النخب الإماراتية: تعديل دور المجلس الوطني خطوة نحو الديمقراطية

TT

رغم النقاش الدائر بين النخب الإماراتية حول تعديل دور المجلس الوطني الحالي وتوقعات البعض بأن تغيرا قادما في هذا المجال، إلا أن توقيت القرار كان له وقع المفاجأة، مع الترحيب باستكمال الصورة النهائية للإمارات بعد أن حققت مواقع متقدمة على الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

وفي هذا الصدد أكد محمد القرقاوي رئيس هيئة دبي للاستثمار والتطوير، أن العقود السابقة من عمر الإمارات أنجزت مشروع بناء الدولة، وبعد أن اكتمل هذا البناء، أصبح من السهولة الانطلاق إلى توسيع وتفعيل الأطر والهيئات الداعمة الأخرى، خاصة ان المواطن الإماراتي اصبح على درجة من الوعي لاستقبال هذه الخطوة والتعامل معها. واضاف «فممارسة حق الاقتراع ترشيحا وانتخابا يحتاج إلى أجواء ناضجة، وهو ما يجعل التغير الجديد ممكنا اليوم، خاصة أنه جاء تدريجيا». مطالبا أن يكون للمرأة «كوتا» في المجلس المقبل، والذي يجب أن يتسع أيضا لذوي الاحتياجات الخاصة.

ونوه القرقاوي إلى أن نظام الحكم في الإمارات يختلف عن غيره من النظم، فالعلاقة بين الحكام والمواطنين متواصلة بشكل يومي، لذا قد يتساءل البعض عن مدى الحاجة الحقيقية لموضوع الانتخابات، ما دامت حركة البناء والتطور قائمة ولدى الناس إمكانية وفرصة التواصل مع الحكام في كل وقت.

ويتابع: «قد يتخوف البعض من تجارب ديمقراطية في البلدان العربية التي تسبب الديمقراطية فيها أحيانا تعطيل قرارات مهمة نتيجة التجاذبات السياسية في بعض البرلمانات».

من جهتها، تعارض الكاتبه عائشة سلطان مديرة البرامج السياسية في تلفزيون دبي فكرة التخوف من الديمقراطية وتطبيقاتها، وقالت «إن الإمارات وغيرها ضمن منظومة دولية، وباتت الديمقراطية أهم ما يطرح فيها اليوم». وتابعت: «نحن لسنا في جزيرة لنضع قوانيننا الخاصة بمعزل عن العالم، إننا أمام قطار يتحرك إلى الأمام وعلينا أن لا نتخلف عنه».

وتعارض عائشة سلطان أيضا تطبيق نظام «الكوتا» الخاص بالمرأة لضمان وصولها إلى المجلس الوطني، مؤكدة أن الهدف الأساسي هو تحقيق الديمقراطية أولا، ومن الأفضل تحقيق هذا الهدف بشكل طبيعي، وعلينا أن لا نتدخل بخيارات المجتمع بأن نفرض عليه الأمور فرضا، وإذا رفض المجتمع وصول المرأة إلى المجلس الوطني عندها يجب أن لا نطبق نظام «الكوتا». وتضيف «ما دامت الفرص متاحة أمام الجميع على المرأة أن تترشح وتنتخب وعلينا أن نخرج من حالة الدلال السياسي لأي طرف».

وعبرت عائشة عن أهمية الخطوة، خاصة في ظل التراجع الكامل لدور المجلس عن الحياة السياسية الإماراتية، ولان حالة المجلس لوطني تشكل إحدى العوامل الرئيسية من حزمة التحديات الداخلية والخارجية، التي تواجه القيادة السياسية الجديدة في الإمارات، فقد ارتأت هذه القيادة انه حان الوقت لاتخاذ الخطوة كونها قيادة متصالحة مع شعبها. وتتابع «الخطوة طبيعية رغم نظرة البعض إليها بأنها متأخرة ولكن ذلك يتماشى مع نهج الإمارات السياسي الذي يعتمد دوما التوازن والحكمة».

اختيار أسلوب التدرج في تطبيق الانتخابات أمر أثنى عليه الدكتور حبيب الملا عضو المجلس الوطني السابق ورئيس سلطة دبي للخدمات المالية والأستاذ في القانون: «ما تضمنه خطاب رئيس الدولة يشكل خطوة متوقعة لأنها جاءت متدرجة لإتاحة الفرصة اللازمة لترسيخ الفكرة وتقييمها والتالي نقلها في مرحلة لاحقة إلى تجربة الانتخابات الكاملة».

واعتبر الملا أن مضمون الخطاب سوف يشكل نقلة نوعية في مسيرة المجلس الوطني ليكون أقرب إلى هموم الناس، مذكرا بأن دستور الإمارات لم ينص على آلية معينة لاختيار أعضاء المجلس الوطني ونظرا للظروف الدولية الناشئة فقد تم اعتماد أسلوب التعيين، لذا فان التغيرات الجديدة تتطلب استكمال جوانب قانونية إضافية مثل إصدار قانون انتخابي يتضمن شروط الترشيح والانتخاب والعمليات اللوجستية المكملة واليات التصويت، وهو أمر يحتاج اشهرا لإنجازه، وليس إلى سنوات، كما يعتقد البعض، لان البنية التشريعية في المجلس تتمتع بالمرونة الكافية لاستيعاب التشريعات القادمة، وحسب الملا فان الأشهر القليلة الماضية شهدت طرحا واسعا عن تغييرات سوف تطال المجلس الوطني لناحية الانتخابات، ولكن اختيار هذا التوقيت شكل مفاجأة بعد أن توقع البعض تاريخ الدورة القادمة موعدا لذلك، أي خلال السنتين القادمتين.

