رئيس جمعية اليهود الليبيين في بريطانيا يستغرب تعاطف العالم مع الفلسطينيين وتجاهل قضية اليهود العرب

قال إنه لن ينسى وطنه الأصلي ليبيا أبدا

TT

‏«هل يستطيع أحد أن يذكر‎ ‎اسم دولة عربية واحدة ترحب أو تسمح ليهودي بتمثيل سياسي، أو حتى ‏الحصول على مساواة في قانون عادل وغير منحاز؟».‏ هذا التساؤل طرحه رافائيل لوزون رئيس جمعية اليهود الليبيين في بريطانيا، الذي زار الولايات ‏المتحدة أخيرا، وكان واحدا من الوجوه المثيرة للانتباه، بين من شاركوا في مؤتمر الأقباط المصريين.‏‎ ‎ وطالب لوزون في أحاديث له في المؤتمر وخارج المؤتمر، بمساواة اليهود العرب باللاجئين ‏الفلسطينيين، معتبرا أن الصراع العربي ـ الإسرائيلي ليس صراع أديان، أو صراعا على أراض، ‏وإنما صراع بين الديمقراطية والديكتاتورية‎.‎ وأعرب القيادي اليهودي عن «الدهشة والعجب» من تعاطف العالم مع القضية الفلسطينية، قائلا إن ‏العالم يتعاطف مع الفلسطينيين، ويتجاهل قضية يهود الدول العربية. وقال «لقد قتلوا، وأجبروا على ‏اعتناق الإسلام، وطُردوا من ديارهم ومن موطنهم بوسائل قاسية».‏ وتساءل لوزون عن الأسباب، قائلا: «يا ترى لماذا؟!»، ثم نوه بما اعتبره حقيقة تاريخية، بأن ‏الأغلبية الساحقة من اليهود الذين قطنوا الدول العربية، هم أبناء البلد الاصليين، وسبق وجودهم ‏الفتوحات الاسلامية‎.‎ وقال «هل يا ترى غطت فظاعة المحرقة النازية، على قضية يهود الدول العربية، أو ربما كان ‏مناسبا للعالم، تجاهل هذا النزوح الهائل. أو ربما أن العالم لم يكن مستعدا للبحث في مفهوم حقوق ‏الانسان».‏ واعتبر أن اليهود النازحين من الدول العربية والفلسطينيين، هم ضحايا لنفس الصراع، غير أن ‏الفرق الوحيد من وجهة نظره أن العربي الفلسطيني، الذي يقطن اسرائيل له ممثله في البرلمان ‏الاسرائيلي. وليس فقط له حق التصويت في الانتخابات، بل إنه ُيشجع على المشاركة فيها. ‏ ‎‎وأقر القيادي اليهودي أن الفلسطينيين فقدوا الكثير، ولكنه أشار إلى وجود عشرات المنظمات ‏العالمية، التي تقدم لهم المعونة المادية والانسانية بشكل يومي تقريبا. وما زالت تشير لهم ‏‏بـ«اللاجئين» حتى بعد 57 سنة. ولكنه تساءل في المقابل عن موقف هذه المنظمات، مما تكبده مليون ‏يهودي مهجر من الدول العربية من خسارة، وفقدان لأملاكهم وأموالهم؟، وتابع قائلا «أنا ومع ‏الأسف عشت هذه الفترة، فأنا لا أتكلم عن نفسي فقط، وإنما عن كل من قلعت جذوره وُطرد من ‏بلده. فقد ُحرمنا وُمنعنا من أية تعويضات. والمحزن هو أننا نقف الآن مكتوفي الأيدي لا حول لنا ‏ولا قوة، ونحن نرى كيف ُيخفى تراثنا، لغتنا، تاريخنا وحضارتنا العربية اليهودية بالتدريج ‏وبطريقة مدروسة ومقصودة».

