خادم الحرمين الشريفين: التكفير لا ينبت في أرض خصبة بالتسامح

مخاطبافي «قمة مكة» وأمام قادة العالم الإسلامي

TT

أكد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أن الوحدة الإسلامية لن يحققها سفك الدماء كما يزعم المارقون بضلالهم، فالغلو والتطرف والتكفير لا يمكن له أن ينبت في أرض خصبة بروح التسامح ونشر الاعتدال والوسطية، مشيرا الى تطلعاته إلى أمة إسلامية موحدة وحكم يقضي على الظلم والقهر وتنمية مسلمة شاملة تهدف للقضاء على العوز والفقر وانتشار الوسطية التي تجسد سماحة الإسلام.

وفيما يلي نص كلمة خادم الحرمين الشريفين في افتتاح قمة مكة الإسلامية:

«بسم الله والحمد لله القائل في محكم كتابه: «كنتم خير أمة أخرجت للناس»، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد نبي الرحمة للعالمين.

إخواني قادة الأمة الإسلامية، أيها الأخوة الحضور: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يسرني أن أرحب بكم باسم إخوانكم شعب المملكة العربية السعودية، وباسمى في منزل الوحي ومهد الرسالة، متمنيا لكم التوفيق والسداد.

إن استجابتكم الكريمة لدعوة أطلقها أخ لكم، في هذه البقعة الطاهرة في العام الماضي، لدليل على الرغبة الملحة في أعماق الأمة نحو التغيير للأفضل، ولنسعى جميعا لأن تكون هذه القمة بشرى لمستقبل زاهر باذن الله.

أيها الإخوة الكرام: من هذا المكان من أرض النبوة انطلقت دعوة الإسلام معلنة وحدانية الخالق، ومنهية عبودية الانسان للانسان، رافعة مبادئ المساواة والحق والعدل، فتمكنت هذه الدعوة من الوصول إلى مشارق الارض ومغاربها، بتأثير القيم الصالحة والقدوة الحسنة، وليس بحد السيف، كما يدعي من يتجاهل الحقيقة، أو لم يدركها، ولنتذكر كيف كانت حضارتنا الإسلامية منارة الاشعاع، فأخذت منها الحضارات الأخرى روح التسامح والعدل، وفتحت الطريق للبشرية، بما أنجزته من فقه وفكر، وعلم وأدب، كانت فيصل التنوير في عهود الظلمات.

أيها الإخوة الأعزاء: إنه لمن المؤلم أن نرى كيف تداعت حضارتنا المجيدة، من مراقي العز إلى سفوح الوهن، وكيف عاث فكر العقول المجرمة، مفسدا في الارض، وكيف تحولت أمتنا الواحدة بشموخها وكبريائها، الى كيانات مستضعفة، إلا أن المؤمن القوى بربه، لا يقنط من رحمته، فمن ظلام الليل يشع نور الفجر، ومن قسوة الألم يشرق الخلاص، فليكن ايماننا بالله القادر المقتدر دافعا قويا، لنثق في أمتنا شعوبا وقادة، ولنودع عهد الفرقة والشتات والضعف، ونستقبل عهدا من الوحدة والقوة والعزة، بالتوكل على الله ثم الصبر والعمل.

أيها الاخوة الكرام: إن الوحدة الإسلامية لن يحققها سفك الدماء، كما يزعم المارقون بضلالهم، فالغلو والتطرف والتكفير لا يمكن لها أن ينبت في أرض خصبة بروح التسامح، ونشر الاعتدال والوسطية، وهنا يأتي دور مجمع الفقه الإسلامي في تشكيله الجديد ليتصدى لدوره التاريخي ومسؤوليته في مقاومة الفكر المتطرف، بكل أشكاله وأطيافه، كما أن منهجية التدرج هي طريق النجاح الذي يبدأ بالتشاور في كل شؤون حياتنا السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، للوصول الى مرحلة التضامن بإذن الله، وصولا الى الوحدة الحقيقية الفاعلة المتمثلة في مؤسسات تعيد للأمة مكانها في معادلات القوة.

أيها الإخوة الأعزاء: إن طبيعة الانسان المسلم تكمن في ايمانه ثم علمه ومبادئه وأخلاقه، التي قال عنها نبي الرحمة «إنما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق»، ولعلكم تتفقون معي على أن الارتقاء بمناهج التعليم وتطويرها مطلب أساسي، لبناء الشخصية المسلمة المتسامحة للوصول إلى مجتمع يرفض الانغلاق والعزلة، واستعداء الآخر، متفاعلا مع الإنسانية كلها، ليأخذ ما ينفعه ويطرح كل فاسد.

