خادم الحرمين الشريفين: حال الأمة سيكون أفضل لو تجلت الوحدة التي يعيشها الحجاج في تصرفات المسلمين اليومية

أقام الحفل السنوي لاستقبال كبار الشخصيات الإسلامية

TT

أكد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أن حال الأمة سيكون أفضل وغير الحال الذي تعيشه في الوقت الحاضر لو تجلت في تصرفات المسلمين اليومية الوحدة التي يعيشها حجاج بيت الله الحرام هذه الأيام في الديار المقدسة بمكة والمشاعر والتي أذابت الفوارق ووحدت الجميع حاكما ومحكوما، غنيا وفقيرا، ضعيفا وقويا، مؤكدا أنها وحدة «تذوب أمامها الاجناس والألوان».

جاء ذلك في الكلمة التي ألقاها أمس في حفل الاستقبال السنوي الذي أقامه للشخصيات الاسلامية ورؤساء بعثات الحج الذين يؤدون فريضة الحج هذا العام، وذلك بقصر منى.

وأضاف الملك عبد الله بأن المساواة التي نادى بها الاسلام، والتي تتجلى سنويا بين الحجاج لو «كانت النهج الدائم في مجتمعاتنا لتخلصنا من أمراض الفقر والقهر والاستبداد»، مؤكدا أن هذه المفاهيم تأتي ضمن أفكار استوحاها بعد رؤيته حشود الحجاج وهي تقف بخشوع في الصعيد الطاهر ملبية نداء الرحمن، ومضيفا القول «لو أن هذا التراحم كان مسلكنا اليومي في التعامل مع أخوة الايمان لما أصبحنا فريسة الفرقة والنزاع والشتات».

وشدد على أن معاني الوحدة والمساواة والشورى والهوية والتراحم التي تتمثل في مبادىء وتعاليم الاسلام السامية والتي تجسدها فريضة الحج كفيلة ببعث القوى الإيمانية الكامنة في الصدور وتحرير الطاقات في النفوس.

وفي ما يلي نص الكلمة:

«بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله القائل في محكم كتابه «واذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق»، (سورة الحج الاية 27) والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد القائل «الحج المبرور ليس له جزاء الا الجنة».

أيها الاخوة والأخوات حجاج بيت الله الحرام، أيها الأخوة والأخوات أبناء الأمة الإسلامية في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، من أطهر بقاع الارض وأقدسها أهنئكم بعيد الأضحى المبارك متمنيا لحجاج بيت الله حجا مبرورا وذنبا مغفورا وعودا حميدا.

أيها الأخوة الكرام: اسمحوا لي أن أشارككم في هذا اليوم المشهود بعض الافكار التي استوحيتها من رؤية الجموع الحاشدة وهي تقف بخشوع في الصعيد الطاهر ملبية نداء الرحمن. إن الفكرة الأولى التي تمر بذهن كل من يرى منظر الحجيج المهيب هي أن الوحدة مفتاح التقدم، لو أن الوحدة التي تتجلى أيام الحج، الوحدة التي تذوب أمامها الاجناس والألوان، تجلت في تصرفات المسلمين اليومية مع بعضهم البعض لكانت حالنا غير هذه الحال.

إخواني والفكرة الثانية تتعلق بالمساواة، إننا نشهد في الحج كيف يقف الجميع أمام الله لا فرق بين حاكم ومحكوم وغني وفقير وضعيف وقوي، لو أن هذه المساواة التي نادى بها الإسلام كانت النهج الدائم في مجتمعاتنا لتخلصنا من أمراض الفقر والقهر والاستبداد.

وتتعلق الفكرة الثالثة بمبدأ الشورى، إننا نرى بأعيننا كيف يتم التواصل في أيام الحج بين المسلمين باختلاف جنسياتهم ومذاهبهم هذا التواصل وما يتبعه من تشاور وحوار يجب أن يكون نهجنا الدائم لا في موسم فحسب بل في كل يوم من أيام السنة.

اخواني.. والفكرة الرابعة تتعلق بالرابطة الإيمانية القوية التي تشد هذه الأمة إلى تاريخها المشرق المضيء من سيدنا ابراهيم عليه السلام إلى خاتم الانبياء والمرسلين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم، هذه الرابطة الايمانية هي الهوية الحقيقية للأمة الاسلامية ولا تستطيع الأمة التخلي عن هويتها إلا إذا تخلت عن ماضيها وحاضرها ومستقبلها.

