الاحتباس الحراري يبطئ حركة المياه الدافئة ويجعل أوروبا أكثر برودة

في أول دراسة من نوعها عن سبب التغيرات المناخية

TT

يبدو أن حركة مياه المحيطات القوية، التي تنقل الحرارة لكل العالم وتبقي الطقس في شمال أوروبا معتدلا نسبيا، قد بدأت تضعف، نتيجة الاحتباس الحراري على الارجح، حسبما تفيد دراسة اعدها علماء بريطانيون. وتشبه هذه التيارات الأنهار الكبيرة التي تجري على ارتفاعات مختلفة من المحيط وهي تعمل كأنها أنابيب إشعاع خاصة بالتدفئة تحمل الحرارة من المناطق الاستوائية إلى المناطق الشمالية. وأفضل هذه التيارات المعروفة هو «تيار الخليج» الذي يحمل الماء الدافئ من خليج المكسيك إلى سواحل بريطانيا وفرنسا، في حين تقوم التيارات الأخرى بإعادة الماء البارد من القطبين.

وبفضل الرياح تدفِّئ هذه التيارات الطقس في أوروبا بعدة درجات، فروما على سبيل المثال هي بنفس ارتفاع مدينة بوسطن الاميركية، ويفترض انها أبرد منها الآن لو ان الدفء لا يأتي من البحر.

وحسب دراسة قام بها علماء في المحيطات من بريطانيا ونشرت نتائجها مجلة نيتشر (الطبيعة) العلمية، اتضح أن حركة المياه قد نقصت بمقدار 30% خلال العقود الخمسة الأخيرة خصوصا بالنسبة لجريان المياه الباردة العائدة إلى الجنوب. ويعتبر هذا التقرير أول دليل على تباطؤ من هذا النوع.

وقال خبير المناخ دتلف كوادفاسل من جامعة ميونيخ «ان النتيجة مقلقة»، والكشوف التي قدمها هذا التقرير تقدم «دعما مثيرا للقلق لما تحقق على النماذج الكومبيوترية» التي تنبأت بأن الاحتباس الحراري على مستوى الكرة الأرضية يمكن أن يعرقل الطريقة التي يقوم فيها كوكبنا بتنظيم الحرارة.

لكن العلماء مختلفون حول التأثير المحتمل لتباطؤ التيارات المائية للمحيطات. فبعضهم يقول إن تيارات أضعف من حيث السرعة يمكنها أن تبرِّد الطقس الأوروبي بعدة درجات وهذا سيكون له تأثير سلبي على الزراعة والأنظمة البيئية وستسبب مواسم شتوية أكثر برودة. بينما يقول آخرون إن التبريد يمكن أن يوازن الاحتباس الحراري في أوروبا والذي يتوقع أن يسبب ارتفاعا في عدة درجات حرارية على مستوى كوكب الأرض خلال القرن المقبل.

وقال كوادفاسل في مقابلة معه: «توقعي الشخصي هو أنه لن يكون هبوط عام في درجات الحرارة لكن فقط إبطاء التدفئة».

وسبق لهذه التيارات أن توقفت تماما قبل 8200 سنة وأدى ذلك إلى انخفاض درجات الحرارة في أوروبا بمقدار 10 درجات مئوية وأحيانا بمقدار 20 درجة مئوية خلال عقد واحد، حسبما قال ريتشارد الي الخبير في التحولات المناخية في جامعة ولاية بنسلفانيا.

لكن توقف التيار تماما يعد «احتمالا قليلا» مما يؤدي الى هبوط درجات الحرارة بمقدار 10 درجات مئوية في أوروبا. وكل النماذج الكومبيوترية للطقس توضح أن التيار سيتباطأ ولن يتوقف تماما حتى مع ارتفاع كمية الغازات المتسربة إلى الغلاف الجوي.

لكن خبير المحيطات ترنس جويس من معهد «وودز هول» لبحوث المحيطات يشكك في وقوع تغيرات كبيرة في درجات الحرارة وما سيعقبه من كوارث طبيعية وقال بخصوص التقرير الجديد الذي يشكك بدقته: «أعتقد أن القضية تظل مفتوحة». وسبب شكوكه يعود إلى أن قياس مجرى التيارات عسير جدا ومثل كل المقاييس الأخرى فإنه معرض للخطأ. وحسب المقاييس التي اتبعت في هذه الدراسة، لاحظ العلماء البريطانيون أنه بينما لم يتغير مجرى المياه الدافئة شمالا في «تيار الخليج»، فإن مجرى المياه العائدة بالمياه الباردة قد تباطأت بمقدار 50% من سرعتها السابقة وهناك مياه أكثر تعود إلى الباهاما بدلا من أن تجري شمالا لتحقيق الدائرة الكاملة للنظام الحالي.

لكنهم يقولون إنهم مقتنعون من أنهم يرون تباطؤا حقيقيا بسبب التحولات في درجات الحرارة وكثافة المياه التي ستقود إلى التباطؤ، ولأن التغييرات تبدو كأنها تحدث في الأعماق مثلما تنبأت النماذج الكومبيوترية بمكان العثور عليها.

ويتفق جويس مع الاستنتاج القائل بتباطؤ أكبر لتيارات المياه المحيطية لكنه قال إن هذا قد وقع منذ عام 1992 لا خلال الخمسين عاما الأخيرة مثلما يقول معدو الدراسة التي نشرتها مجلة «نيتشر». وقال: «نحن بحاجة إلى معلومات تخص فترة زمنية تزيد عن العشرة أعوام لنحصل على اثباتات قاطعة بخصوص الاتجاه العام ضمن فترة زمنية أطول».

لكن أولئك المقتنعين بالمعلومات الجديدة يقولون إن تباطؤ دورة المياه المحيطية تدعمها دراستان سابقتان. إذ سبق للعلماء أن قدموا تقريرا عام 2001 حول مجرى المياه من البحار الشمالية إلى أعماق المحيط الأطلسي وفيه أكدوا على تباطئها بمعدل 20% خلال الخمسين عاما الأخيرة. كذلك، أصبحت مياه شمال المحيط الأطلسي أقل ملوحة خلال العقود الأخيرة.

وتعد ملوحة مياه البحار مفتاحا مهما. فالمياه المالحة هي أكثف وأكثر غوصا. وحاليا تغوص المياه الباردة والمالحة في شمال المحيط الأطلسي بالقرب من القطبين وهي تتحرك صوب قاع المحيط وتبدأ رحلتها عائدة إلى الجنوب. لكن مع نقص ملوحة مياه المحيطات بفضل امتزاجها بمياه حلوة فإنها تغطس أقل وربما تقطع الطريق أمام دوران المياه.

* خدمة «لوس أنجليس» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»