سوازيلند تقرر مواجهة الإيدز بالختان

بعد دراسة أفريقية اعتبرت أن العملية تقلل الإصابة بـ 60 %

TT

لفترة 150 عاما، ظل الرجال السوازيلنديون، مثل هاوارد ملوندولوزي دلاميني، يحترمون رغبات الملك الذي مات منذ زمن بعيد، وكان قد حظر، بسبب الخشية من استعداد أفراد قواته من الشبان، الطقوس القديمة للختان.

لكن الخطر الأكبر الذي يهدد سوازيلند في الوقت الحالي ليس الغزو وانما الايدز. وكشفت دراسة صدرت في جنوب افريقيا المجاورة ان ختان الذكور يقلص احتمال الاصابة بالمرض. ومع انتشار هذه الاخبار، يعود بقوة هذا النوع من العمليات الجراحية الى سوازيلند التي تعد من بين البلدان الأقل في معدل الختان، والأعلى في معدل الاصابة بالايدز.

وفي الأشهر الأخيرة جرى ختان المئات من الرجال السوازيلنديين. وأجريت لدلاميني، 42 عاما، الرجل الذي غالبا ما يرتدي ملابس شعبية مطرزة عند الكتف بدلا من الملابس الغربية، عملية ختان استمرت 30 دقيقة في سبتمبر (ايلول) الماضي. وقال مدير المستشفى، وهو والد لاثنين وكان قد فقد ثلاثة من اقربائه: «إنني أرى أشخاصا يموتون بكثرة ويتركون أطفالهم». وتحدث في مدينة مانزيني القريبة عن اهتمامه «برعاية طفليه وتوفير فرصة اجراء عملية الختان لهما».

ورغم توفر الأدوية في الوقت الراهن، وبشكل متزايد، فان معدل الاصابة بالايدز في سوازيلند يبقى عاليا جدا. وتقدر الأمم المتحدة أن اثنين من بين كل خمسة ممن هم في سن العمل مُصابون بفيروس الايدز. ويقدر ان 20 ألف شخص هنا ماتوا العام الماضي بسبب مشاكل مرتبطة بمرض الايدز، وفي العقد الماضي، خفض المرض متوسط العمر من 57 إلى 33 عاما. وهناك قلق من أن الايدز يمكن أن يقلص الى حد كبير عدد سكان سوازيلند، البلد الصغير الذي يضم 1.2 مليون نسمة يعيشون على الحدود بين جنوب افريقيا وموزمبيق. وقال دلاميني «أشعر بالقلق من أن هذا البلد سيواجه المحو» من الخريطة بسبب الايدز.

وبينما تزدحم أجنحة المستشفى، فإن تجنب فيروس الايدز اصبح قلقا يوميا بالنسبة للسوازيلنديين. ومنذ ان ظهر تقرير جنوب أفريقيا مشيرا الى أن الرجال الذين خضعوا لعمليات ختان اقل اصابة بنسبة 60 في المائة بفيروس الايدز، فان التغير في مواقف السوازيلنديين تجاه الختان، الذي كان يجري تصويره باعتباره غير مقبول رجوليا، بات سريعا ودراماتيكيا.

المستشفيات التي كانت نادرا ما تجري عمليات ختان، تقوم الآن بما يتراوح بين 10 الى 15 عملية في الأسبوع، ويبقى الاشخاص الراغبون في اجراء هذه العمليات، في قائمة انتظار تصل الى الشهرين.

ودعا طبيب عبر الاذاعة المستمعين الى القيام بالعملية الجراحية التي تزيل الخلايا الأكثر عرضة لفيروس الايدز. وأيد مشرع هذا الاجراء في خطاب له في البرلمان، مطالبا الحكومة بزيادة الدعم لهذا الموضوع. ورغم ان التقرير الجنوب افريقي تعرض الى انتقادات وتشكيك في دقته، من قبل جهات غربية، فان الكثير من الرجال السوازيلنديين وأحيانا النساء، يقومون بهذه العملية.

وبعد التعرف على التقرير حددت الصيدلانية لونغيلي مازيا، 35 عاما، مواعيد لأبنائها الأربعة، الذين تتراوح أعمارهم بين 6 الى 15 عاما، لإجراء الختان. كما حددت موعدا لاجراء العملية لزوجها، وهو اجراء وقائي في بلد يشهد تعدد الزوجات. ولم يرفض العملية سوى ابنها البالغ 15 عاما، وقالت انها ابلغته: «يا بني، عندما تبلغ الثامنة عشرة ستشكرني حقا على هذا».

وكان الختان يمارس بشكل روتيني في مناطق افريقيا، جنوب الصحراء، عند وصول الطفل الى سن المراهقة. لكنه اصبح أقل شيوعا مع انتقال الشبان الأفارقة الى المناطق المدينية المزدحمة.

وتعد الدراسة الجنوب افريقية الأولى التي تختبر تجريبيا فاعلية الختان في منع الاصابة بالايدز، لكن عشرات الدراسات أظهرت أن معدلات الاصابة أعلى بكثير في المناطق التي تنخفض فيها معدلات الختان.

ففي كينيا، يصل معدل الاصابة الى 7 في المائة، لكن في صفوف أفراد قبيلة ليو، التي لا تمارس ختان أولادها تقليديا، تصل النسبة الى 24 في المائة. وعموما، فانه لا يوجد بلد تمارس فيه عمليات الختان بشكل واسع، ويرتفع معدل الاصابة بالايدز بين مراهقيه أعلى من 7 في المائة.

واستندت الدراسة الجنوب أفريقية إلى جلب 3274 شابا من منطقة «أورانج فارم» ثم أجرت عمليات ختان لنصفهم. وبعد 18 شهرا أصيب 49 من الذين لم يخضعوا للختان، بفيروس الايدز، بينما لم يصب من الذين خضعوا للختان سوى 20. وحسب باحثون من جنوب افريقيا وفرنسا، فان نسبة الإصابة بالإيدز، بين من خضعوا لختان، تقل بنسبة 60 في المائة عن غيرهم. إلا ان الدراسة تعرضت لهجوم من معارضين للختان في الولايات المتحدة وأوروبا.

لكن هناك عوائق أخرى. فبعد أسابيع على إجراء الختان يصبح الرجال أكثر عرضة للاصابة بالفيروس الذي يستطيع أن يدخل الجرح بسهولة. ويحذر آخرون من ان الرجال الذين يخضعون للختان يعتقدون انهم يتمتعون بوقاية اكثر فيتصرفون بطرق أقل حيطة.

كما تعاملت منظمات دولية تسعى لمنع انتشار الايدز في العالم مع نتائج هذا البحث الميداني بحذر، قائلة إن عليها انتظار نتائج تجارب مماثلة في أوغندا وكينيا قبل تحديد موقف من اعتبار الختان حلاً للمشكلة في البلدان ذات النسب العالية من المصابين بالايدز. وقال برتراند أوفرت أحد الباحثين البارزين في باريس «إنهم ينتظرون لقاحا لا قطعا بواسطة مقص».

لكن باحثَين أميركيين مقيمان في سوازيلند دفعا بشكل حازم الأخبار المتعلقة بالبحث الخاص باستخدام الختان إلى وعي الجمهور. وقام دانيال هالبيرن الباحث والمستشار التقني في مجال الايدز لدى الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بسلسلة اجتماعات مع أطباء سوازيلنديين لمناقشة نتائج البحث. وبدأ آلن برودي أكبر مسؤول في منظمة اليونسيف بسوازيلند بإدخال الرسائل المتعلقة بتأثير الختان في الوقاية ضمن الحملات التعليمية الموجهة للجمهور عام 2002. وبصدور نتائج الدراسة الجنوب افريقية أصبح برودي يعبر عن قناعاته بصوت أعلى، والآن أصبحت المناقشات الرسمية لا تركز فقط على جعل الختان أكثر توفرا بل على كيفية تحقيق ذلك.

ويعاني النظام الصحي في سوازيلند من الاكتظاظ بحالات المصابين بالايدز، اضافة الى توسع برنامج إعطاء الأدوية المضادة للمرض. ولهذا البلد ثمانية جراحين وحوالي 50 طبيبا عاما. وهناك ايضاً نقص في عدد الممرضات.

ويخشى عاملون في القطاع الصحي العام من العجز عن مواجهة طلبات إجراءات عمليات الختان، مما يؤدي الى القيام بهذه العمليات في ظروف غير نظيفة وفي غرف عمليات تنشأ بسرعة من دون توفر المقاييس الصحية فيها. واقترح برودي استخدام الجيش لإنشاء مستشفيات جوالة تتحرك من قرية إلى أخرى عارضة إجراء الختان بشكل مجاني لأي ذكر يتراوح عمره ما بين 10 و24 عاما. وبموجب هذا الاقتراح، سيجري تدريب الممرضات والمساعدين الطبيين، ليتمكنوا من إجراء هذه العملية البسيطة. ومع ذلك، فإن برودي يعترف بأن هذا الاسلوب سيحقق ما يقرب من 150 ألف ختان وقد يستغرق عامين. وقال برودي «هذه أزمة. العلم يقول: دعونا نتقدم، على الأقل بالنسبة لسوازيلند والجزء الأكبر من افريقيا جنوب الصحراء، دعونا لا نتأخر في ذلك».

وفي مبابان، تحدث الطبيب ثيمبا نتيواني عبر برنامج إذاعي أسبوعي في سبتمبر الماضي ولأول مرة عن فوائد الختان، ثم أصبح الحث على إجراء العملية مستمرا. وقال نتيواني: «الكل يريد اجراء عملية الختان. لم يقل أي واحد إنها مخالفة لتقاليد سوازيلند».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»