أيها الإخوة الأعزاء: إنني أتطلع إلى أمة إسلامية موحدة، وحكم يقضي على الظلم والقهر، وتنمية مسلمة شاملة تهدف للقضاء على العوز والفقر، كما أتطلع الى انتشار الوسطية التي تجسد سماحة الاسلام، وأتطلع الى مخترعين وصناعيين مسلمين، وتقنية مسلمة متقدمة والى شباب مسلم، يعمل لدنياه كما يعمل لآخرته، من دون افراط أو تفريط.

إن النهضة يصنعها أمل، يتحول إلى فكرة، ثم إلى هدف وأمتنا قادرة على تحقيق أهدافها مستعينة بالله وحده، مطمئنة إلى قوله الكريم «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»، ووعده جل جلاله «إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم». والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».

وكان خادم الحرمين الشريفين استقبل صباح أمس في قصر الصفا في مقر انعقاد القمة، قادة الدول الاسلامية، كما كان في استقبال القادة الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام.

من جانبه قال عبد الله بدوي رئيس وزراء ماليزيا رئيس الدورة العاشرة لمؤتمر القمة الإسلامية «لقد اخترنا أن نجتمع هنا في هذا المؤتمر لكي نحقق الوحدة والاتحاد الذي نصبو إليه، فالوحدة قوة، وإننا نأمل أن يبارك الله جهودنا لكي يتوحد العالم الإسلامي في هذه المرحلة المهمة من تاريخنا المجيد»، واصفا المرحلة الحالية التي يعيشها العالم الإسلامي بأنها خطيرة ومشيرا إلى انقسام المسلمين ووجود الكثير من النزاعات والانقسامات والعنف».

وتطرق رئيس وزراء ماليزيا إلى معاناة آلاف المسلمين في فلسطين وأفغانستان والعراق والسودان من خوف وتهديد وعنف، وذكر أن الكثيرين من أبناء الأمة الاسلامية يعيشون في تخلف وفقر، مشيرا الى أن الأوضاع الاقتصادية التي يعاني منها العديد من البلدان الإسلامية هي مجرد عناصر من وضع مأساوي، مشددا على ضرورة العمل من اجل وضع افضل الوسائل للقضاء على الفقر وتنمية الجذور التاريخية للامة الاسلامية والسعي من اجل التنمية والتطور باعتبارها امورا اساسية في الاسلام.

وقال أكمل الدين احسان اوغلي الامين العام لمنظمة المؤتمر الاسلامي «ان عالمنا الاسلامي يمر في اخطر العهود في تاريخه ويواجه مشاكل وصعوبات كالداء يطال تأثيرها حياة مئات الملايين من الناس عبر العالم بما لم يعد في وسعنا اهمالها ولا ان ننتظر حلا لها من الاخرين» مشيرا الى ان لدى العالم الاسلامي من الموارد ما يكفي للتغلب على هذه المصاعب.

وقال اوغلي «لم نعد نملك ترف لوم الاخرين للمشاكل التي نصنعها فقد حان الوقت لمعالجة مشاكلنا الوطنية والجهوية بشجاعة واخلاص وانفتاح وهذا ما تتوقعه منا جماهير المسلمين لذلك علينا ان نخلق ثقافة تضامن بين الشعوب الاسلامية عن طريق حشد مواردنا وطاقاتنا السياسية والاقتصادية والثقافية».

وبين اوغلي «ان النقص في اعتماد الوسطية هو احد العوامل الرئيسية للاضطراب والفوضى في العالم الحديث، واسبابه في العالم الاسلامي مردها الى مجموعة معقدة من الظروف كالفقر والامية والاوبئة والفساد وعدم تساوي الفرص او توزيع الثروة»، مشيرا الى «ان ما نريده الان هو برنامج عمل للتحديث لاعادة انشاء مبدأ الوسطية».

وبين اوغلي «ان برنامج العمل العشري الذي انبثق عن نتائج ندوة مكة المكرمة لعلماء ومفكري الامة وما وقع عليه من تصويبات يشكل خطة عمل واضحة المعالم تؤسس للعمل الاسلامي المشترك وتحدد اولويات ووسائل تطبيقة خلال العام القادم».