اخواني: والفكرة الخامسة تتعلق بمبدأ التراحم الذي يتجلى في هذه الايام المباركة حيث نرى الأغنياء ينحرون الضحايا ليطعموا الفقراء ونرى الابن يحمل أمه أو أباه على ظهره، ونرى جو المحبة يلف القلوب والارواح، لو أن هذا التراحم كان مسلكنا اليومي في التعامل مع أخوة الايمان لما أصبحنا فريسة الفرقة والنزاع والشتات.

ان معاني الوحدة والمساواة والشورى والهوية والتراحم التي تتمثل في مبادىء وتعاليم الاسلام السامية والتي تجسدها فريضة الحج، كفيلة ببعث القوى الإيمانية الكامنة في الصدور وتحرير الطاقات في النفوس، فبالعزيمة والإيمان والعمل يمتد أمامنا الطريق الى مستقبل نرجوه لأمتنا، مستقبل المجد والعز والنصر ان شاء الله «وما النصر الا من عند الله ان الله عزيز حكيم» (سورة الانفال الآية 10)، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».

ومن أبرز الشخصيات التي حضرت الحفل، الرئيس السنغالي عبد الله واد، والرئيس الجامبي يحيى جامي، ورئيس جزر القمر الاتحادية العقيد عثمان غزالي، ورئيس الوزراء الجيبوتي دلتا دلتا، ورئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، ونائب الرئيس السوداني علي عثمان محمد طه، ورئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة ونائب الرئيس الغاني غيليو مهاما، ورئيس وزراء ساحل العاج سعيدو ديارا، ورئيس وزراء زنجبار شمس غودا.

وحضر الاستقبال الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد السعودي، والأمير عبد الرحمن بن عبد العزيز نائب وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، والأمير متعب بن عبد العزيز وزير الشؤون البلدية والقروية، والامير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية رئيس لجنة الحج العليا، والأمير ممدوح بن عبد العزيز، والأمير عبد الإله بن عبد العزيز، والأمير عبد المجيد بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة رئيس لجنة الحج المركزية، والأمير مقرن بن عبد العزيز رئيس الاستخبارات العامة، كما حضره الأمراء والعلماء والوزراء وكبار المسؤولين وسفراء الدول العربية والإسلامية.

من جانبه أشار الدكتور فؤاد الفارسي وزير الحج السعودي في كلمته التي ألقاها إلى القمة الاسلامية الاستثنائية التي عقدت أخيرا في رحاب مكة المكرمة استجابة للدعوة التي وجهها خادم الحرمين الشريفين إلى قادة العالم الاسلامي، معيدا إلى الاذهان كلمة الملك عبد الله التي القاها في افتتاح القمة وقال فيها «من هذا المكان أرض النبوة، انطلقت دعوة الاسلام معلنة وحدانية الخالق ومنهية عبودية الانسان للإنسان رافعة مبادىء المساواة والحق والعدل فتمكنت هذه الدعوة من الوصول الى مشارق الارض ومغاربها بتأثير القيم الرفيعة والقدوة الحسنة». وبين ما اشتملت عليه كلمة خادم الحرمين الشريفين من محاور والتي تم ادراجها ضمن وثائق المؤتمر للاسترشاد بها، ومنها قوله «إنني أتطلع الى أمة اسلامية موحدة وحكم يقضي على الظلم والقهر وتنمية مسلمة شاملة تهدف للقضاء على العوز والفقر كما أتطلع الى انتشار الوسطية التي تجسد سماحة الاسلام وأتطلع الى مخترعين وصناعيين مسلمين وتقنية مسلمة متقدمة والى شباب مسلم يعمل لدنياه كما يعمل لاخرته دون افراط او تفريط».

