معارك السياسيين ورجال الأعمال في روسيا.. لا تعرف الرحمة

المحاكم والإعلام والبيروقراطية من بين الأسلحة

TT

خرج ثلاثة مهاجمين من المصعد وسط العتمة داخل المبنى الذي يقيم فيه الكسندر أنينكوف ليطرحوه أرضا، وضربه أحدهم بفأس قاطعا فخذه. وأثناء صراخه رفع ذراعه اليمنى ليصد ضربة فأس، مما أدى إلى شبه قطع لها. ويتذكر أنينكوف، 29 سنة، والذي وجد مغشيا عليه من قبل جار له، أن «آخر ضربة كانت مع ذراع الفأس تقع على رأسي. لا أظن أنهم كانوا يريدون قتلي. كان هجومهم مجرد رسالة».

وأكد أن الرسالة موجهة للشركة المختلطة التي يعمل فيها والمعروفة باسم إنتيكو والتي تمتلكها يلينا باتورينا، المرأة المليونيرة الوحيدة في روسيا.

وبعد مضي ساعات قليلة على الهجوم الذي وقع يوم 9 اكتوبر (تشرين الأول) الماضي قامت طائرة حكومية طبية بناء على ترتيب من جانب زوج باتورينا كي تنقل المصاب بجروح خطيرة من المدينة الواقعة بالقرب من الحدود مع أوكرانيا إلى العاصمة موسكو.

وجاء الهجوم في وقت بدأت فيه باتورينا وحلفاؤها السياسيون بالتنافس مع حاكم بلغورود يفجيني ساتشينكو وأنصاره من رجال الأعمال.وكان الأخير قد عارض مساعي باتورينا لتحويل 250 ألف فدان من الأراضي الزراعية، التي تعود إلى الحقبة السوفيتية، إلى مجمع زراعي تجاري. لكنه أنكر عبر شاشة التلفزيون أن يكون قد استعمل العنف ضد موظف يعمل لدى باتورينا.

وفتح هذا الخلاف نافذة على سمة أصبحت ثابتة في الحياة الروسية: وهي المعارك الخطيرة بين عوائل السياسيين وأبرز رجال الأعمال. فالانتخابات والمحاكم والبيروقراطية وأخبار الإعلام أصبحت أسلحة في هذه الصراعات المريرة. وما زالت جهود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الهادفة إلى مركز السلطة، وضمنها قراره بإلغاء انتخابات الحكام المحليين وتعيينهم بدلا من ذلك من الكرملين، لم تعط بعد أكلها من حيث إيقاف أولئك المتصارعين على العقارات والسلطة. إذ يبقى الحكم العشوائي والفساد والعنف أشبه بالأوبئة في النزاعات بين الجانبين.

وفي مدينة بلغورود، ظل طرفا النزاع يتقاتلان حتى النهاية. والكثير من الفلاحين كانوا يأملون أن تجلب شركة أنتيكو معها وظائف ورفاهية للمنطقة التي تبعد مسافة 400 ميل عن موسكو. بدلا من ذلك فإن القرارات القضائية التي صدرت نتيجة للنزاع جمدت تشغيل آلاف الأفدنة من زراعتها بينما راح اللصوص ومشعلو الحرائق بتدمير مباني الحقول الزراعية.

ففي بلد ما زال فيه حكم القانون هشا بعد 15 سنة على سقوط الشيوعية يقول مديرو الشركة التنفيذيون إن القيام بأي عمل تجاري في روسيا يتضمن الفساد والقسر الرسمي. ويضع معهد كاتو الاقتصادي الذي يقوم بتقييم شروط «البزنز» على المستوى العالمي من حيث درجة حماية الملكية وتأثير الدولة على القرارات القضائية وغيرها، قد وضع روسيا في الموقع 115 في العالم.

فمع تجميد عشرات الملايين من الدولارات المخصصة للاستثمار التمس المتصارعون في النزاع الواقع في بلغورود من بوتين كي يتدخل، لكنه لا يمتلك أي حافز قوي يدفعه للقيام بذلك، إذ أن حاكم بلغورود سافتشينكو والعميد لزخوف هما عضوان في حزب روسيا المتحدة المناصر لبوتين.

لقد تم تعيين سافتشينكو حاكما لبلغورود من قبل الرئيس السابق بوريس يلتسين في عام 1993 ثم تم انتخابه في عام 1995، وهو مشهور بسياساته المتشددة بما يخص الشباب. فهناك منع تجول مفروض عند الساعة العاشرة على كل شخص يقل سنه عن الثامنة عشرة، واستخدام اللغة البذيئة ممنوع وتم تحديد عدد الراقصين في كل ياردة مربعة بحيث لا يتجاوز الاثنين.

وقد تحدث فيكتور باتورين أخو باتورينا ومدير شركة أنتيكو الزراعية العام عن القدرات المتوفرة في الأراضي الزراعية المهملة في منطقة بلغورود، وقال «هناك توازن هارموني وحيد بين نوعية التربة وعدد الأيام المشمسة وكمية المطر».

