اجتماع «لم الشمل» بين الجمهوريين والديمقراطيين: باول ظل صامتا .. وأولبرايت وبوش «تصادما»

انتقدت الوزيرة السابقة السياسة الخارجية لبوش فرد «لا أستطيع أن أترك هذه الملاحظة تمر دون تعليق»

TT

بقى كولن باول صامتا تماما طوال الاجتماع الصباحي الذي استغرق 40 دقيقة كاملة بين الرئيس الاميركي جورج بوش و13 من وزراء الدفاع والخارجية الاميركيين السابقين، وذلك بالرغم من ان الاجتماع خصص لمناقشة القضية التي هيمنت على اجندة ادارة بوش الاولى والثانية، وهي العراق، وما الذي يمكن للولايات المتحدة ان تفعله كي تحقق نجاحا هناك في ما يتعلق بتأمين الاستقرار والمساعدة على بناء الديمقراطية. لكن صمت باول، الذي يعارض الكثير من سياسات بوش، ربما كان أكثر بلاغة من الكلام الذي قيل خلال هذا الاجتماع الذي هدف الى «لم شمل» الجمهوريين والديمقراطيين في الموضوع العراقي. وبدأ بوش الاجتماع ليل اول من امس بقوله «ليس كل الجالسين حول هذه المائدة اتفقوا مع قراري بغزو العراق وأنا أتفهم ذلك تماما»، مضيفا أنه استمع الى مخاوفهم واقتراحاتهم بشأن كيفية المضي قدما، وتابع «سأحمل النصيحة على محمل الجد».

وخلال الاجتماع سألت مادلين اولبرايت وزيرة الخارجية الاميركية السابقة، الرئيس بوش بعد الموجز الذي اعطي للحاضرين حول تطورات الوضع في العراق، ما اذا كانت المسألة العراقية تأخذ القسط الاكبر من طاقة واهتمامات بوش وفريق وزارة الخارجية، مما يعطل اهتمامه بقضايا عالمية اخرى تستحق المتابعة والاهتمام، مثل البرنامج النووي الايراني والكوري الشمالي، والاوضاع في اميركا اللاتينية، والصين. وكانت هذه الانتقادات الواضحة احدى اللحظات الساخنة خلال الاجتماع غير الاعتيادي الذي دعا له الرئيس بوش، بهدف جمع مؤيدي سياساته ومعارضيه على نفس الطاولة لمناقشة الاستراتيجية الاميركية في العراق والتي باتت الشغل الشاغل لادارة بوش خلال الاسابيع الماضية.

غير ان الرئيس بوش رد مهاجما، وقال لاولبرايت «لا استطيع ان اترك هذه الملاحظة تمر دون تعليق». وتابع «ادارتي تستطيع ان تفعل اكثر من شيء في وقت واحد»، وأضاف ردا على عدم اهتمام واشنطن بالسياسة الخارجية خلال ولايته الثانية «لدينا أفضل علاقات مع اليابان، والصين وكوريا»، مؤكدا ان واشنطن لديها سياسة نشطة في ما يتعلق ببناء التحالفات عبر العالم.

لكن اذا كان هدف الاجتماع هو التشاور بين مسؤولين من الحزبين، الديمقراطي والجمهوري حول العراق، كما قال البيت الابيض، فإنه «تشاور قصير جدا»، وذلك لان ثلاثة من الوزراء السابقين والذين شاركوا في حرب فيتنام وهم روبرت مكنمارا، وملفين ليرد، وجيمس شلسينجر، لم يجتمعوا مع المجموعة الا لدقائق قليلة، وذلك قبل ان ينفض الجمع لأخذ صورة جامعة للمشاركين. أما هؤلاء الذين يعارضون السياسية الاميركية الحالية في العراق ويريدون ان يمدوا اعضاء الادارة بأفكار مختلفة، فقد اختلوا بأنفسهم للاجتماع مع مستشار الامن القومي الاميركي ستيفن هادلي، والجنرال بيتر باسي رئيس هيئة الاركان الاميركية المشتركة، لكن وكما لاحظ بعض الحاضرين فانه بمرور الوقت قام الرئيس بوش ونائبه ديك تشيني، ووزيرة الخارجية الاميركية كوندليزا رايس ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد بعقد اجتماعات اخرى.

وعندما كانت كاميرات التليفزيون تدور في الغرفة لم يسجل بوش اي علامة او يصدر عنه اي مؤشر على انه في موقف دفاع، بل ظهر مرتاحا وممتنا للذين قبلوا دعوته وحضروا الاجتماع. وقال «أنا ممتن جدا لكل الاقتراحات التي قدمت، نأخذ النصيحة بصدق، ونقدر خبرتكم، ونشكركم على استقطاع هذه الفترة من وقتكم».

