مندوب الجزائر في مجلس الأمن: لا توجد صفقات في تحقيق اغتيال الحريري

السفير بعلي لـ«الشرق الاوسط»: العضو العربي في المجلس عليه أن يجتهد لأنه لا توجد مواقف عربية موحدة

TT

كشف السفير الجزائري عبد الله بعلي، مندوب الجزائر لدى الامم المتحدة، ان غالبية أعضاء مجلس الأمن فوجئت بالتحرك الفرنسي الأميركي المشترك داخل المجلس، إثر قرار تعديل الدستور اللبناني والتمديد لولاية الرئيس أميل لحود في سبتمبر (ايلول) من عام 2004. وقال السفير «لقد فوجئ أغلبية أعضاء المجلس وليس الجزائر وحدها، من التحرك الفرنسي الأميركي المشترك، على اعتبار أن العلاقة بين واشنطن وباريس لم تكن في ذلك المستوى، وكانت تعيش حالة من الفتور بسبب الموقف من الحرب ضد العراق». ويمضي السفير في حديث خاص مع «الشرق الأوسط» قائلا: «لقد فاجأنا هذا التحرك المشترك، ولكن كنا نسمع عن تحرك من هذا النوع، وكنا ننتظره، لما سمعناه من غضب ومن سعي باريس وواشنطن لتوجيه إنذار لسورية، بسبب إصرارها على تعديل الدستور اللبناني لتمديد ولاية الرئيس لحود». والسفير بعلي، الذي كان يتحدث إلى «الشرق الأوسط»، بمناسبة انتهاء عضوية الجزائر في مجلس الأمن وبمناسبة انتهاء خدمته كمندوب دائم لبلاده لدى الأمم المتحدة، يذكر إنه عندما تقدمت فرنسا والولايات المتحدة بطلب لمناقشة الملف اللبناني في سبتمبر (ايلول) عام 2004، كان هناك تردد كبير من قبل أغلبية أعضاء المجلس بما فيها الجزائر. وجادل أعضاء المجلس على أساس أن مسألة تعديل الدستور اللبناني وتمديد رئاسة لحود لثلاث سنوات، هي شأن داخلي بحت، ولا يمكن لمجلس الأمن أن يملي على الحكومة اللبنانية في ألا تعدل دستورها ويقول «إن هذا الأمر من وجهة نظر أغلبية أعضاء المجلس لا يشكل تهديدا للأمن والسلم الدوليين». ويذكر إنه بالرغم من التعديل على نص القرار 1559، غير أنه لم يحصل إلا على تسعة أصوات، ولكنه يستدرك قائلا: «إنه بالرغم من اختلاف الأجندة الأميركية والفرنسية غير أنها في النهاية توحدت في أجندة واحدة، هي التخلص من النفوذ السوري في لبنان وهذا ما حصل». وكانت الجزائر قد دخلت إلى مجلس الأمن كعضو غير دائم في بداية سنة 2004، بعد أن أوشك الملف العراقي على أن يتراجع نسبيا إلى الوراء، وكانت القضية الأكبر على أجندة المجلس، النزاع في دارفور، وقبل نهاية ذلك العام أثير الملف اللبناني ـ السوري. ويعرب السفير الجزائري عن أسفه لعدم وجود موقف عربي موحد من القضايا العربية المطروحة على برنامج مجلس الأمن، ربما باستثناء النزاع العربي – الإسرائيلي. ويصف الملفات الأخرى بالصعبة والمعقدة، وعلى العضو العربي في مجلس الأمن أن يجتهد في التحرك على أساس سياسة دولته التي يمثلها، مع الأخذ في نظر الاعتبار مواقف واهتمامات الدول المعنية. ويتذكر أن موقف الجزائر اختلف بعد اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري وقال: «إن الأمر قد تطور بعد اغتيال الحريري، وقد تغير الموقف داخل المجلس، وأصبح جديا لأن هناك طلبا من الحكومة اللبنانية، بغية التوصل إلى الحقيقة ولمعرفة من كان وراء اغتيال الحريري». وعلى هذا الأساس، كما يفيد عبد الله بعلي، جرى التشاور والتنسيق مع الحكومة اللبنانية حول طبيعة عمل اللجنة الدولية للتحقيق، وتم الاتفاق على الأخذ بنظر الاعتبار احترام السيادة والقوانين اللبنانية، وجرى التأكيد على أن يتم التحقيق ضمن إطار القانون اللبناني، ويقول «إن الأمر كان لبنانيا، وحتى القرار 1595 ليست فيه أية إشارة إلى سورية سوى الطلب من جميع الأطراف والدول التعاون مع اللجنة الدولية للتحقيق، التي أنشأها مجلس الأمن بموجب ذلك القرار».

