6 نساء منقبات أثرن الفزع في المدينة بينهن زوجة الحسكي المطلوب في قائمة الـ 26 السعودية

مدينة بلجيكية مسقط رأس رسامين تحولت إلى مركز للجماعة المغربية المقاتلة

TT

كانت هواتف بلدية المدينة ترن بلا توقف العام الماضي، عندما شوهد أشخاص ملثمون يسيرون في شوارع هذه المدينة الصغيرة، شعر البعض بالقلق عندما ظهر واحد من هؤلاء الاشخاص مغطى من الرأس الى القدمين بعباءة سوداء في احدى المدارس، مما أثار فزع الأطفال. وقد أدرك الناس، بعدئذ، ان هؤلاء ليسوا مجرمين ملثمين، وإنما ست نساء يقمن في المدينة وانهن يرتدين النقاب، وعقب استعادة الهدوء استدعى رئيس بلدية المدينة، جان كريمرز، النساء الست الى مكتبه. قال رئيس البلدية للنساء، ان بوسعهن ارتداء العباءات السوداء، لكنه طلب منهن عدم تغطية وجوههن، إلا انهن رفضن ذلك تماما مؤكدات انهن (المؤمنات الحقيقيات الوحيدات)، ولا يمكن ان يكشفن وجوههن. وطبقا لمسؤولين بلجيكيين ووثائق قانونية في كل من ايطاليا واسبانيا وفرنسا، فإن هؤلاء النسوة من أسر غالبية الرجال فيها ينتمون الى شبكة إسلامية متطرفة أقامت خلايا نائمة لها في اوروبا. وكانت الشرطة البلجيكية قد اعتقلت خلال فترة التسعة شهور التالية، خمسة اشخاص بمدينة ماسيك التي يقدر عدد سكانها بحوالي 24 الف نسمة، ووجهت الى كل من هؤلاء تهمة الانتماء الى منظمة ارهابية (الجماعة الاسلامية المقاتلة المغربية). وكشف المحققون عقب كل اعتقال النقاب عن ادلة جديدة تضع هذه المدينة الصغيرة في مركز شبكة ارهابية تمتد خلاياها من اوروبا الى الشرق الاوسط وشمال افريقيا. ظلت هذه المدينة الصغيرة مأوى لعناصر يشتبه في تورطها في تفجيرات مدريد التي راح ضحيتها 191 شخصا في مارس (آذار) 2004، فضلا عن كونها مكان التقاء لقيادة الجماعة الاسلامية المقاتلة المغربية في اوروبا. وكان التحقيق قد سلط الضوء على التحديات التي تواجهها سلطات الدول الاوروبية في تعقب بعض الخلايا النائمة. واعتقلت سلطات الشرطة اثر هذه التحقيقات عناصر في كل من برلين وباريس وروما واستوكهولم وأمستردام خلال العامين السابقين بغرض إحباط مخططات ارهابية، إلا انه لم يتضح بعد ما اذا كانت هذه المخاطر مبالغا فيها، ام انها مجرد إنذار كاذب. وتفاقمت المشكلة أكثر منذ هجمات مدريد في مارس 2004، ولندن في يوليو (تموز) 2005، ويتوقع كثير من مسؤولي الاستخبارات أن يشن الارهابيون هجمات اخرى في احدى الدول الاوروبية. ومثل 13 شخصا في بروكسل هذا الشهر، بمن في ذلك مجموعة من ماسيك، بسبب تهم تتعلق بالانتماء الى منظمة ارهابية وتوفير الدعم اللوجستي للشبكة المغربية. وعلى الرغم من التحقيق الذي أجرته السلطات في ثماني دول اوروبية، فإن السلطات البلجيكية لم تتأكد بعد من المهمة الحقيقية لخلية ماسيك، خصوصا وان الشرطة لم تعثر على متفجرات او اسلحة او تفاصيل لمخططات ارهابية، وإنما مخاوف فقط ازاء ارتباط اعضاء المجموعة التي القي القبض على افرادها بعناصر يشتبه في ضلوعها في الارهاب في دول اخرى واحتمال ان تكون عناصر المجموعة قد خططت لعملية كبيرة. وتقع مدينة ماسيك البلجيكية في محافظة ليمبورغ، على بعد بضعة أميال من حدود بلجيكا مع كل من ألمانيا وهولندا. وكانت هذه المدينة الصغيرة مشهورة حتى وقت قريب بأنها مسقط رأس الرسامين هوبيرت وجان فان ايك اللذين عاشا في القرن الخامس عشر. ويعيش في هذه المدينة حوالي 800 شخص من أصول مغربية يتحدر معظمهم من المهاجرين. ويوجد مسجد في منطقة وسط المدينة، ولكن لم يعرف عنها وجود ظاهرة التطرف الإسلامي. ولكن بدأ التغيير بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 في الولايات المتحدة. فقد بدأت مجموعة من الرجال من المغاربة من ماسيك في ارتداء الملابس الإسلامية بعد العودة من رحلات طويلة من الخارج. وكان البعض في افغانستان، حيث يعتبر النقاب رداء مناسبا للنساء.

