شارون أقام علاقات واسعة مع العرب.. لكنه لم يثق يوما بهم

TT

في السنوات الخمس الأخيرة، تمكن أرييل شارون من اقامة علاقات واسعة في العالم العربي، بينها علاقات شخصية أيضا، وقبل هذه الفترة أقام علاقات من نوع آخر غالبيتها سرية، ولكنه اتسم دائما بالعداء وفي أحسن الأحوال بالشكوك. والمعروف عنه انه لم يثق في يوم من الأيام بالعرب. وهو لم يخف هذا الموقف أبدا.

هو يعرف العرب منذ أن فتح عينيه على الدنيا في قرية «ملال»، الواقعة في قلب منطقة عربية في فلسطين في عام 1928. كونه ابنا لعائلة فلاحين، نما وترعرع على الصراع اليهودي ـ العربي حول الأرض. وقد كان اليهود يومها، يسعون لشراء الأرض بالمال، فإذا لم يحصلوا على ما يريدون بالرضا، يحاولون الحصول عليه بالقوة. وقد تجند شارون الى قوات «هاغناه»، وهي الذراع العسكرية الرئيسية للحركة الصهيونية، التي قادت الحرب ضد فرق المقاومة الفلسطينية، وبعض فرق الجيوش العربية التي حاولت نصرة الفلسطينيين ولم تفلح.

عندما بلغ العشرين من العمر، كان قد اكتسب خبرة طويلة في القتال ضد العرب، ونظروا اليه كقائد وخبير. وخاض عدة معارك في عدة مواقع، الى أن وصل الى معركة اللطرون على مشارف القدس، وهي المعركة التي قال انها تركت لديه أبلغ أثر. فقد هزم شارون في هذه المعركة هزيمة مضاعفة: فأولا لم يستطع التقدم نحو هدفه لاحتلال تل اللطرون، بسبب المقاومة العربية الصلبة، وقتل 15 من جنوده وجرح 11 جنديا. وكان ينوي الاستمرار في القتال، لكن جنوده لم يسمحوا له واضطروه الى اصدار الأمر بالانسحاب والتراجع. وخلال الانسحاب أصيب برصاصة في بطنه ونزفت دماؤه لفترة طويلة، وكما روى في عدة مرات، فقد رأى الموت بعينيه وحاول منع جنوده من حمله، باعتبار أن حياته قد انتهت، فأصروا على حمله وبذلك أنقذوه.

لم يصدق شارون ما جرى له في تلك المعركة، ولم يتقبل الخسارة، ولذلك فقد سعى في كل المعارك الأخرى التي خاضها أن يعوض خسارته. في سنة 1951 قام بعدة غارات حربية على غزة، التي أصبحت تحت الحكم المصري. وفي سنة 1953 استدعي لكي يؤلف فرقة كوماندوز خاصة لمكافحة عمليات التسلل التي نفذها فلسطينيون من الضفة الغربية نحو اسرائيل، وهربوا خلالها البضائع للتحايل على الجمرك واستغلها بعض المقاتلين لتنفيذ عمليات مسلحة ضد اسرائيل. وسميت فرقته بـ«الفرقة 101»، ومن أشهر عملياتها الدخول الى قرية قبية الفلسطينية لمطاردة متسللين، وطرد سكانها منها وتنفيذ مذبحة بحق كل من رفض الرحيل، وهدم بيوت القرية فيما بعد. ومعروف دور شارون في الحروب وفي المجازر، وقد أصيب مرتين أخريين بجروح، وكان أول من نفذ سياسة الاغتيالات في غزة سنة 1971. ونفذ الاختراق الكبير للجيش المصري في حرب أكتوبر 1973، التي أصيب خلالها بجراح في رأسه من شظية.

من كل هذه المعارك، خرج شارون أشد كرها للعرب، والأهم من ذلك خرج بالقناعة انه تصرف بشكل صحيح وانه تغلب على العرب، وانه في كل مرة يستطيع التغلب عليهم في التكتيك العسكري وفي التكتيك السياسي. وان القوة، هي اللغة الوحيدة التي يفهمونها. ولم يتردد في التفكير بترحيل الفلسطينيين كسبيل لإنهاء الصراع الاسرائيلي ـ الفلسطيني. فطرح مشروعه لطرد الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة الى الأردن واقامة الدولة الفلسطينية مكان المملكة الأردنية. ولم يؤمن بالسلام مع العرب. وقد كان أحد النواب القلائل في الكنيست الذي صوت ضد اتفاقية السلام بين اسرائيل والأردن في سنة 1994. وبعدما أصبح وزيرا في حكومة نتنياهو، شارك في محادثات واي ريفر، التي انتهت بالاتفاق على الانسحاب من الخليل، ورغم الأجواء الايجابية التي كانت سائدة رفض أن يصافح الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.

هذه هي مفاهيم شارون، ومن خلالها نظر الى العلاقات مع العرب. فالعرب الذين أقام العلاقات معهم، هم الذين اقتنع بأنهم يساعدونه على تنفيذ مخططاته. ففي فترة وجوده قائدا عسكريا احتلاليا حاول تشكيل بدائل عن منظمة التحرير الفلسطينية. واهتم بمجموعات من العرب في اسرائيل (فلسطينيي 48) الذين خدموا في الجيش الاسرائيلي (البدو والدروز). وأقام علاقات وطيدة مع بشير الجميل، زعيم الكتائب في لبنان إبان حرب لبنان. ولكن عندما أصبح شارون رئيسا للحكومة (2001) وفتحت له الأبواب الى قصور الرئاسة في واشنطن ولندن وباريس وغيرها من العواصم المهمة في العالم، أدرك ان عليه ان يقدم طرحا آخر بالنسبة للعلاقات مع العرب أيضا. وحاول في البداية استبعاد الغرب، مؤكدا انه قادر على اقامة علاقات مباشرة مع العرب. وسافر الى عمان ليطمئن الملك بأنه لم يعد يفكر بتحويل الأردن الى دولة فلسطينية، وأقام علاقات جيدة مع كل من الرئيس المصري حسني مبارك ورئيسي الوزراء الفلسطينيين، محمود عباس (أبو مازن)، وأحمد قريع (ابو علاء) وأرسل أحد مساعديه، وهو مجلي وهبي (الذي أصبح عضوا للكنيست، ونائبا لوزير المعارف)، في عدة مهمات الى عدة دول عربية، لا تقيم اسرائيل علاقات دبلوماسية معها مثل قطر والامارات وسلطنة عمان والمغرب وتونس. ولكنه لم ير في هذه العلاقات قناة اتصال أساسية، واختار دائما ادارة العلاقات مع العرب من خلال طرف ثالث. حتى في الصراع مع الفلسطينيين، اختار أن ينفذ انسحابا كبيرا ومهما من قطاع غزة ويزيل مستوطنات، بشكل أحادي الجانب، ومن خلال التفاوض حول التفاصيل مع الإدارة الأميركية، وليس مع السلطة الفلسطينية.