تصعيد ضد لحود بعد اغتيال تويني .. والوزراء الشيعة يتجهون إلى الاستقالة

السنيورة متمسك بالمحكمة الدولية .. والأكثرية النيابية تطالب بإسقاط لحود وتطمئن «أمل» و«حزب الله»

TT

دفعت جريمة اغتيال الصحافي والنائب جبران تويني، الوضع السياسي الداخلي في لبنان الى حافة الهاوية، بعدما أظهرت التطورات المتلاحقة، الخلافات داخل الحكومة ودفعت بالوزراء الشيعة الى تعليق عضويتهم فيها، بعدما رأوا انهم «استُدرجوا» الى موقف تأييد المحكمة الدولية، وتوسيع صلاحيات لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري، فاختاروا الانسحاب «بانتظار تبلور الصورة».

ورغم الاتصالات الحثيثة التي اجريت على اكثر من صعيد، بدا الوزراء الشيعة في الحكومة متجهين الى الاستقالة، مع ما قد يمثله هذا الموضوع من ازمة سياسية كبرى، رغم انها لن تشكل ازمة حكومية «على الورق». ذلك ان الوزراء الشيعة الخمسة لا يفقدون الحكومة نصابها. لكن هذا الوضع قد يشكل خللاً في «الديمقراطية التوافقية» التي سار عليها اللبنانيون منذ اتفاق الطائف عام 1990، بالاضافة الى محاذير الشحن الطائفي الذي قد يحدثه انسحاب وزراء «امل» و«حزب الله» من الحكومة، علما ان موقف هؤلاء مرتبط الى حد كبير بشكل المحكمة الدولية التي يتخوفون من صلاحياتها.

وفي المقابل، كانت «الأكثرية النيابية» تتجه الى تصعيد الموقف ضد رئيس الجمهورية اميل لحود مطالبة بـ«اعادة النظر في وضعه»، وموجهة بعض التطمينات الى الطرف الشيعي في الحكومة لجهة تأكيد رفضها «الوصاية الدولية».

وامس اكدت أوساط رئيس الحكومة فؤاد السنيورة لـ«الشرق الاوسط» أن باب الحوار لم يقفل مع الوزراء المنسحبين، لكن اي تطور ايجابي لم يحدث بعد. واوضحت ان رئيس الحكومة لا يزال عند موقفه المعلن في ما يتعلق بالمحكمة الدولية وتوسيع صلاحيات لجنة التحقيق الدولية، بعدما وصلت الامور الى حدود غير مقبولة.

وكان الرئيس السنيورة اجرى ليل اول من امس، اتصالاً هاتفياً بالأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان، لوضعه في اجواء قرار مجلس الوزراء بمطالبة مجلس الامن بأن يقر انشاء محكمة ذات طابع دولي تنعقد في لبنان او خارجه، وتتولى محاكمة كل من يظهر التحقيق ترتب مسؤولية عليه عن الجريمة الارهابية، التي اودت بحياة الرئيس الحريري والنائب باسل فليحان ورفاقهما، إضافة الى طلب مجلس الوزراء من مجلس الأمن توسيع مهام لجنة التحقيق الدولية لكي تشمل كل الجرائم الارهابية منذ محاولة اغتيال الوزير والنائب مروان حمادة، وصولاً الى جريمة اغتيال النائب جبران تويني، وذلك لمساعدة السلطات الرسمية اللبنانية في اجراءات التحقيق. وقد طلب انان تزويده القرارات الرسمية لمجلس الوزراء.

وفي موازاة «التشاور» المستمر بين رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يرأس حركة «امل» والأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ حسن نصر الله، كان مقر رئاسة المجلس النيابي يشهد حركة اتصالات رفيعة المستوى، شارك فيها السفير الاميركي في بيروت جيفري فيلتمان، الذي زار بري للمرة الثانية خلال ايام، بالاضافة الى تحرك لافت للنائب وليد جنبلاط، الذي اوفد وزيري الاعلام غازي العريضي والاتصالات مروان حمادة للقاء بري، الذي قالت اوساطه لـ«الشرق الاوسط» ان جنبلاط اكد انه لن يتخلى عن «الثوابت»، وانه ليس في وارد التراجع عن مواقفه الوطنية الداعمة للمقاومة والرافضة للمس بها، والرافضة لأي وصاية دولية على لبنان.