وانتشرت شائعات ان الراديكاليين يعيشون في ماسيك، وامتدت الى مكاتب وكالة أمن الدولة البلجيكية في بروكسل التي بدأت عملية مراقبة في صيف 2002.

وفي البداية، شك مسؤولو الاستخبارات في ان تكون جماعة ماسيك عصابة تهرب عمال المزارع غير الشرعيين الى ليمبورغ. وأطلق رجال الاستخبارات على العملية اسم «عملية هليون». ومع مرور الوقت بدأت مشاعر القلق تتزايد.

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2003، وصلت عدة شخصيات من الجماعة الاسلامية المقاتلة في المغرب من اسبانيا وفرنسا لاجتماع نادر، طبقا لوثائق محاكم في كل في اسبانيا وفرنسا.

وتتجنب خلايا الجماعة الاسلامية عادة الاتصالات المباشرة مع بعضها البعض لكيلا يجذبوا انتباه الشرطة. الا انه قبض على عدد من قيادات الشبكة الارهابية في المغرب بعد تفجيرات ارهابية في الدار البيضاء قبل 6 اشهر، وكانوا يحاولون إعادة تجميع انفسهم، كما كشفت وثائق المحكمة.

ومن بين هؤلاء الذين تم القبض عليهم لحسين الحسكي، وهو مغربي له تاريخ طويل في القتال في الشيشان وأفغانستان وغيرهما من الاماكن.

ووصل الحسكي الى ماسيك، وهو يحمل جوازا مزورا وهاربا من السلطات المغربية التي أصدرت أمرا بالقبض عليه بتهم ارهابية. وفي السعودية، اعتبرته الحكومة واحدا من أكثر من 26 إرهابيا مطلوبا في المملكة بسبب دوره في سلسلة من التفجيرات.

وبعد عدة شهور من الاختفاء في السعودية وسورية وتركيا، احتاج الحسكي الى ملاذ. وكانت ماسيك تبدو آمنة. وتزوج من امرأة محلية. وفيما بعد أصبحت واحدة من النساء الست اللائي تسببن بضجة في البلاد بارتداء النقاب.

وتجدر الاشارة الى ان الجماعة المقاتلة المغربية تشكلت في عام 1997 على يد مجموعة من قدامى «المجاهدين» الذين شاركوا في معسكرات الجهاد في افغانستان. وكان هدفها هو نقل المعركة للمغرب والاطاحة بالنظام، وتأسيس جمهورية إسلامية، طبقا للمسؤولين عن مكافحة الارهاب المغاربة والأوروبيين.

وبعد إسقاط الولايات المتحدة لنظام طالبان في افغانستان عام 2001، تفرقوا. وعاد البعض منهم الى الوطن. والبعض الآخر سافر الى اوروبا، حيث اندمجوا في جاليات المهاجرين المغاربة سريعة النمو.

وفي 16 مايو (ايار) 2003، نسف 12 شخصا، جندتهم الجماعة، انفسهم في عدة اهداف في الدار البيضاء، مما أدى الى مقتلهم و33 شخصا آخرين.

وبعدها بعام، شنت الجماعة عملية اخرى، هذه المرة في مدريد، حيث نفذت اول عملية ارهابية اساسية في اوروبا منذ هجمات 11 سبتمبر. واعترف مسؤولو استخبارات مغاربة وأوروبيون، بأنهم قللوا من قيمة وجود المتطرفين المغاربة. وأوضح كلود مونيك، مدير إدارة مركز الأمن والاستخبارات الاستراتيجية الاوروبية «اننا لم نر ما الذي يجري في الخفاء مع المغاربة».

وفي العامين الماضيين، ألقت الشرطة القبض على عدد من خلايا الجماعة في كل من ايطاليا وبلجيكا واسبانيا وفرنسا وهولندا. وقدر مونيك ان الجماعة لديها عدة مئات من الأنصار الملتزمين في فرنسا وأميركا الشمالية بالإضافة الى ما يتراوح بين ألف وألفين من الانصار.