وفي نهاية الجلسة الافتتاحية قام المشاركون في القمة الاسلامية الاستثنائية الثالثة بعقد جلسة عملهم الاولى المغلقة في قصر الصفا بمكة المكرمة.

من جهة أخرى، أوضحت لـ«الشرق الأوسط» مصادر إيرانية، أن الرئيس الإيراني أحمدي نجادي، طلب خلال كلمته التي ألقاها في الجلسة المغلقة، ضرورة تعاون الدول الإسلامية في كافة الظروف، ودعا إلى تصديها في حال تعرض أحد بلدان العالم الإسلامي إلى هجوم عسكري.

وأضافت المصادر أن نجادي أكد دعمه لكل ما جاء في كلمة خادم الحرمين الشريفين، والتي دعا فيها إلى نبذ الغلو والتطرف ومحاربة الإرهاب بكافة اشكاله.

وكانت أنباء متواردة قد ذكرت أن وزير الخارجية الإيراني طلب خلال إحدى جلسات وزراء الخارجية التحضيرية، التي عقدت أول أمس في مدينة جدة ، إلى تأجيل الخطة العشرية للتضامن الإسلامي، مرجعا الأمر إلى حاجة بلاده للمزيد من دراسة وبحث هذا الموضوع.

من ناحية ثانية أشار العاهل الأردني عبد الله الثاني في كلمته التي القاها نيابة عنه أمس، الأمير علي بن الحسين رئيس الوفد الاردني المشارك في القمة، الى اهمية وحيوية الموضوعات والمحاور المدرجة على جدول أعمال القمة ومشروع برنامج العمل العشري لمنظمة المؤتمر الاسلامي، وقال إن بلاده تؤكد من جديد على أن الموضوع «الذي ينبغي أن يتقدم على كل هذه المواضيع هو الاتفاق فيما بيننا كمسلمين على من هو المسلم وعلى شروط الافتاء لأن عدم الاتفاق على هاتين المسألتين، هو سبب الفرقة والاختلاف وتبادل تهم التكفير والاقتتال بين أبناء الدين الواحد».

وقدم الملك الاردني فى كلمته، تفاصيل واسعة عن المؤتمر الاسلامي الدولي، الذي عقد فى العاصمة الاردنية عمان أواخر شهر جمادى الأولى من العام الهجري الحالي، بمشاركة اكثر من 170 عالما من مختلف بلاد المسلمين، واورد جملة من القرارات التى توصل اليها ذلك المؤتمر، والتي تؤكد على عدم تكفير المسلم، وان ما يجمع بين المذاهب اكثر مما يفرقها وشروط الافتاء ومن يتصدى لها، وطالب بادراج توصيات وقرارات ذلك المؤتمر في البيان الختامي لهذه القمة، واعتمادها كمرجعية وقاعدة لتسوية الخلافات بين المسلمين واغلاق الباب أمام بعض من يمارسون الافتاء بغير وجه حق، وتكفير بعض المسلمين وقتلهم باسم الاسلام والاسلام منهم بريء.

وكان قادة الدول الاسلامية المشاركون في القمة، قد أنهوا مساء أمس جلسة عملهم الثانية، التي عقدت في قصر الصفا بمكة المكرمة، ومن المقرر ان يواصل القادة اليوم، أعمال القمة بعقد جلسة ثالثة، تليها الجلسة الرابعة الختامية للمؤتمر.

وبعد انتهاء الجلسة المغلقة، أدى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، ومعه قادة الدول الاسلامية وأعضاء الوفود، صلاة الظهر مع جموع المصلين في المسجد الحرام.

من جهة أخرى، كرم خادم الحرمين الشريفين الملوك والرؤساء وممثلي الوفود المشاركة في القمة، وأقام لهم حفل عشاء بالقصر الملكي بمشعر منى بمكة المكرمة.

تجدر الإشارة إلى أن الامير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد يرأس وفد بلاده في هذه القمة. وقد حضر افتتاح القمة الإسلامية، بالإضافة إلى الوفد السعودي كل من الأمير عبد الرحمن بن عبد العزيز نائب وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، والأمير متعب بن عبد العزيز وزير الشؤون البلدية والقروية، والأمير عبد المجيد بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة، والأمير مقرن بن عبد العزيز رئيس الاستخبارات العامة والأمراء الوزراء وكبار المسؤولين، إضافة إلى كبار المسؤولين من سفراء الدول الإسلامية وكبار الشخصيات.