رايس تعلن عن تبدل في الموقف الأميركي من معاملة السجناء

بلير: لا أعلم شيئا عن السجون السرية وغوانتانامو حالة شاذة تجب إزالتها

TT

أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية، كوندوليزا رايس، أمس في كييف أن الولايات المتحدة غيرت سياستها بشأن استجواب المعتقلين وقررت منع العسكريين الأميركيين في كل أنحاء العالم من تعريض السجناء للقسوة. وقالت رايس أمام الصحافيين إثر لقائها الرئيس الاوكراني فيكتور يوتشينكو «في ما يتصل بالسياسة الأميركية، فان التزامات الولايات المتحدة بموجب شرعة مناهضة التعذيب التي تمنع طبعا المعاملة المهينة وغير الإنسانية، تنطبق على الموظفين الأميركيين حيث هم، سواء في الولايات المتحدة أو خارجها». وقال مسؤولون أميركيون، نقلت عنهم وكالة «رويترز»: «إن هذه السياسة الجديدة جاءت بسبب ضغوط من أوروبا والكونغرس الاميركي».

وبعد زيارتها الى أوكرانيا التي حرصت أن تكون حول تقدم هذا البلد نحو الديمقراطية، توجهت رايس أمس الى بروكسل لإجراء مباحثات مع نظرائها في حلف شمال الأطلسي والاتحاد الاوروبي.

ورغم ملاحقة موضوع وجود سجون سرية أميركية مزعومة في أوروبا يحتجز فيها أعضاء تنظيم «القاعدة»، للوزيرة رايس، فان مسؤولي حلف شمال الأطلسي أعربوا عن ثقتهم بأن الجدل لن يعيق خطط توسيع قوات حفظ السلام التي يقودها التحالف في أفغانستان. وتأتي قضية السجون التي يزعم أن وكالة الاستخبارات المركزية (سي. آي. إيه) أقامتها في عدد من دول أوروبا، لتهدد مجددا العلاقات الأميركية ـ الأوروبية التي بدا أنها عادت الى طبيعتها بعد الحملة الدبلوماسية المكثفة التي قامت بها واشنطن بهذا الخصوص عقب إعادة انتخاب الرئيس جورج بوش. ويقول الدبلوماسيون إن الجانبين يحرصان على التقليل من خطورة هذه المسألة رغم الطلب الاوروبي الرسمي من الولايات المتحدة بتقديم إيضاحات.

وتحرص الولايات المتحدة على ألا تسمم هذه المسألة العلاقات مع أوروبا بعد ثلاث سنوات من الخلاف الحاد بين جانبي الأطلسي بسبب الحرب على العراق. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن دبلوماسي اميركي قوله: «إن هدفنا هو أن نجعل موقفنا واضحا ومفهوما من قبل شركائنا، حتى نستطيع البدء في العمل الهام الذي أمامنا».

وكان مقرراً أن تحضر رايس الليلة الماضية في بروكسل مأدبة عشاء غير رسمية مع نظرائها من حلف شمال الأطلسي والاتحاد الاوروبي قبل الاجتماع الرسمي لحلف شمال الأطلسي اليوم.

وكانت رايس قد استهلت جولتها الأوروبية التي تشمل أربع دول بزيارة ألمانيا الاثنين. وقبل مغادرتها واشنطن حددت رايس أسس الرد الذي ستقدمه للأوروبيين حيث دعتهم الى تبني «خيارات صعبة» في مكافحة الإرهاب وأصرت في الوقت ذاته على أن الولايات المتحدة لا تقبل أبدا بممارسة التعذيب. إلا أنها رفضت تقديم ردود محددة على أسئلة حول وجود أية سجون أميركية سرية في أوروبا أو حول أية رحلات جوية قامت بها وكالة «ٍسي. آي. إيه». وتوقع دبلوماسيون أن تستغل رايس مأدبة العشاء التي ستجري خلف أبواب مغلقة، ولن يحضرها سوى وزراء الخارجية بدون مساعديهم، لشرح الموقف الاميركي، حسبما أفادت وكالة الصحافة الفرنسية. وأفاد وزير الخارجية الهولندي، بين بوت، أول من أمس أن التصريحات التي أدلت بها رايس حتى الآن «غير مرضية»، وتوقع أن تكون محادثات اليوم الخميس «صعبة». بينما كان المسؤولون الفرنسيون أكثر حذرا وقالوا إنهم «استمعوا» الى تصريحات رايس. وفي لندن، اكد رئيس الوزراء البريطاني توني بلير امس انه «لا يعلم شيئا» عن احتمال وجود سجون لوكالة (سي اي ايه) في اوروبا، مكررا تنديده الشديد باللجوء الى التعذيب، مهما كانت الظروف. وقال بلير مرارا خلال جلسة الاسئلة الاسبوعية في مجلس العموم البريطاني ان «التعذيب غير مقبول». وسئل بلير عن قاعدة غوانتانامو الاميركية في كوبا، فكرر انها تمثل «امرا شاذا ينبغي ازالته». وحين اعلن رئيس الحزب الليبرالي الديمقراطي المعارض تشارلز كينيدي ان نحو 400 رحلة لطائرات استأجرتها الاستخبارات الاميركية استخدمت في الاعوام الاخيرة 18 مطارا بريطانيا، رد بلير «لا اعلم شيئا عن هذا الامر».

من جهة أخرى، اقر وزير الخارجية الالماني فرانك فالتر شتاينماير بانه تم ابلاغه العام الماضي بقضية الالماني اللبناني الاصل الذي احتجزته وكالة (سي.اي.ايه) ونقلته الى سجن سري في افغانستان. وقال شتاينماير الليلة قبل الماضية: «لقد علمت بالمسألة في يونيو (حزيران) 2004 من خلال رسالة بعث بها محام وتمت احالتها لنا في المستشارية».

وذكرت تقارير صحافية امس ان جهاز الاستخبارات الالماني حقق في القضية الا ان نتيجة التحقيق لم تعرف بعد. وتقدم المصري اول من امس بدعوى ضد (سي. اي. إيه) في محكمة فيدرالية اميركية يتهمها فيها بخطفه واساءة معاملته اثناء اعتقاله. وكان المصري قد اعتقل في مقدونيا في ديسمبر (كانون الاول) 2003 ونقل جوا الى سجن في افغانستان للتحقيق معه، وتم اطلاق سراحه بعد ذلك بخمسة اشهر. ويتعرض وزير الداخلية الالماني السابق اوتو شيلي الى ضغوط لتفسير التقارير الصحافية التي قالت انه كان يعلم باعتقال المصري الا ان واشنطن طلبت منه السكوت على ذلك.

وقد ناقشت المستشارة الالمانية انغيلا ميركل قضية المصري مع وزيرة الخارجية الاميركية رايس، وقالت ان «الحكومة الاميركية اقرت بان اعتقال المصري كان خطأ». وبدورها قالت رايس: «في كل سياسة، ترتكب اخطاء، لكن سنبذل كل ما بوسعنا لاصلاح تلك الاخطاء باسرع وقت ممكن»، واعلنت ميركل كذلك ان لجنة برلمانية المانية ستنظر في القضية.