المستشارة الألمانية تتوسط بين فرنسا وبريطانيا في الخلاف حول ميزانية الاتحاد الأوروبي

في إطار جولة أوروبية شملت بلجيكا وفرنسا

TT

وضعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مكافحة البطالة وإصلاح الاتحاد الفيدرالي الألماني في مقدمة برنامج عمل حكومتها للسنوات الأربع المقبلة.

إلا أنها فاجأت الجميع بالهجوم، بعد يوم واحد من تنصيبها في دائرة المستشار، بشن هجومها الأول على المستوى الأوروبي. ووصلت المستشارة الأولى في تاريخ ألمانيا يوم أمس إلى بريطانيا في إطار جولة أوروبية شملت بلجيكا وفرنسا، وأعلن وزير خارجيتها فراك فالتر شتاينماير مسبقا أن الهدف من الزيارة هو تعزيز العلاقات الثنائية والبحث عن حل للنزاع الأوروبي الجاري حول ميزانية الاتحاد المقبلة.

وكان من الواضح أن استقبال المستشارة انجيلا ميركل في لندن لن يبدأ بالقبلات، كما جرى في باريس حينما طبع المسيو شيراك قبلة ساخنة على يد المدام الألمانية. ولكن لا أحد يستطيع التكهن بكيفية تصرف بلير، بعد انتهاء الزيارة، لو أن ميركل نجحت في اقناع أوروبا القبول بخفض حصة بريطانيا في الميزانية الأوروبية.

وسبق لميركل أن أعلنت، بعد لقائها مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك الخميس الماضي، عن اتفاق الجانبين على قبول المبادرة البريطانية التي ينتظر أن تقدم إلى الاتحاد الأوروبي مطلع ديسمبر القادم. ويبدو أن السيدة الألمانية الأولى تناور بين باريس ولندن بحثا عن تنازلات معينة من شيراك في قضية الدعوم الأوروبية للزراعة الفرنسية يقابلها تنازل بريطاني معقول عن مطلب خفض الحصة البريطانية في الميزانية الأوروبية. وتعتبر هذه المشكلة حجر العثرة الأساسي أمام اتفاق دول الاتحاد الأوروبي على ميزانية 2007-2013.

وتؤكد الوساطة الألمانية مقابلة أجراها وزير الخارجية الألمانية فرانك فالتر شتاينماير مع القناة الأولى في التلفزيون الألماني، وقال فيها إن التحرك الألماني الدبلوماسي في أوروبا يرمي إلى التوصل إلى تفاهم أوروبي حول الميزانية الأوروبية قبل حلول أعياد الميلاد. وذكر شتاينماير، الذي رافق ميركل إلى بروكسل وباريس، أن فرنسيا وألمانيا اتفقتا على القبول بالمبادرة البريطانية الخاصة بحصص بلدان الاتحاد الأوربي. وغادر شتاينماير بدوره إلى هولندا ويطاليا واسبانيا «تحريكا للأمور» وبحثا عن امكانيات لتقريب وجهات النظر، حسب تعبيره للتلفزيون صباح أمس. وستكون العلاقات الثنائية مع هذه البلدان وسياسة الاندماج والهجرة من أولويات زيارته المكوكية. ويفترض أن تلي زيارته لقاءات لوزراء الداخلية في هذه البلدان للبحث في سياسة اندماج وهجرة أوروبية مشتركة.

والمعتقد أن حماس انجيلا ميركل لمبكر لحل مشاكل الاتحاد الأوروبي تأتي في إطار رغبتها في وضع لمسات المحافظين على السياسة التي رسمها جيرهارد شرودر طوال سبع سنوات من حكمه. وطبيعي أن تشن هجومها على الجناح الفرنسي البريطاني بالنظر للعلاقات الصداقية الوطيدة التي كانت تربط بين شرودر وشيراك وبلير رغم الخلافات حول الحرب ضد العراق. وتبني ميركل هنا بالتالي أسس سياستها الخارجية قبل أن تتاح الفرصة لوزير خارجيتها الاشتراكي شتاينماير، رجل شرودر الموثوق، لمواصلة نهج المستشار الاشتراكي السابق فيها.

وتعتمد زعيمة المحافظين الألمان سياسة خارجية يمكن تلخيصها بالعمل على مواصلة العلاقات الوثيقة مع فرنسا، بناء علاقة أوثق مع الولايات المتحدة وتفكيك عرى العلاقات الثنائية القوية التي بناها شرودر مع روسيا وفلاديمير بوتين. وكان الحزب الديمقراطي المسيحي، الذي تقوده ميركل، دائم النقد لعلاقات ألمانيا السابقة مع روسيا واعتبرها اضعافا للعلاقة مع أعضاء الاتحاد الأوروبي الشرقيين، من مناهضي الهيمنة الروسية، مثل بولندا وبلغاريا وهنغاريا... الخ. ولا يبدو أن ميركل متحمسة للعلاقات مع توني بلير، رغم أن التقارب مع الموقف الاميركي يفترض التقارب مع الموقف البريطاني. ويرى المراقبون السياسيون أن ميركل ستتعامل بحذر في العلاقات الثنائية مع الحليف البريطاني مقابل تعزيزها معه في إطار حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي.

من ناحيته، أعلن شتاينماير أن ألمانيا وفرنسا ستواصلان اتفاق بليزهايم الموقع بين جيرهارد وشرودر وجاك شيراك عام 2001. وينص الاتفاق على تقوية المحور الفرنسي الألماني، توطيد شراكة خاصة بين البلدين، وتنظيم لقاءات القمة بين الطرفين كل 6-8 اسابيع. وقال إن ألمانيا لن تغير سياستها الرافضة لإرسال الجنود إلى العراق أو تدريب الوحدات العسكرية العراقية في العراق.

ولما كان شتاينماير الرجل الأول في دائرة المستشار شرودر فإنه يجد صعوبة حاليا في التكيف مع جو العمل الجديد مع ميركل. وذكر الوزير أنه سيسعى بكل قواه لانجاح العمل مع ميركل، لكنه «سيعلن عن ذلك في الحال» إذا لاحظ أن الأمور ما عادت تجري بينهما على ما يرام.