واكد الوزير الفارسي ان الآمال العريضة التي أوجزها خادم الحرمين الشريفين في كلمات قليلة حافلة بالكثير من الاهداف الخيرة لم تكن وليدة الصدفة ولم تأت من فراغ، وإنما تعود لمرتكزات أساسية يقوم عليها نظام الحكم السعودي منذ أكثر من ثلاثمائة عام، ووصف هذا التوجه الطيب بأنه «تجسيد لتوجه مؤسس الدولة السعودية الحديثة الملك عبد العزيز ـ طيب الله ثراه ـ الذي دعا في عام 1343هـ الى عقد أول مؤتمر اسلامي في مكة المكرمة، وذلك بعد أن حقق الأمن والاستقرار في ربوع الوطن وتأمين طرق الحج التي كانت فيما مضى محفوفة بالاخطار المحدقة من كل جانب، وذلك من خلال تطبيق شرع الله نصا وروحا وتحقيق العدل والمساواة وتوسيع دائرة العلم والمعرفة بحقائق الاشياء، مؤكدا أن الحال تبدل إلى غير الحال، فأمن الجميع على النفس والمال والعرض، مواطنين ومقيمين وحجاجا وزائرين وعمارا، مستشهدا بمقولة الملك عبد العزيز «إنني واسرتي وشعبي جند من جنود الله نسعى لخير المسلمين ولتأمين راحة الوافدين لبيت الله الحرام».

فيما ألقى الدكتور عبد الله التركي الأمين العام لرابطة العالم الاسلامي كلمة عبر فيها عن شكر ودعاء حجاج بيت الله الحرام وكل المسلمين لخادم الحرمين الشريفين، على الجهود العظيمة التي بذلت وتبذل في خدمتهم وخدمة دين الله، وقال «ان من أعظم نعم الله على المسلمين قيام المملكة العربية السعودية في هذه البلاد المباركة، وما بذله أئمتها وملوكها في خدمة مقدساتهم وتيسير السبل لقاصديها». وألقى وزير الشؤون الدينية والاوقاف رئيس بعثة الحج الجزائرية الدكتور بوعبد الله غلام كلمة الضيوف، والتي أشاد فيها بجهود خادم الحرمين الشريفين وحكومته في نشر محاسن الاسلام، ووصف المملكة العربية السعودية بأنها المتن القوي الذي يلتئم حوله جموع الامة الاسلامية والعمود الفقري للاسلام باحتضانها بقاع الاسلام المقدسة، مكة المكرمة والمدينة المنورة، حيث يلتقي الحجيج من جميع انحاء المعمورة. وعد الدكتور غلام تشريف خادم الحرمين الشريفين هذه المناسبة واستقباله لوفود الامة الاسلامية «شاهدا على رغبته الصادقة في ان تدرك الأمة الاسلامية اسباب ضعفها ومواطن القوة في شعوبها ومقدراتها واستلهام طرائق العمل من قيم الاسلام ومبادئه، مستمدة قوتها من ايمانها بالله ومتوكلة عليه، لتأخذ طريقها الى الخروج من حالة التفكك والاختلاف الى وضع جديد تنشد فيه الوحدة والائتلاف».

وفي نهاية الحفل صافح خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ضيوفه من الشخصيات الاسلامية ورؤساء بعثات الحج، ثم تناول الجميع طعام الغداء على مائدته.

وفي وقت لاحق غادر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، والأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد السعودي، مشعر منى بمكة المكرمة، وذلك بعد إشرافهما المباشر على ما كل يقدم لحجاج بيت الله الحرام من خدمات وتسهيلات، ليؤدوا مناسكهم بيسر وسهولة وأمان واطمئنان، وتابعا أيضا مراحل الخطة العامة لتنقلات الحجاج في المشاعر المقدسة.

وقد وصل خادم الحرمين الشريفين مساء اليوم إلى الرياض، واستقبله بمطار الملك خالد الدولي، كل من الأمير محمد بن عبد الله بن جلوي، والأمير بدر بن عبد العزيز نائب رئيس الحرس الوطني، والأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض، وعدد من الأمراء والوزراء وكبار المسؤولين من مدنيين وعسكريين.

وكان في استقبال الأمير سلطان بن عبد العزيز عند وصوله الى جدة عصر أمس، كل من الأمير خالد بن سلطان بن عبد العزيز مساعد وزير الدفاع والطيران للشؤون العسكرية، والأمير فهد بن عبد الله بن محمد مساعد وزير الدفاع والطيران لشؤون الطيران المدني، والأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز الأمين العام لمجلس الأمن الوطني، والأمير مشعل بن ماجد بن عبد العزيز محافظ جدة، واللواء عبد العزيز السيف وقائد المنطقة الغربية وعدد من المسؤولين.