تعليمات للجيش الأميركي بالاستعداد الشامل لأوضاع ما بعد الحرب في النزاعات المستقبلية

TT

تضمن توجيه صدر عن وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) هذا الاسبوع تعليمات الى الجيش الاميركي بالتأكد من الاستعداد بصورة شاملة للتعامل مع أوضاع ما بعد الحرب. واعتبر محللون التوجيه، الذي استغرق إعداده اكثر من عام، محاولة طموحة لتوسيع أساسي ودائم للمجالات التي يجري تدريب وتجهيز القوات الاميركية للعمل فيها خلال فترة ما بعد الحرب. وطبقا لهذا التوجيه، من المقرر ان يعطي الجيش الاميركي مسألة الاستقرار واستباب الأمن عقب الحرب نفس الاولوية التي تعطى للتدريب على العمليات القتالية. ويعني ذلك ان القوات الاميركية يجب ان تكون على استعداد عندما تكون في دول اخرى لمباشرة مهام اخرى غير قتالية مثل تطوير المؤسسات السياسية وتأسيس النظم القضائية والقانونية وإحياء النشاطات الاقتصادية. وينص التوجيه على ان «عمليات بسط الاستقرار والأمن مهام اساسية للجيش الاميركي تكون وزارة الدفاع على استعداد للاضطلاع بها ودعمها»، كما نص التوجيه على ان هذه العمليات «ستعطى اولوية على العمليات القتالية وسيجري التعامل معها على نحو واضح ومباشر». وجاءت عملية النظر في سياسات المتبعة في هذا الجانب عقب انتقادات واسعة لإهمال البنتاغون مسألة التخطيط بصورة كافية وشاملة لمرحلة ما بعد غزو العراق في مارس (آذار) 2003. فالأوضاع في العراق لم تصبح فحسب أسوأ مما كان متوقعا، بل ثبت أيضا ان آمال الكونغرس المبكرة في تسليم جزء كبير من المسؤولية الى منظمات وجهات مدنية اميركية وأجنبية وللعراقيين انفسهم كانت متفائلة للغاية. ونتيجة لذلك، واجه الجيش الاميركي في العراق ضغوطا متزايدة كي يوفر المهارات والمعدات والقوات اللازمة لضمان بسط واستباب الأمن والشروع في عملية إعادة إعمار العراق. وظهر من هذه التجربة الصعبة درس يمكن تلخيصه في ان القوات الاميركية لا يمكن ان تعتمد باستمرار على الآخرين للتقدم وعرض المساعدة في إدارة مهام الاستقرار. وجاء في واحدة من فقرات التوجيه الصادر عن البنتاغون ان «الكثير من عمليات بسط الاستقرار تنفذ على افضل وجه عندما تضطلع بها كوادر مدنية اجنبية او اميركية، ومع ذلك سيجري إعداد القوات الاميركية لتنفيذ كل المهام اللازمة لإقرار وبسط النظام عندما لا يستطيع المدنيون ذلك». ويتضمن التوجيه المكون من 11 صفحة والمذيل بتوقيع غوردون انغلاند، نائب وزير الدفاع الاميركي، قائمة من المسؤوليات المحددة التي من المفترض ان تضطلع بها عدة إدارات مدنية تابعة للبنتاغون فضلا عن أقسام عسكرية وقيادات اقليمية. ويرى مراقبون ان هذه الاجراءات وغيرها تأتي في سياق معالجة أوجه القصور في منهج البنتاغون الخاص بعمليات بسط وتعزيز الاستقرار إثر صدور وثيقة أعدتها العام الماضي لجنة استشارية تابعة للبنتاغون وتوصلت الى ان «القوات الاميركية تتمتع بالكفاءة في العمليات القتالية، لكنها تعاني من قصور في التعامل مع أوضاع ما بعد الحرب». ويقول خبراء في البنتاغون ان السبب وراء ذلك هو الافتراض السائد وسط خبراء التخطيط العسكري بأن «القوات الاميركية قادرة على كسب الحرب بسرعة ثم الانسحاب مناطق القتال». وفي هذا السياق يقول آندرو كريبنفيتش، المدير التنفيذي لـ«مركز تقييم الاستراتيجيات والميزانية»، ان الاهتمام كان مركزا خلال عقد التسعينات في كيفية إعادة القوات الى قواعدها على وجه السرعة عقب نشرها في جبهة ما على افتراض ان هذه القوات لن تظل في هذه الجبهة فترة طويلة. إلا ان النزاع في العراق اثبت بوضوح ان الخروج السريع ليس احتمالا واردا باستمرار. وكانت اللجنة الاستشارية التي أعدت الدراسة الخاصة بأوجه القصور في مناهج البنتاغون ازاء تثبيت الاستقرار خلال مرحلة ما بعد الحرب قد اوصت ايضا بأن تصبح مسألة الاستقرار من مهام البنتاغون على ان يجري التعامل معها بنفس الجدية كما هو الحال في التعامل مع العمليات القتالية، وهذا ما حمل وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، حسبما كشف مسؤولون، الى تكليف الجهات المختصة بإعداد التوجيه الذي صدر الاسبوع الماضي. من جانبه أكد جيفري نادانر، مساعد وزير الدفاع لشؤون عمليات بسط الاستقرار، على اهمية تزويد القوات بالمهارات اللازمة لتنفيذ هذه المهام، وأضاف النقاش حول تحديد الجهة التي ستكلف بمراقبة هذا العمل استغرق وقتا أطول، وأشار في معرض حديثه الى ان مشاركين اقترحوا تكليف لجنة واسعة من الكونغرس لتولي هذه المهمة، إلا ان هذه الاقتراح رفض تحاشيا للبيروقراطية، وأوضح ان هذه المسؤولية آلت في نهاية الأمر الى مكتب شؤون السياسات التابع للبنتاغون على ان يتلقى وزير الدفاع المعلومات بصورة متكررة ومباشرة على نحو يمكنه من متابعة سير التغيير. وأكد نادانر ان تنفيذ بنود هذا التوجيه لن تكلف كثيرا، واصفا العملية برمتها كونها تتركز حول إعادة صياغة الكثير من النشاطات الحالية.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»