‎‎وفي إشارة للمطالب الفلسطينية بإقامة دولة مجاورة لإسرائيل، قال لوزون إن اليهود الليبيين، لم ‏يطالبوا ابدا بدولة مجاورة لليبيا. وأن اليهود المغاربة لم يطالبوا بتاتا بدولة مجاورة للمغرب. ‏والشيء نفسه بالنسبة لليهود السوريين، واليهود الايرانيين، واليهود العراقيين. واستدرك قائلا «إذا كان تحقيق السلام في الشرق الأوسط سيكون بتكوين دولة فلسطين، فدعونا ‏العيش جنبا الى جنب كجيران. دعونا نزدهر معا، فليترك الفلسطينيون فكرة الويل على النكبة، ‏وليستغلوا الفرصة لتأهيل دولتهم اليافعة، لتصبح من ضمن الدول المتحضرة: وذلك بواسطة ‏التخلي عن العنف، التشجيع على التسامح والتفاهم، تثقيف مواطنيها وتأهيلهم لمستقبل ‏أحسن، وتشكيل حكم ديمقراطي‏، يهدف للتقدم والبناء والعيش بسلام وليس الموت والقتل والهدم‏‎.‎ ‎‎وتحدث اليهودي الليبي عن خروجه من ليبيا قائلا «لم أنس وطني أبدا. الى يومنا هذا أحلم ‏بزيارة مسقط رأسي. بقي هذا الأمل يعشعش في قلبي لمدة 37 عاما. فقطعت على نفسي عهدا أن أبدأ باتخاذ خطوات ولو صغيرة، لمحاولة تحقيق هذا الامل بمد يد التآخي، الصداقة والسلام الى ‏مثقفين عرب لكي نبني جسور التقارب. ففي عام 1993 عملت مع بعض الزملاء على ترتيب ‏زيارة 190 حاجا ليبيا لزيارة القدس. وخلال السنين الاربعة الاخيرة، بادرت بإقامة المؤتمر ‏الاول ليهود ليبيا في المملكة المتحدة، الذي أدى الى تأسيس جمعية ‏‎ ‎يهود ليبيا في المملكة المتحدة، ‏والتي انتخبت لرئاستها». ‏ وأشار رئيس الجمعية، إلى أن الهدف من تأسيسها هو إتاحة المجال للطائفة اليهودية الليبية للحفاظ ‏على التقاليد، الموسيقى والتراث الليبي. وتحدث عن مشاعر اليهود الليبيين تجاه وطنهم الأم، قائلا ‏‏«لقد تكبدنا ضربة قاسية من ليبيا، ولكن عندما تضرب الأم ولدها، هذا ليس معناه أن الولد سيرد ‏بالمثل، ليبيا هي الأم ونحن أبناؤها يهودا كنا أم مسلمين. نحن لا نكن الكراهية لوطننا، رغم أن ألم ‏الصفعة ما زال يدوي في آذاننا».‎ ‎وامتدح رئيس جمعية اليهود الليبيين البريطانية، الخطوات التي أقدمت عليها القيادة الليبية للانفتاح ‏الى الغرب، قائلا إن ذلك أدى الى ارجاع بعض الأمل عند يهود ليبيا المهجرين، خاصة بعد ‏التصريحات التي رحبت برجوعهم إلى وطنهم، واعتبار اليهود أبناء ليبيا. ولكن استدرك قائلا «‏لحد الآن كل هذه التصريحات ليست الا مجرد كلام». ووجه سؤالا للقيادة الليبية «ما معنى ‏الخطوة التي اتخذت من قبل الزعيم معمر القذافي، الذي كان شجاعا لسن قانون في عام 1974 ‏والذي وافق عليه المجلس الشعبي بالاجماع، والذي يقضي بالمحافظة على حقوق يهود ليبيا، ‏وتعويضهم بعدالة على الأموال والأملاك التي صودرت منهم خلال 20 سنة من إصدار القانون؟ ‏وقال «لقد مرت 30 سنة من اصدار القانون، وما زلنا ننتظر».‎ ‎وطالب لوزون، الزعيم الليبي معمر القذافي، بإتاحة الفرصة له لتسلم رفاة ثمانية من أقربائه، هم ‏عمه وزوجة عمه وستة من أطفالهم والذين ُقتلوا في 1967 على يد ضابط في الجيش الليبي حسب ‏قول لوزون‎.