ترتيب بيت الحكم في الكويت.. إجراءات متوقعة لحسم الجدل

TT

لم تكد الكويت تشيع أميرها الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح، حتى ثار التساؤل مجددا عن «ترتيب بيت الحكم».

الأسئلة لم تتوقف منذ بدأت الأزمات الصحية تلم بأمير البلاد الشيخ جابر، بولي عهده وابن عمه الشيخ سعد العبد الله. وطالبت الصحافة الكويتية وبعض النواب بمناقشة هذه المسألة علنا باعتبار أن هذا الأمر يخص أفراد الشعب الكويتي كله. والبعض الآخر طالب بأن تصل الأسرة إلى حل داخلي يوفق بين الاتجاهات المتباينة، خصوصا بين الفرعين الرئيسيين في الأسرة: آل السالم وآل الأحمد. وكان أمير البلاد الراحل قد مر بعدة مشكلات صحية، فقد تعرض لنزف في الدماغ في سبتمبر (أيلول) 2001 ونقل للعلاج في بريطانيا حيث أمضى أربعة اشهر. وفي أغسطس (آب) 2005 دخل لمدة عشرة أيام أحد مستشفيات نيويورك لإجراء فحوص طبية. أما ولي العهد الشيخ سعد العبد الله الذي نودي به أميرا للبلاد بعد وفاة الشيخ جابر، فقد كان هو الآخر قد تعرض لمتاعب صحية متعددة. من 1997 حيث أجرى عملية جراحية في القولون، إلى يونيو (حزيران) 2005 حيث ذكرت وكالة الأنباء الكويتية أن الشيخ سعد «أدخل المستشفى لتعرضه لأزمة صحية نتجت عن ارتفاع سكر الدم». إضافة إلى ما جرى بين هاتين اللحظتين.

قبل ذلك، وفي يوليو (تموز) 2004 فوجئ الكويتيون، بشيء غير عادي، حيث تم تبادل برقيات في الصحف المحلية بين أمير الكويت وولي عهده. الأمير كان في رحلة علاج في الولايات المتحدة وسويسرا، وتلقى خلالها برقية من ولي عهده يؤكد فيها التفاف الكويتيين حوله. ورد الشيخ جابر على برقية الشيخ سعد ببرقية تؤكد اعتزازه بمواطنيه. بعد ذلك غادر ولي العهد للعلاج في لندن، ليتلقى برقية من الأمير، ثم يرد ولي العهد عليها، بأخرى تؤكد الالتفاف والمشاعر الوطنية، مع إشارة إلى أن رحلة لندن قد تطول بسبب تفاقم المرض.

الشيخ سعد ضلع أساسي من أضلاع الحكم في الكويت، وقبله الشيخ جابر، وكان الاثنان يشكلان ثنائيا منسجما، في تقاسم مهام الحكم وشؤونه، لكن بعد العودة إلى الوطن إثر التحرير عام 1991 حدثت تطورات جديدة على معادلة الحكم، بعضها أخذ وقتا في النمو حتى السنة الأخيرة. فحتى يوليو 2003، كان الشيخ سعد يحتفظ إضافة إلى منصبه وليا للعهد بمنصب رئيس الحكومة الكويتية. لكن وبسبب ظروف الشيخ سعد الصحية، صدر قرار أمير الكويت، لأول مرة، في تاريخ البلاد السياسي بالفصل بين ولاية العهد ورئاسة الحكومة. ليصبح الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، شقيق الأمير، وزير الخارجية العتيد والسياسي الكويتي الخبير، هو رئيس الحكومة، وولي العهد موجود وقام بتشكيل أول حكومة كويتية مفصولة عن ولاية العهد، في خطوة كانت المعارضة تطالب بها. ثم أصبح بعض «شباب» الأسرة ينادون بها ضمن ترتيبات أخرى لبيت الحكم، وكان الشيخ صباح نفسه يرفضها.

لكن بعض الجهات قالت إن هذا الترتيب لم يتفق مع وجهات نظر اتجاهات أخرى في بيت الحكم، خصوصا من فرع السالم ورمز هذا الفرع الشيخ الكبير سالم العلي رئيس الحرس الوطني. باعتبار أن فرع الأحمد جمع المنصبين: ولاية العهد، وهو المنصب الذي كان شاغله يشكل الحكومات، مع منصب الأمير، وظل هذا الجدل حبيس الهمس، حتى بدأ الكلام يطفو على السطح، ثم خرج الشيخ سالم العلي وأعلن صراحة أن هناك حاجة لترتيب بيت الحكم ودعا في تصريحات لصحيفة «القبس» الكويتية إلى تشكيل لجنة ثلاثية من كبار رجالات الأسرة الحاكمة لمساندة القيادة، تتكون منه ومن الشيخ صباح الأحمد الصباح والشيخ مبارك عبد الله الأحمد الصباح. وقال ايضا: «إن الوضع الحالي خطأ لا يجب السكوت عنه. ومن موقع مسؤوليتي في أسرة الحكم يجب أن أنبه لهذا الخلل الدستوري الخطير الذي يتمثل في عدم اتباع الإجراءات التي حددها الدستور والقانون، فيجب أن تمر التشريعات في القنوات الدستورية السليمة حتى لا يطعن في عدم دستوريتها». لكن الأمير جابر الأحمد سرعان ما جدد ثقته بالشيخ صباح، ثم جرى الحديث عن لقاء مصارحة حدث بين الشيخين صباح الأحمد وسالم العلي، في مزرعة أحد شيوخ الأسرة الشباب في الأسابيع القليلة التي سبقت وفاة الأمير ولم يتم تأكيد ذلك. الآن، وبعد وفاة الأمير، يصبح الحديث أكثر الحاحا، خصوصا ان هناك من سيتحدث عن إمكانية العودة للدمج بين منصبي ولي العهد ورئيس الحكومة، كما يتوقع الكاتب والصحافي الكويتي محمد عبد القادر الجاسم، الذي اشتهر بمقالاته المثيرة عن هذه المسألة، إذ يعتقد أنه في غضون الأيام القليلة المقبلة، فان الأمور تتجه ليكون الشيخ صباح هو ولي العهد ورئيس الوزراء، مع الأخذ في الاعتبار ان أقطاب آل الصباح سيصلون إلى حل توافقي لا محالة، لأن شأن الحكم والحفاظ على ميراث الدولة سيجعلان التوافق هو الحل الوحيد.

من جانبه، يقول محمد جاسم الصقر النائب في البرلمان والسياسي ورجل الأعمال: «اعتقد انه لم يحصل اجتماع حقيقي بين شيوخ الاسرة لحد الآن»، ولكنه اكد ان هذا الاجتماع سيحصل، بعد الانتهاء من أجواء العزاء، مرجحا ان تكون هذه اللحظة هي الفرصة المناسبة لمناقشة ترتيب بيت الحكم داخل الاسرة. ويقول الصقر ان قانون التوارث في الاسرة، حسب الدستور يمنح أمير البلاد، وهو الآن الشيخ سعد، خيارا بتسمية ولي عهد خلال مدة سنة.

يشار الى ان اسرة الصباح تحكم الكويت منذ انشاء الإمارة قبل نحو 250 عاما. وكان نواب كويتيون قد طالبوا خلال جلسة سابقة لمجلس الأمة، بعد احتدام الجدل حول ترتيب بيت الحكم في السنتين الأخيرتين، بـ«تفعيل قانون توارث الإمارة بما يحفظ الكويت والأسرة الحاكمة».