلب تدخل الجيش، بما يعنيه ذلك من حكم عسكري لن يختلف في كثير عن النظام الحالي.