‎‏ وأضاف إن عائلته ترغب في دفن ضحاياها حسب شريعة الدين اليهودي‏.‎‏ كما ‏أشار إلى أمنية والدته التي تجاوزت عقدها الثامن لزيارة مسقط رأسها. قائلا «إن الزيارة ستكون ‏عملا رمزيا بسيطا لأمرأة كبيرة في السن، ولكن صداها سيكون كبيرا في جميع أنحاء العالم».‎ ‎واعتبر لوزون أن العالم العربي يمر الآن بمفترق طرق حساس للغاية. معتبرا أن هناك مؤشرات ‏تدل على ان عددا من الحكام في الشرق الاوسط، بدأ يعترف بأن سيطرة الحزب الواحد على ‏السلطة، هي أمر خطير وفي النهاية لا بد أن يؤدي الى نتائج سيئة جدا. ورأى أن هناك تزايدا في ‏الوعي عند المثقفين العرب، متمنيا ظهور ميثاق يحفظ حق المواطن العربي بالمشاركة بالميادين ‏الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية والمدنية بغض النظر عن جنسه، عرقه أو عقيدته‎.‎ ‎‎يشار إلى أن لوزون ولد ونشأ في بنغازي، وقال إن الذكريات عالقة في ذهنه، وخلال حكم الملك ‏ادريس السنوسي. وقد وصف بنغازي من ذاكرتها بأنها مدينة خلابة، مزدهرة يشعر الإنسان فيها ‏بالطمأنينة لأن جميع أطياف المجتمع كانت تحافظ على التعايش والتآخي، الذي كان أهم اسس ‏المجتمع. وأشار إلى أن العلاقات بين اليهود والمسلمين قبل تلك الفترة كانت علاقات عمل او ‏تجارة، وعلاقات جيرة حسنة وصداقة خالية من أية منفعة. وكان والده من رجال الاعمال ‏الناجحين ومعروفا من قبل اليهود والمسلمين. ‏ ويروي لوزون قصة خروجه من ليبيا بالقول، إنه في عام 1967 كان قد بلغ الثالثة عشرة من عمره ‏وبدأت الحالة تتدهور في ليبيا، الى ان وصلت ذروتها عندما حدثت مذابح دموية راح ضحيتها عدد ‏من اليهود الليبيين. ‏ وقال إن عائلته مع عائلات يهودية أخرى، سنحت لهم الفرصة بالفرار الى مخيم للاجئين في ‏ضواحي المدن، حيث صدر، حسب قوله، قرار بطرد الجالية اليهودية كليا والسماح لكل شخص ‏باصطحاب حقيبة صغيرة و20 جنيها وترك كل شيء في ليبيا، واتجه المبعدون إلى إيطاليا، وقال «كان هناك من لم يحالفهم الحظ، مثل عائلة عمي، وزوجته وستة من أولادهم الذين قتلوا ‏بأيدي ضابط في الجيش الليبي».‎ وتابع لوزون روايته قائلا «وجد أبي صعوبة كبيرة للبدء من نقطة الصفر، في مجتمع غريب ‏وجديد وبدون حتى‎ ‎رأسمال‏، ورغم أننا قد ُسلبنا من حقنا الشرعي، لكننا لا نحمل إلا الذكريات ‏الطيبة عن مسقط رأسنا».‎ وأضاف القيادي اليهودي الليبي «إننا ليبيون وكذلك يهود. لقد طردنا من ليبيا، ولكن لا يستطيع ‏أحد انتزاع ليبيا من قلوبنا»‎.‎‏ واعتبر أن مآسى كهذه، حصلت في كثير من الدول العربية، حيث اجبر ‏اكثر من مليون يهودي في الخمسينات والستينات على النزوح من مواطنهم، رغم الحماية التي ‏كانوا ينعمون بها لقرون». وأقر أن اليهود كانوا يلقون معاملة جيدة في العهد الإسلامي، إلى ما قبل ‏طرد المسلمين واليهود من أسبانيا وظهور محاكم التفتيش.