ويؤكد الكاتب الدكتور أنور قرقاش على أن هناك إجماعا ونقاشا على ضرورة بدء عملية التحديث السياسي، وفسر الخطوة بأنها جاءت نتيجة عاملين أولهما إدراك القيادة السياسية بأنه يجب اتخاذ الخطوات المناسبة على الجانب السياسي لتتماشى مع التقدم الحاصل على المستوى الاقتصادي والاجتماعي وثانيهما أن القيادة السياسية قرأت التطورات الإقليمية والدولية واختارت ما يناسب أحوال مجتمعها.

قرقاش قرأ أهمية هذه الخطوة كونها جزءا من برنامج سياسي متكامل، إذ قال «لقد جاءت في سياق تطور متلاحق، مرورا بموضوعي دور المرأة وحقوق الإنسان وصولا إلى الخطوة المذكورة وهي تشكل مرحلة أولى، وعلينا تقييمها من خلال المجلس الوطني القادم، ولكن علينا أيضا أن لا نستبق الأمور برسم جدول زمني لتطبيقها فان كانت ناجحة فهذا سيسرع باستكمالها».

والمهم بحسب قرقاش ليس اتخاذ إجراء سريع، بل «كيف نبني على هذا الإجراء لاحقا، دون الوقوف عند نقطة محددة، فهي خطوة أولى يجب التأسيس عليها». أما الدكتور عبد الخالق عبدالله أستاذ العلوم السياسية في جامعة الإمارات فقال: «آمل بأن تلحق هذه الخطوة بمجموعة خطوات، تعطي المجلس القادم صفة المنتخب والمعين، والأهمية المطلوبة أن يعطى صلاحيات تشريعية ورقابية، وان يتم زيادة عدد الأعضاء إلى الضعف مثلا».

وأكد الدكتور عبد الله على أهمية الخطوة ووصفها بأنها تاريخية وإيجابية ومتوقعة، لكنها من ناحية أخرى مجتزأة ومتأخرة، مضيفا أن قراءة القيادة السياسية للواقع محليا وخارجيا ونجاحها في هذه المهمة أمر يحسب لها.

وبحسب الاقتصادي الإماراتي حسين النويس رئيس مجلس إدارة مجموعة الإمارات القابضة، فإن القرار المذكور يعكس ايمان القيادة بأهمية مشاركة المواطنين في الحياة السياسية ولعل تجربة انتخابات غرفة تجارة وصناعة ابو ظبي تعكس جزئيا هذه الرغبة، ولكن النويس عاد للتذكير بأن مبدأ المشاركة كان قد طبق على نطاق واسع بعد ان رسخه المرحوم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة الراحل. وما يجري اليوم هو تأطيرها ضمن مؤسسات ومجالس وهيئات منتخبة. والنويس الذي ثمن تدرج القرار بنصف مجلس منتخب اعتبرها خطوة حكيمة كون الانتخابات تحتاج الى ثقافة وممارسة وقال: «قد لا نكون مهيئين اليوم لهذه الخطوة مائة بالمائة، لذا فان التدرج يؤسس لمبدأ الانتخابات ويؤهل المواطنين اليه».

وهو يؤكد على خصوصية التجربة ملمحا إلى دعوات البعض المقارنة مع التجارب الغربية. وختم النويس حديثه عن المؤشرات التي صدرت عن القيادة السياسية والتي تؤكد النية لتوسيع المشاركة السياسية. وذكر أن ولي عهد ابوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان كان قد لمح قبل نحو ستة اشهر وأمام جمع ضم نحو 300 من الشخصيات الاقتصادية في الإمارات إلى تغييرات مهمة قادمة.

وبحسب دستور دولة الإمارات العربية المتحدة، فان المجلس الوطني الاتحادي هو إحدى السلطات الاتحادية الخمس المنصوص عليها في الدستور، وهي المجلس الأعلى للاتحاد ورئيس الدولة ونائبه ومجلس الوزراء، ومن ثم المجلس الوطني الاتحادي والقضاء الاتحادي. ويشكل المجلس الوطني الاتحادي من أربعين عضوا ويوزع عدد المقاعد على الإمارات: 8 مقاعد لكل من أبو ظبي ودبي و6 مقاعد لكل من الشارقة ورأس الخيمة و4 مقاعد لكل من عجمان وأم القيوين والفجيرة، ويترك لكل إمارة طريقة اختيار المواطنين الذين يكونون في المجلس، ومدة العضوية في المجلس سنتان ميلاديتان تبدأ من أول اجتماع له ويطلق على هذه المدة الفصل التشريعي. وتكون دعوة المجلس للانعقاد وفض الدورة بمرسوم يصدره رئيس الدولة. وان لم يتم دعوة المجلس للانعقاد لدورته السنوية قبل الأسبوع الثالث من نوفمبر انعقد من تلقاء نفسه في الحادي عشر من الشهر المذكور، وكان أول اجتماع للمجلس في 13 فبراير 1972 ميلادي. ووفقا للدستور يفتتح رئيس الدولة الدورة العادية السنوية ويلقي فيه خطابا يتضمن أحوال البلاد واهم الأحداث والشؤون المهمة التي جرت خلال العام، وما تعتزم الحكومة إجراؤه من مشروعات وإصلاحات وعلى المجلس أن يختار لجنة من بين أعضائه لاعداد مشروع الرد على خطاب الافتتاح متضمنا ملاحظات المجلس وأمانيه ويرفع الرد بعد إقراره من المجلس إلى رئيس الدولة. يذكر أن آخر دورة للمجلس انتهت في شهر فبراير الماضي.