وقال حمادة ان الزيارة «هي لتأكيد خطأ من يقول إن المشاورات والاستشارات والمداولات، التي اطلقها الرئيس بري تتوقف عند محطة معينة»، معتبراً ان هذه المشاورات «ليست مرتبطة بمقررات مجلس الوزراء، وانما مستمرة في كل لحظة».

أما السفير الاميركي، فقد قال بدوره انه زار بري لاطلاعه على «الفقرة التي يرحب فيها مجلس الأمن بالتزام الحكومة سوق المسؤولين عن هذه الجريمة الى العدالة»، مشيراً الى ان اعضاء مجلس الأمن، يتطلعون الى تسلم الطلب الرسمي الذي ناقشته الحكومة اللبنانية، وانه بحث هذا الأمر مع الرئيس بري. ورفض بشدة ما يقال عن «ان لبنان ذاهب باتجاه وصاية دولية كاملة». وقال: «ما يفعله لبنان انه ينتقل الى عصر يحدد فيه اللبنانيون ما هو افضل للبنان، وشكل لبنان الذي يريدون. والذين قتلوا جبران تويني لا يحبذون هذه الفكرة».

غير أن أوساط الرئيس بري، نقلت عنه قوله إن ما حصل في مجلس الوزراء (التصويت على قرار المحكمة الدولية)، هو «سابقة خطيرة» كسرت عرفاً سار عليه لبنان منذ اتفاق الطائف، ويقضي باتخاذ القرارات بالتوافق. واستغرب كيف اتجهت الأمور الى هذا المسار بعدما كانت الاتصالات وصلت الى حدود الاتفاق على مسألة المحكمة الدولية، وأن لقاءات كانت تتم بين النائب بهيج طبارة (قانوني من القريبين جداً من الرئيس الراحل رفيق الحريري)، وقيادات «امل» و«حزب الله». ولاحظ بري ان التصويت «لم يكن على قانون عادي، بل على معادلة، قد تجعل طائفة لبنانية خارج اللعبة».

وقال عضو المجلس السياسي المسؤول عن الاعلام في «حزب الله» محمد عفيف لـ«الشرق الأوسط» إن الحزب لا يزال عند موقفه بتعليق مشاركته في الحكومة، بانتظار انتهاء المشاورات الداخلية التي يجريها، والمشاورات مع الرئيس بري، مشيراً الى أن القرار بالاستقالة أو عدمها لن يتأخر سوى أيام قليلة.

واعتبر عفيف ان وزراء الحزب «دُفعوا الى اتخاذ هذا القرار». وقال: «كان هناك نقاش هادئ وموضوعي حول المحكمة الدولية. لكننا فوجئنا بسرعة اتخاذ القرار». واضاف: «من الواضح انه بعد المناخ الذي افرزه اغتيال تويني، هناك من يحاول أخذ البلد الى مكان لا نقبل به، فالقضاء والأمن سيصبحان في يد مجلس الأمن، ومعه ربما ما هو اكثر من ذلك».

وأشار عفيف الى أن «ما اثار حفيظة الحزب، هو عدم احترام النقاشات التي كانت دائرة، والتي كانت وصلت الى مكان متقدم»، كاشفاً ان النائب بهيج طبارة كان يعقد اجتماعات دورية مع المستشار السياسي للأمين العام للحزب حسين خليل، تم التوصل خلالها الى صيغة للمحكمة، وانه كان هناك بحث جدي حول شكل هذه المحكمة ومكانها والقانون الذي ستعتمده، بالاضافة الى امور أخرى.

على صعيد ذي صلة، أوضح وزير الخارجية والمغتربين فوزي صلوخ، ظروف انسحابه من جلسة مجلس الوزراء الاستثنائية اول من امس. وقال في تصريح أدلى به امس: «ان النقاشات في الجلسة، كانت في اطار ديمقراطي وبناء، وكانت جلسة هادئة وألقى جميع الزملاء والوزراء بمداخلات والجميع شجب واستنكر الجريمة النكراء، التي ذهب ضحيتها النائب الشهيد جبران تويني. وعندما طرح موضوع المحكمة الدولية، حاولنا أن يكون القرار توافقيا واجماعيا، وقد اقترحت باسم وزراء حركة امل وحزب الله، تأجيل البحث في شأن المحكمة الدولية ولجنة التحقيق الجديدة، او توسيع اللجنة الحالية الى الجلسة العادية التي ستنعقد (غداً) الخميس، للافساح في المجال امام الحوار، الذي قطع شوطاً بعيداً، وذلك انطلاقاً من الميثاق الوطني، الذي نتمسك به للحفاظ على الوحدة الوطنية والتوافق على كل الأمور».