ويعترف بعلي بأن الأمر قد تغير مع صدور القرار 1636، إثر تقرير ديتليف ميليس الذي طالب باستجواب مسؤولين كبار في النظام السوري، ويقول «إن الأمر قد أصبح يتعلق بسورية مباشرة «ونتيجة لهذه التطورات بلورت الجزائر سياستها إزاء هذا الملف، كما يقول السفير بعلي، على ثلاثة أسس، اولا دعم الحكومة اللبنانية في استكمال سيادتها واستقلالها. ثانيا دعم السلطات اللبنانية من أجل الوصول إلى الحقيقة كاملة حول الجهة التي كانت وراء اغتيال الحريري، وأخيرا عدم معاقبة سورية مسبقا من دون توفر كل الأدلة والبراهين، أو قبل انتهاء تحقيق اللجنة الدولية التي شكلها مجلس الأمن. ولا يعتقد السفير أن هذا الملف في طريقه إلى الإغلاق في الوقت الراهن، واستبعد وجود أية صفقة في الوقت الحالي مع سورية أو لبنان، وقال إن «ما نعرفه هناك إرادة قوية لدى فرنسا والولايات المتحدة من أجل الوصول إلى معرفة الجهة التي كانت وراء اغتيال الحريري». ويشكو السفير الجزائري من انعدام التنسيق العربي إزاء القضايا المطروحة في مجلس الأمن، ويرى «أن العرب اتفقوا مثلا على عدم فرض عقوبات على السودان، في تعاملهم مع قضية دارفور الشائكة والمعقدة». ويضيف «كان الموقف الجزائري في المجلس قد سعى إلى التوفيق بين الموقف العربي والأفريقي ومجلس الأمن لضمان عدم فرض عقوبات على الحكومة السودانية». ويؤكد بإصرار أن الجزائر أثناء عضويتها في مجلس الأمن، رفضت كل الضغوط التي مورست ضدها. ويقول «أنا فخور بأن الجزائر لها سياسة خارجية مستقلة قائمة على مبادئ واضحة، لذلك تعاملت الدول الكبرى باحترام معها، خلال عضوية الجزائر في المجلس». وأضاف «بالتأكيد هناك طرق أخرى للتعامل مع الدول الأخرى في المجلس، لكن الأمر قد اختلف مع الجزائر». وبما أن الجزائر طرف في النزاع حول الصحراء الغربية، لوحظ أن هذا الملف قد سار أثناء عضويتها في مسار واحد من دون أية مبادرات، واكتفى المجلس بإصدار قرارات فنية تجدد فيها بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية. ويكشف السفير الجزائري أن وزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر، عندما استقال من مهمته كمبعوث خاص للأمين العام، يئس من مجلس الأمن، لعدم اعتماده لخطة السلام التي اقترحها، وقال بعلي «إن بيكر كان يعتقد أن الحل الوحيد لضمان تنفيذ خطة السلام، التي جاء بها هو اعتماد قرار تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة». وبعد أن أدرك بيكر معارضة بعض الدول الدائمة العضوية في المجلس لمثل هذا القرار، قرر الاستقالة وقبل دخول الجزائر إلى مجلس الأمن ويقول «هذا ما يفسر جمود ملف الصحراء الغربية في المجلس، انتظارا لموافقة المغرب على خطة التسوية». السفير عبد الله بعلي البالغ من العمر، 51 عاما، مثل الجزائر كمندوب لدى الأمم المتحدة منذ عام 1996 وقبل ذلك كان سفيرا في اندونيسيا وسفيرا معينا في استراليا ونيوزيلندا وبروناي دار السلام. وكان له حضور متميز لدى ممثلي الصحافة العربية والدولية وكان أحد المصادر المهمة لمعرفة ما يجري داخل مجلس الأمن.