هذا الاجتماع الصباحي، يذكر بالاجتماعات الصباحية التي كان بوش يعقدها في الايام الاولى من ولايته في «غرفة روزفلت» بالبيت الابيض، ويدعو فيها مسؤولين من الحزب الجمهوري والديمقراطي لبحث قضايا الساعة، غير ان هذا التقليد تعطل بعد الخلافات الكبيرة بين الحزبين على العراق، وخلال الانتخابات الرئاسية في 2004. وقال اري فلايشر، المتحدث السابق باسم البيت الابيض، ان دعوة بوش للاستفادة من هؤلاء الوزراء السابقين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي توضح ان الرئيس «يريد ان يختبر ما اذا كان قد مضى ما يكفي من الوقت وخفت المرارة وحدة الانشقاق بين الحزبين، والبلاد بعد انتخابات الرئاسة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2004». وتابع فلايشر «شعوري انه يريد اعادة الحياة للاجتماعات الصباحية مجددا». غير ان مسؤولين سابقين يشككون في مسألة انتهاء حدة المرارة بين الحزبين، موضحين ان بوش انتظر اكثر من 1000 يوم منذ شن الحرب على العراق، وبعد الكثير من الاخطاء، قرر إشراك الاخرين في وضع الاستراتيجية. وكانت الجلسة قد بدأت بموجز حول الوضع في العراق قدمه جورج كيسي، أحد المسؤولين العسكريين البارزين في العراق. وبعده تكلم زلماي خليلزاده السفير الاميركي في العراق الذي اشتكى من ان نقص الدعم للعراق من دول الجوار احدى المشكلات التي تواجه الولايات المتحدة. وعندما تحدث بوش لم يترك اي مجال للشك حول ثقته في ان استراتيجيته في العراق، هي الاستراتيجية الوحيدة التي ستؤدي للنصر في العراق. ولهذا قال احد المسؤولين السابقين الذين شاركوا في الاجتماع، انه من الصعب القول ان بوش كان مهتما بالآراء المخالفة التي كان يستمع اليها.

وقال لورانس ايجلبرجر وزير الخارجية في عهد جورج بوش الاب، انه عندما تتحدث الى الرئيس يكون هناك ميلا لان تكون مقيدا في التعبير عن وجهات نظر معارضة. وقال للصحافيين عقب الاجتماع، «كانت هناك بعض الانتقادات، ولكنها كانت اساسا عن عدم تحدثه (بوش) بشكل كاف الى الشعب الاميركي. وكانت انتقادات غير حادة». وأضاف بينما كان يدخن سيجارة امام كاميرات التلفزيون في ممر السيارات امام البيت الابيض «كلنا خارج نطاق اللعبة السياسية على اي حال». وتابع ايجلبرجر ان على بوش ان يعالج مسألة سحب القوات لان الكثير من الاميركيين يريدون ان يعرفوا متى ستنسحب القوات الاميركية ولكن ذلك من شأنه ان يوفر معلومات للعدو. وأضاف «في كل مرة نتحدث فيها عن الانسحاب يمكنكم ان تروا آذان اسامة بن لادن واصدقائه صاغية». اما الكسندر هيج وزير الخارجية في ادارة الرئيس الراحل رونالد ريجان فقال: ان بوش كان على حق عندما ذكر ان الظروف على الارض هي التي ستحدد مسألة سحب القوات. وتابع «اعتقد ان الرئيس اتخذ الموقف الصحيح تماما على عكس ما يراه عدد من السياسيين في واشنطن».

كما حضر الاجتماع وليام بيري وزير الدفاع في ادارة الرئيس السابق بيل كلينتون والذي عمل مستشارا للمرشح الديمقراطي جون كيري المنافس الرئيسي لبوش في انتخابات الرئاسة عام 2004. ومن بين وزراء الخارجية السابقين من الادارتين، الديمقراطية والجمهورية، حضر جيمس بيكر وجورج شولتز. ومن بين وزراء الدفاع السابقين حضر وليام كوهين وفرانك كارلوتشي وجيمس شلسينجر وهارولد براون وميلفين ليرد وروبرت مكنمارا. وقد عمل مكنمارا ، 89 عاما، في عهد الرئيسين جون كنيدي وليندون جونسون. ورغم انه كان من المخططين الرئيسيين للسياسة الاميركية في فيتنام الا انه تبددت اوهامه بشأن الحرب فيما بعد.