الانتقام الشخصي والاتفاق السياسي مع شارون وراء انسحاب «أبو الهزائم» من حزب العمل

TT

ما اعتبره المراقبون في إسرائيل شهر عسل عابر بين شيمعون بيريس، الزعيم التاريخي لحزب العمل الاسرائيلي، وبين أرييل شارون، مؤسس حزب الليكود ومفككه، تحول كما يبدو الى سنوات زواج طويل بين الرجلين. ومع أن طلاق بيريس من حزب العمل وانضواءه تحت لواء شارون في حزبه الجديد «كديما» ينطوي على انتقام شخصي من حزبه بسب الهزيمة في السباق على قيادة الحزب امام عمير بيرتس، الا انه يحمل أيضا أبعادا سياسية، قد تقود اسرائيل الى مرحلة تاريخية جديدة عبر السعي لإقامة (تحالف سلام) مع دول الجوار فلسطين والأردن ومصر، بعد تحقيق المرحلة الثانية من خطة «خريطة الطريق».

الرجلان وقفا باستمرار على طرفي نقيض. شارون رجل عسكري عنيف، منذ مطلع شبابه وهو يقود سياسة غير مقبولة عند بيريس. فقد قاد شارون عمليات حربية تدخل في اطار جرائم الحرب ونشاطات سياسية تعتبر مدمرة للمسيرة السياسية. فقد نفذ مذابح اللد والرملة سنة 1948، ومذبحة خان يونس سنة 1951، ومذبحة قبية سنة 1953، وتمرد على القيادة السياسية وأجبرها على خوض الحرب تحت التهديد بانقلاب عسكري سنة 1967، ونفذ عمليات اغتيال لقادة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة في سنة1971، تمرد في حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 واخترق خط الهجوم المصري، وقام بعملية خداع كبرى للقيادة السياسية خلال حرب لبنان، حيث قال إنها عملية ستستغرق 48 ساعة، فتطورت الى حرب واحتلال دام 18 سنة في يونيو (حزيران) 1982، وارتكب سواء بشكل مباشر او غير مباشر، مجازر صبرا وشاتيلا في سبتمبر (ايلول) من نفس العام، وقام بزيارته الاستفزازية للحرم القدسي الشريف، التي تسببت في انفجار الانتفاضة الثانية في سبتمبر (ايلول) 2000. في كل هذه القضايا وقف بيريس ضد شارون من اللحظة الأولى. واختار بيريس طريقا سياسيا وأمنيا مغايرا، ولو انهما التقيا في بعض التقاطعات. فهو، أي بيريس، بدأ حياته السياسية سنة 1941 وهو في السابعة عشرة من العمر كسكرتير منظمة الشبيبة العاملة في الحركة الصهيونية. فتعرف خلالها الى قائد الحركة الصهيونية ومؤسس الدولة، ديفيد بن غوريون، الذي أعجب به وقربه اليه لدرجة تعيينه في قيادة عصابة «هاجانا»، الذراع العسكرية للحركة الصهيونية، سنة 1947. وبعد قيام اسرائيل مباشرة أرسله بن غوريون على رأس البعثة التي توجهت الى الولايات المتحدة لجلب السلاح، ففشل، وعاد يحمل رأيا ان عنوان اسرائيل في هذا الموضوع هي فرنسا. وبدأ بالفعل اتصالاته مع باريس. وعندما عينه بن غوريون مديرا عاما لوزارة الدفاع، سنة 1953، سافر الى باريس وعقد معها الاتفاق بتزويد اسرائيل بأحدث أنواع الأسلحة. وتطور هذا الاتفاق لاحقا لدرجة قيام فرنسا ببناء الفرن الذري الاسرائيلي في ديمونة، وذلك مقابل مشاركة اسرائيل في العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956.

خلال كل هذه الفترة، سعى بيريس الى تحريض بن غوريون على شارون، باعتباره انسانا غير صادق وعسكريا خطيرا يهدد النظام الديمقراطي في اسرائيل. في سنة 1959 انتخب بيريس لأول مرة عضوا في الكنيست، وتولى في السنة نفسها منصب نائب وزير الدفاع. وفي سنة 1965 انسحب من حزب «مباي» (أصبح حزب العمل)، وأقام مع بن غوريون حزب «رافي»، وفشل هذا الحزب في الانتخابات، وبسبب ذلك اعتزل بن غوريون الحياة السياسية. وعندما عاد الى «مباي»، استبعده قادة الحزب لمدة سنتين ثم ضموه للحكومة كوزير للشؤون الاقتصادية في المناطق الفلسطينية المحتلة. وتدرج في المناصب الحكومية المختلفة حتى أصبح وزيرا للدفاع عام 1974.

في سنة 1977 قاد بيريس حزب العمل الى الهزيمة الأكبر، حيث خسر الحكم لأول مرة أمام حزب الليكود، بزعامة مناحم بيغن. وكان شارون في حينه شخصية دينامية أساسية في هذا الانقلاب، إذ انه هو الذي أسس الليكود وأصبح وزيرا في حكومته، بينما بيريس يقود المعارضة ويخصص معظم خطاباته ضد شارون. وفي الوقت نفسه كان خصم بيريس في حزب العمل، اسحق رابين، مقربا من شارون وينسق معه في الكثير من المواقف. بل ان رابين كان قد اختار شارون مستشارا أمنيا له، عندما كان رئيسا للحكومة (1974 ـ 1976)، وعين شارون رابين مستشارا أمنيا عندما أصبح وزيرا للدفاع (1982). فزاد ذلك من العداء بين بيريس وشارون. في تلك الفترة بدأ بيريس يحمل اللقب «أبو الهزائم»، إذ انه فشل شخصيا في الانتخابات الداخلية في الحزب عدة مرات في عدة قضايا. وعندما فاز في الانتخابات العامة (سنة 1984) فشل في تشكيل حكومة واضطر لتقاسم السلطة مع اسحق شامير. ومع انه نجح في اخراج اسرائيل من معظم المناطق التي تحتلها في لبنان ونجح في التوصل لاتفاق سلام مع الملك حسين (اتفاق لندن 1987، الذي رفضه شامير وأجهضه)، فإنه خسر موقعه في قيادة حزب العمل لصالح رابين سنة 1992. ومع ذلك بقي لجانب رابين، الذي عينه وزيرا للخارجية، وعقدا معا اتفاقيات أوسلو. ولكن عندما قتل رابين وتولى بيريس القيادة مكانه فشل مرة أخرى أمام الليكود في انتخابات 1996، وسلم القيادة الى ايهود باراك. وتوقع الجميع أن يعتزل بيريس السياسة عندئذ، إذ انه بلغ من العمر 75 عاما، الا أن بيريس لم يفعل وراح يحارب باراك حتى أسقطه ثم راح يحارب رئيس الحزب التالي، بنيامين بن اليعيزر، حتى تسلم قيادة الحزب مكانه. وفي هذه الأثناء، عام 2001، بدأ بيريس شهر العسل مع شارون، الذي أصبح رئيس حكومة بالصدفة (لأن بنيامين نتنياهو استقال وبحثوا في الليكود عن رئيس مؤقت للحزب، لكن شارون فاجأ الجميع بأن تمسك بالكرسي، ثم فاز في الانتخابات). وحتى عندما كان بيريس في المعارضة، حرص شارون على التشاور معه. وجنده الى جانبه في خطة الفصل.