ويعتبر عدد من مسؤولي الاستخبارات، الجماعة بأنها عبارة عن تحالف غير منظم. الا ان البعض الآخر يشير الى وجود أدلة على ان الشبكة أكثر تنظيما، وان هناك خلايا نائمة تنتظر أوامرها من قيادة مركزية.

ففي ابريل (نيسان) من العام الماضي، قبضت الشرطة الفرنسية على 6 اشخاص من اعضاء الجماعة في باريس، واتهمتهم بتأييد «النشاط الارهابي». وكما حدث في ماسيك، فإن المحققين لم يعثروا على أدلة على وجود مؤامرة محددة.

وذكر مصطفى بعوشي، للمحققين الفرنسيين، ان خليته جمعت تبرعات وظلت على اتصالات غير منتظمة مع نظرائهم في ايطاليا واسبانيا وبلجيكا وبريطانيا. ولكن فيما عدا ذلك كانت خليته راضية بالانتظار، وتعلم ان المهام ستأتي لا محالة.

بدأت خلية ماسيك تنكشف في يناير (كانون الثاني) 2004. فقد أوقفت الشرطة خالد بو لودو، الذي يعمل في صناعة المعجنات في المدينة، على الحدود مع هولندا لقيادته سيارة بضوء خلفي مكسور. وبعد تدقيقات روتينية في السجلات اكتشف الضباط انه مطلوب بموجب مذكرة اعتقال بخصوص الارهاب في المغرب وأخذوه الى السجن.

وعرضت عملية إلقاء القبض عليه، للخطر، عملية المراقبة التي كان يقوم بها موظفو الأمن البلجيكيون، الذين لم يكونوا قد أخطروا المسؤولين في ماسيك بالتحقيق الذي يقومون به. وبعد تجنب أسئلة من السكان المحليين الغاضبين ممن عبروا عن دهشتهم بشأن وجود إرهابي مشتبه فيه وسطهم، اعتقلت الشرطة الفيدرالية البلجيكية أربعة آخرين مشتبها فيهم من الجماعة الاسلامية المقاتلة في المغرب أواسط مارس، ولكن لم يكن لدى المحققين سوى فرصة محدودة للوصول الى الشبكة.

وفي أوائل يونيو (حزيران) 2004، وردتهم معلومات من شرطة مكافحة الارهاب الايطالية، حول إرهابي مشتبه فيه في بروكسل. وفي محادثات مسجلة من جانب الايطاليين، سمع الرجل يبلغ متطرفا آخر في ميلانو بأنه وثلاثة أصدقاء، مستعدون لتنفيذ هجمات انتحارية في بلجيكا.

وكان رد فعل الشرطة البلجيكية القيام بعدد من الغارات و15 عملية اعتقال في ما سموه عملية «أسباراغوس 2». وقال غلين اودينارت، مدير الشرطة الفيدرالية في مؤتمر صحافي في حينه «نحن لا نعرف حتى الآن ما اذا كانوا أعضاء في الجماعة الاسلامية المقاتلة في المغرب أو القاعدة أو جماعة ارهابية أخرى. أما استعدادهم للقيام بهجوم، فأمر لا يرقى اليه الشك».

غير أنه أطلق سراح أولئك المشتبه فيهم باستثناء واحد، ولم يكن من الواضح ما الذي كانوا يخططون له.

وأعقبت ذلك عمليات اعتقال أخرى. ففي يوليو 2004، اعتقلت الشرطة البلجيكية لحسين الحسكي، وهو على رأس قائمة المطلوبين في السعودية، في ماسيك بعد أن عاد من رحلة له الى سورية وتركيا. وبعد شهرين من ذلك اعتقلت رجلا آخر من ماسيك واتهمته بالانتماء الى الجماعة الاسلامية المقاتلة في المغرب.

وفي ديسمبر( كانون الاول)، اعتقلت الشرطة الاسبانية، شقيق الحسكي، وهو حسن الحسكي، في جزر الكناري واتهمته بمحاولة إنشاء خلية اخرى تابعة للجماعة الاسلامية المقاتلة في المغرب بهدف شن هجمات على الأراضي الاسبانية. وتوصل المحققون في وقت لاحق الى ان حسن الحسكي كان قد زار ماسيك في ست أو سبع مناسبات.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط».