حزب المحافظين البريطاني يعلن الطلاق مع الثاتشرية

رئيسه الجديد يأمل بتحويله إلى تجمع لليمين الجديد

TT

ظهر حزب المحافظين، الذي يعتبر حزب يمين الوسط الرئيسي في بريطانيا، في أربعينيات القرن السابع عشر. وعلى الرغم من أنه لم يكن في ذلك الوقت حزبا سياسيا بالمعنى الحديث للكلمة، فإنه كان يمثل مصالح الطبقة العليا، التي كانت أقلية، والكنيسة الأنجليكانية، بينما كان يمثل خصمه الرئيسي آنذاك، The Whigs (حزب الأحرار في ما بعد) مصالح الطبقات التجارية الصاعدة. وفي عام 1834 صاغ رئيس الوزراء عن حزب المحافظين، روبرت بيل، فلسفة «محافظة» جديدة وأعلن أن الحزب سيجري إصلاحات في المجالات التي تحتاج الى إصلاحات. أما حزب المحافظين الحديث فقد تأسس في خمسينات القرن التاسع عشر بقيادة بنجامين ديزرائيلي.

ظل حزب المحافظين خلال غالبية القرن الماضي يمثل ما يعرف بالقيم «التقليدية» ومصالح مؤسسات مثل الملكية والكنيسة وطبقة أصحاب الصناعات. ويعتقد مؤرخون سياسيون أن أكثر فترة حقق الحزب خلالها نجاحا سياسيا بارزا كانت بين عامي 1951 و1964، وهي السنوات التي قاد حزب المحافظين خلالها الزعماء وينستون تشيرتشل وأنتوني إيدن وهارولد ماكميلان وأليك دوغلاس هيوم، كما شهدت تلك الفترة توسعا اقتصاديا كبيرا. عاد المحافظون الى الحكم خلال الفترة من 1970 حتى 1974 تحت قيادة إدوارد هيث، إلا أن فترة عمله كرئيس للحكومة شهدت اضطرابات في آيرلندا الشمالية، فضلا عن أزمة النفط العالمية عام 1973 ودخول بريطانيا السوق الاقتصادية الأوروبية المشتركة، وهي خطوة شجعها هيث نفسه، رغم أن كثيرين في الحزب لم يرحبوا بها. برز نمط جديد من الساسة المحافظين عقب استقالة إدوارد هيث. إذ قادت مارغريت ثاتشر مجموعة من السياسيين الذين خرجوا على الكثير من تقاليد الحزب واتبعوا توجه اقتصاد السوق على نحو راديكالي. وعاد حزب المحافظين الى السلطة مرة أخرى عام 1979 وطبق خلال السنوات العشر التالية مجموعة من الإصلاحات كانت في واقع الأمر انعكاسا لنفس التفكير الاقتصادي/المالي الذي ساد في الولايات المتحدة خلال حقبة الرئيس الراحل رونالد ريغان. وشهدت بريطانيا موجة من التغييرات التي جاءت في إطار توجه المحافظين الجديد، تمثلت في الخصخصة وخفض الضرائب وإجراء إصلاحات على نظام الضمان الاجتماعي، وهي تغييرات أفضت في مجملها الى تغيرات عميقة في بريطانيا وجدت معارضة كثير من الناخبين، بمن في ذلك كثيرون داخل حزب المحافظين نفسه الذي بات يسود اعتقاد في أوساطه بأن مارغريت ثاتشر أصبحت عبئا على الحزب. وفي عام 1990 أجبرت ثاتشر على التنحي عن زعامة حزب المحافظين وخلفها في زعامة الحزب والحكومة جون ميجر. بدا ميجر مقارنة بمارغيت ثاتشر زعيما ضعيفا للحزب. وعلى الرغم من أنه نجح في قيادة الحزب للفوز في انتخابات عام 1992، إلا أن أغلبية حزب المحافظين داخل مجلس العموم تراجعت كثيرا ولم تعد تساعد الحزب في تمرير قوانين وقرارات عديدة.

وخلال زعامة ميجر لحزب المحافظين حدثت فضائح مالية وأخلاقية تورط فيها أعضاء كانوا يمثلون الحزب داخل مجلس العموم، فضلا عن الانقسام العميق داخل الحزب إزاء وضعه أوروبياً، بالإضافة الى الركود الاقتصادي خلال جزء كبير من حقبة التسعينات. ولم تتحسن فرص حزب المحافظين منذ هزيمتهم الساحقة أمام حزب العمال في انتخابات عام 1997. وعقب استقالة جون حاول الحزب اجتذاب اهتمام الرأي العام وتولى زعامته عقب استقالة ميجر كل من وليام هيغ وإيان دنكان سميث ومايكل هاوارد، إلا انهم فشلوا جميعا في إحداث أي تحسن في صورة حزب المحافظين الذي كان يعاني حالة من الانقسام والعزلة. ويأمل الحزب في أن يغير زعيمه الجديد ديفيد كاميرون هذا الوضع وأن يمثل وجها شابا وجديدا لفكر محافظ يواكب بريطانيا القرن الحادي والعشرين. وعلى الرغم من أنه لم تعرف بعد التغييرات التي سيحدثها كاميرون، فإن الحزب لا يزال يحتل من الناحية السياسية خانة يمين الوسط في الساحة البريطانية. إذ ظل الحزب خلال فترات حكمه أقرب الى دوائر المال والأعمال وسعى باستمرار الى خفض عبء الضرائب على الشركات والأفراد مع تشجيع الخصخصة وتبني سياسات اقتصاد السوق الحر. ومعروف عن حزب المحافظين تاريخيا خطه المتشدد إزاء الجريمة والهجرة واللجوء السياسي. ومن ضمن التحديات الكبرى التي تواجه كاميرون البحث عن هوية لحزب المحافظين. فحزب العمال، الذي كان في السابق يحتل خانة يسار الوسط، تبنى خلال زعامة توني بلير الكثير من سياسات المحافظين، الشيء الذي تسبب في شعور الكثير من المحافظين بالإحباط. ويبقى أن كاميرون يواجه تحديا رئيسيا يتمثل في إقناع الشارع البريطاني بأن حزب المحافظين يمثل الحزب الحقيقي ليمين الوسط الحديث.