«الإيدز» في المغرب لم يعد مرضا يصاب به «الآخرون» فقط

TT

أصبح مرض فقدان المناعة المكتسبة (الإيدز) يحصد المزيد من الضحايا في المغرب بعد أن كان في السابق مجرد مرض مستورد يصاب به «الآخرون» فقط. وتشير أرقام وزارة الصحة إلى أن هناك حوالي 20 الف حامل للفيروس في المغرب، عدا الذين وصلت حالاتهم المرضية إلى مراحل متقدمة، أو الذين لم يخضعوا للمعاينة والكشف، وهم كثيرون.

ويعتبر هذا المرض، الذي يمكن أن ينتقل عن طريق العلاقات الجنسية، أو تحاقن الدم، بما فيها استعمال الإبر غير المعقمة، أو من الأم على الجنين، أو المخدرات، واحدا من أشد وسائل القتل فتكا، غير أنه لا يثير في المغرب الكثير من الهواجس بين الناس العاديين الذين ينظرون إليه على أنه مرض لا يعنيهم، على الرغم من اعتراف جمعيات مهتمة بأنه «يزحف بحدة وسرعة» في البلاد.

وتقول تقارير منظمة الصحة العالمية إن أزيد من 25 مليون شخص مصابون بداء الإيدز في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، يضاف إليهم أزيد من نصف مليون شخص في بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط. وتشكل نسبة الإصابة بداء الإيدز في إفريقيا وحدها أزيد من نصف معدل الإصابة في العالم كله حيث تصل إلى أزيد من 40 مليون مصاب. وستنظم في المغرب، بالموازاة مع حملة عالمية، حملة لمحاربة هذا الداء بتنسيق مع القناة التلفزيونية الثانية «دوزيم» في محاولة إلى إيصال التحذير إلى أكبر شريحة ممكنة من الناس.

غير أن أرقام وزارة الصحة التي تشير إلى عشرين ألف مغربي حامل لفيروس المرض، لا يمكن اعتبارها أرقاما ثابتة في ظل اعتبار المرض «طابو» حقيقيا، وحيث أن الأغلبية الساحقة من الذين يحتمل إصابتهم بالمرض يتورعون عن زيارة الأطباء لإجراء تحليلات لأسباب نفسية واجتماعية.

وإذا كانت العلاقات الجنسية الشاذة إحدى أسباب المرض، فإن ما يجري في عدد من المدن المغربية يعتبر سندا حقيقيا لهذا المرض، حيث يعمل الشواذ بطريقة تتميز بالكثير من الحرية، وفي مرات كثيرة يأتي شواذ غربيون كثيرون ليمارسوا ليبراليتهم الجنسية في المدن المغربية بكثير من الحرية ومع شبان مغاربة غالبا ما تدفعهم ظروفهم المادية والاجتماعية إلى القبول بكل المهام المسنودة إليهم من أجل الحصول على المال، أو بسبب رغبتهم في الهجرة خارج البلاد. ويمكن معاينة سياح أجانب شواذ يصطادون ضحاياهم بسهولة في عدد من المدن المغربية، وهم سياح لا يخضعون لأية مراقبة طبية عند دخولهم المغرب.

غير أن المغرب لا يمكنه، بحسب الاتفاقيات الدولية التي وقع عليها، أن يقوم بفحص للسياح «المشبوهين» الذين يدخلون البلاد، أو منعهم في حالة ثبوت إصابتهم بالمرض.

وتقول الدكتورة عزيزة بناني، إطار (كادر) في البرنامج المغربي لمحاربة الأمراض المنقولة جنسيا ومحاربة الإيدز، إن المغرب يفعل ذلك لأسباب أخلاقية، ولأنه وقع اتفاقيات دولية، وهناك جوانب أخلاقية متفق عليها عالميا تمنع فحص السائح أو منعه من دخول البلاد. وتفسر بناني أسباب وجود أكادير، المدينة السياحية الأولى في المغرب، على رأس المدن المغربية المصابة بالداء بوجود 19 في المائة من مجموع المصابين بها، كونه راجعا إلى أسباب اجتماعية، لكن من دون وجود دراسات علمية.

ويتبين من دراسات أنجزتها مصالح وزارة الصحة المغربية أن الشريحة الأكثر عرضة للإيدز هم الشباب، خصوصا من بين المدمنين أو السجناء أو الداعرات أو الشواذ، إضافة إلى الأشخاص الذين يتنقلون باستمرار داخل البلاد وخارجها.

وتقول الدكتورة بناني إن احتمال الإصابة بالمرض وسط الأشخاص الذين يتنقلون باستمرار خارج منازلهم يكون أكثر ارتفاعا، مثل سائقي الشاحنات أو العاملين في صفوف الأمن والجيش.

غير أن معاقل تجارة الجنس في المغرب، والتي تتكون أحيانا من مدن أو مناطق بكاملها لا تخضع بدورها لمراقبة حقيقية، يمكنها أن تحد من تفشي الداء.. غير أن الدكتورة بناني تقول إن هناك عملا يقوم به أطباء محليون وحملة توعية على مدار العام، كما أن الوزارة أصدرت دليلين للإرشاد حول طرق الوقاية من هذا المرض، وخصص الدليل الأول لغير المتعلمين، والثاني تم توجيهه أساسا للمتعلمين والمؤسسات التعليمية. وتفسر بناني انشغال وقلق الجمعيات غير الحكومية بتفشي هذا الداء في المغرب كونه ناتجا عن رغبتها في الحصول على إمكانيات وموارد اكبر من وزارة الصحة من اجل الاشتغال في ظروف أفضل. وتذكر الإحصائيات أن انتقال الإيدز يتم بنسبة 82 في المائة عن طريق الاتصال الجنسي، و4 في المائة عن طريق المخدرات، و4 في المائة عن طريق حقن الدم، و3 في المائة عن طريق انتقال المرض من الأم على الجنين، و 7 في المائة بوسائل مختلفة وغير معروفة حتى الآن.

وتشير هذه الإحصائيات الى أن الإيدز في المغرب موجود بنسبة كبيرة في المدن بحوالي 84 في المائة من مجموع المصابين، فيما تصل النسبة في القرى إلى 12 في المائة.

وتقول جمعيات وهيئات غير حكومية في المغرب إن معدل تفشي داء الإيدز في المغرب صار يستدعي القلق، وأنه ينبغي التعامل معه بكل الجدية اللازمة، في الوقت الذي تهون مصادر وزارة الصحة من معدل انتشاره وتقول إن المرض في المغرب لم ينتشر بعد بالدرجة نفسها التي انتشر بها في باقي بلدان شمال إفريقيا. بينما تقول نادية بزاد، رئيسة المنظمة الإفريقية لمحاربة داء الإيدز، إن «الوضع خطير والمرض يتطور بسرعة وبشكل مأساوي». واعتبرت جمعية «مدرسي علوم الحياة والأرض» في المغرب أن تزايد معدل الإيدز في المغرب «يستدعي القلق على الرغم من كل الجهود المبذولة». إلى ذلك تقول الدكتورة حميدة الخطابي، المسؤولة عن برنامج محاربة الإيدز بوزارة الصحة المغربية، «إن هناك بعض المؤشرات التي تدل على التأثير الإيجابي لحملة التوعية التي استهدفت توعية الناس بداء الإيدز، وأن وزارة الصحة تأمل في بلوغ الأهداف التي رسمتها في ذلك».

وتضيف الخطابي أن وزارة الصحة تعمل من دون توقف مع شركائها الدوليين لتعميم العلاج على كافة المصابين، حيث تم علاج أزيد من ألف مريض حتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.