وكانت الشركة قد بدأت في شراء الأرض من المزارعين الذين امتلكوها من خلال الخصخصة التي جرت للمزارع الجماعية أثناء الفترة السوفيتية. وأضاف في مقابلة جرت معه في مكاتب انتيكو بموسكو «قبلنا كانت السلطات المحلية تشتري الأرض مقابل لا شيء، مقابل زجاجة فودكا. وشاهد الفلاحون أننا كنا ندفع نقودا حقيقية» تصل على 60 دولارا للفدان الواحد. ومنذ فترة طويلة أصبح لدى شركة أنتيكو 100 ألف فدان.

وبدأت الشركة بتوظيف الأموال على الحقول الزراعية، والأكثر حداثة كانت الحاصدات المتعددة الخدمات التي تم شراؤها من الولايات المتحدة مع جرارات من ألمانيا ومكائن حلب من إيطاليا وآلاف الأبقار الحلوبة من هولندا والدنمارك وتم إنتاج الحبوب في مختبرات الشركة مع مديرين زراعيين يرتدون المعاطف البيضاء ويشرفون عليها. وفي الحظائر التي تم بناؤها حديثا وطليت باللون الأزرق يمكن سماع موسيقى البوب الروسية لتشجيع الأبقار على إعطاء حليب أكثر. وقال سيرجي كوزلوف، 42 سنة والذي يعمل في ألبان شركة أنتيكو الزراعية: «لقد جربنا الموسيقى الكلاسيكية مع الأبقار لكننا حصلنا على حليب أكثر حينما كانت الموسيقى تعزف بشكل حي».

ووضعت الشركة الحد الأدنى لرواتب العاملين عندها بـ 400 دولار، وهذا يعتبر أجرا عاليا في منطقة بلغورود. وقال فلاديمير أورتشينيكوف، 42 سنة، «الناس المعتادون على العمل في المزارع الجماعية مثلي أصبحوا أناسا مختلفين. أصبحنا أكثر انتظاما، لكننا نعامل دائما بشكل جيد ونحصل على أجور محترمة».

لكن المسؤولين المحليين يقولون إنهم بدأوا ينظرون إلى السلبيات في الصناعة الزراعية. وقال زعماء المناطق الست من محافظة بلغورود في رسالة بعثوها إلى البرلمان الروسي في أغسطس «هناك آلاف الناس الذين تم تسريحهم من وظائفهم وهم لا يمتلكون أي وسيلة لإعالة أنفسهم. وهذا يؤول إلى توتر اجتماعي».

وقال الزعماء ان «المرء يتولد لديه انطباع انه بمساعدة خطط شراء الأرض هذه فان الشركة تغسل اموالا ليست ذات اصول قانونية تماما». وأدت الرسالة بشتاينبيرغ، قبل شهر من مصرعه، الى رفع قضية تشويه سمعة ضد الزعماء.

وكان المحفز الآخر على انهيار العلاقات نزاع ملكية يخص استثمارا ثانيا بملايين الدولارات في المنطقة. فعائلة رئيس الوزراء السابق فكتور تشيرنومردين، وهو الآن سفير روسيا لدى أوكرانيا، استولت على منجم للتعدين في بلغورود يجاور أرض انتيكو أغرو، وقامت بتجديده. ومن أجل تسويق انتاجه كان المنجم بحاجة الى سكة حديد بطول 16 مترا لربطه بخط السكة الرئيسي. ويلتقي الطريق الطبيعي بقطعة أرض تعود ملكيتها الى أنتيكو أغرو. وغير حاكم المنطقة شريطا من الأرض كخط سكة على يمين الطريق وبدأ العمل.

ورفعت أنتيكو قضية لإيقاف البناء ولكنها خسرتها في محاكم بيلغورود، وفقا لما قالته يكاترينا دومبروفسكايا، محامية أنتيكو أغرو. وأخذت الشركة القضية بالتالي الى محاكم موسكو، حيث كسبتها.

وفي رسالة الى بوتين قالت تعاونية العمال في المنجم ان أنتيكو «نقلت» القضية الى موسكو وأن «تدخلك فقط يمكن أن يوقف انتهاك القانون ويعيد العدالة الى مجراها».

وبينما اشتد النزاع حول خط السكة أواخر العام الحالي اوقف المسؤولون المحليون تسجيل عمليات شراء الأرض الجديدة، مجادلين بأن الشركة انتهكت القوانين التي تستدعي من اعضاء مزرعة جماعية أخرى ان يتمتعوا بحقوق الرفض الأول عندما تطرح الأرض للبيع.

واتهم تحقيق أجراه البرلمان المحلي، الذي يهيمن عليه أنصار سافتشينكو، أنتيكو أغرو باستخدام موارد باتورينا الهائلة للاستيلاء على الأرض بطريقة غير مشروعة.

وردت انتيكو أغرو ان عمليات شرائها قانونية بالكامل، مشيرة الى ان الشركة كانت قد حصلت على بعض الحصص كمنح، وبالتالي كسبت الوضع القانوني لعضو المزرعة الجماعية في شراء الحصص الأخرى.

وعاد المسؤولون الى المحاكم لتحدي كل عمليات الشراء التي قامت بها أنتيكو. وفي عشرات القضايا حكمت المحاكم المحلية بأن أنتيكو اغرو استولت بطريقة غير قانونية على المزارع الجماعية، وأن ما يقرب من 150 ألف أكر هي الآن في موضع اهمال قانوني. وقد توقفت الزراعة وفي بعض الأماكن أحرقت ونهبت بعض ممتلكات أنتيكو أغرو.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)