ضابط بريطاني كبير خدم في العراق ينتقد بقوة أداء القوات الأميركية

قال في مقالة نشرتها مجلة الجيش الأميركي: إنهم جاهلون ثقافيا وإدارتهم عقيمة وتفاؤلهم غير مبرر

TT

وجه ضابط بريطاني كبير نقدا قويا الى الجيش الأميركي بسبب أدائه في العراق، متهما اياه بالجهل الثقافي وادعاء المعصومية الأخلاقية، وبالإدارة العقيمة والتفاؤل غير المبرر هناك.

ونشرت هذا النقد مجلة «مليتاري ريفيو» التي تصدر عن الجيش الاميركي نفسه. فقد ضم عدد هذا الأسبوع من مجلة الجيش مقالة للبريغادير البريطاني نايجل آيلوين فوستر، الذي كان مساعدا لبرنامج تدريب الجيش العراقي، قال فيها ان الضباط الأميركيين العاملين في العراق اظهروا «انعدام حساسية وصل، على نحو قابل للجدل، الى مستوى العنصرية المنظمة»، وربما يكون هذا ما قد دفع الى اتساع حركة التمرد في العراق.

ويجادل فوستر بأن الجيش الاميركي كان بطيئا في تكييف تكتيكاته، وقد فاقم اسلوب تعامله في المراحل الأولى من الاحتلال «الوضع الذي يواجهه الآن عبر مناهضة اقسام هامة من السكان له».

ويعتبر قرار مجلة الجيش الاميركي نشر المقالة، التي أثارت رد فعل حادا بين الضباط الأميركيين، جزءا من مراجعة ذاتية أوسع ظهرت في اجزاء كثيرة من الجيش عشية نهاية العام الثالث من القتال في العراق.

و«مليتاري ريفيو»، التي تتخذ من هذه قاعدة فورت ليفنوورث مقرا لها سوية مع الكثير من مؤسسات الجيش التعليمية، تساهم بشكل اساسي في هذه المراجعة وأصبحت متنفذة، على نحو متزايد، تحت رئاسة الكولونيل ويليام دارلي لتحريرها. وفي العامين الماضيين نشرت المجلة مقالات تنتقد بحدة عمليات الجيش الأميركي في العراق. وأصبحت مقالة كتبها الميجور جنرال بيتر تشياريلي حول افضل سبيل لمجابهة التمرد ضرورة للقراءة بالنسبة للضباط المنتشرين في العراق، خصوصا منذ ان اختير تشياريلي مؤخرا لكي يصبح الضابط الاميركي رقم 2 هناك.

ولكن ما من مقالة من المقالات السابقة كانت انتقادية للجيش الأميركي على نحو حاد مثل مقالة آيلوين فوستر التي تتميز بأن تقييمها غير مألوف لأنه يأتي من ضابط كبير من البلد الحليف القريب الى الولايات المتحدة في العراق.

ان الجيش الاميركي مليء بأفراد يظهرون مزايا مثل الوطنية والواجب والحماس والموهبة، كما يكتب فوستر الذي تماثل رتبته رتبة جنرال أميركي بنجمة واحدة. ويواصل قائلا «لكن يبدو أنه كانت منزلته ادنى بسبب البيروقراطية والنظرة التراتبية الصارمة والميل للعمليات الهجومية والاحساس بأن الواجب يتطلب مواجهة جميع القضايا على القدمية في المنصب العسكري».

وتعكس تلك المزايا تركيز الجيش التقليدي على الحروب التقليدية بين دولتين وينظر اليها بعض الخبراء باعتبارها اقل ملاءمة لمكافحة التمرد، التي يقولون انها تتطلب الصبر والفهم الثقافي والاستعداد لاستخدام طرق ابداعية غير متوافقة مع الحدس، مثل استخدام العدد الأقل فقط من القوات الضرورية. ويقول فوستر إنه في حملات مكافحة التمرد فان «الحل السريع هو حل خاطئ في الغالب».

وقال انه اكتشف ان الضغط الكثيف للتوافق مع صنع القرار شديد المركزية، أظهر ان عمليات الجيش الاميركي في العراق تمنح العدو وقتا لفهم الخطوات الأميركية والرد عليها. وأضاف ان مزاج استعداد الجيش شجع على «التفاؤل الضار» الذي تدخل في التقييمات الواقعية للوضع في العراق.

ويقول البريغادير آيلوين فوستر في مقالته ان «مثل هذا النظام الأخلاقي غير نافع اذا ما كان يحول دون ان يقدم القادة الأدنى تقاريرهم عن الأنباء غير السارة الى القادة الأعلى». ويضيف ان الاحساس المتفشي بالمعصومية شوه القرارات العسكرية بصورة أكبر، خصوصا في التعامل مع القتال في الفلوجة.

وقال الجنرال ديفيد بتراوس، الذي قاد الكثير من المؤسسات التعليمية في الجيش الاميركي وأشرف ايضا على مجلة «مليتاري ريفيو»، انه لا يتفق مع الكثير من تأكيدات آيلوين فوستر. ولكن بتراوس، الذي كان قائدا لآيلوين فوستر في العراق، قال عن زميله البريطاني «انه ضابط جيد جدا ولهذا فان وجهة نظره تتمتع بأهمية معينة ما دمنا لا نعتقد انها وجهة نظره وحده».

وقد نشرت المقالة باعتبارها وجهة نظر تعبر عن رأي كاتبها. وفي قسمين أحدهما بصيغة مقدمة والآخر بصيغة هوامش، وهو ما يوضح ان الآراء المطروحة فيها لا تعكس آراء الحكومة البريطانية أو الجيش البريطاني أو الجيش الأميركي أو «مليتاري ريفيو».

وقال الكولونيل كيفن بنسون، آمر معهد الدراسات العسكرية المتقدمة في الجيش، مشيرا الى فوستر «أعتقد انه متغطرس بريطاني لا يطاق». وأضاف انه يعتزم الرد عليه بالحجة.

وقال عسكري آخر هو الكولونيل المتقاعد غريغوري فونتينوت، الذي قاد القوات الأميركية في البوسنة عام 1995 «أعتقد انه يبالغ بالقضية». ولكنه اضاف «سواء كان على خطأ أم على صواب فان المهم هو ان الجيش يدرك انه يواجه مشكلة، وهو ما يحدث بالفعل».

وقال آيلوين فوستر، المكلف حاليا بمهمة في البوسنة ، انه سمع رد فعل ايجابيا مبكرا على المقالة. وقال في رسالة بالبريد الإلكتروني أول من أمس ان «البريطانيين يتخذون موقفا ايجابيا، أعني اولئك الذين قرأوها».

اما دارلي، رئيس تحرير مجلة الجيش الاميركي، فيتمسك بموقفه. وقال في الأسبوع الماضي «لدينا ردود أفعال قوية جدا حول سبب تفكيرنا بنشر المقالة». وقال انه فعل ذلك لأنه يريد «أن يحقق النصر في الحرب» في العراق.

* خدمة «واشنطن بوست ـ «خاص بـ«الشرق الأوسط»)