الوكالة الأميركية للتنمية ترسم صورة تنذر بالشؤم للأمن في العراق

TT

ترسم الوكالة الأميركية للتنمية الدولية صورة تفصيلية منذرة بشؤم للوضع الأمني في العراق في طلبها من المتعاقدين تقديم عروض على مشروعها الذي يستمر 28 شهرا وتبلغ قيمته 1.32 مليار دولار، للمساعدة في تحقيق الاستقرار في 10 مدن عراقية كبيرة. ويصور برنامج الوكالة الذي تضم ورقتان خطوطه الرئيسية المعلنة مطلع هذا الشهر، التطوير بين عامي 2006 و2008 لشراكات في مدن تضم ما يزيد على نصف سكان العراق. وتشمل هذه المدن بغداد والبصرة والموصل وكركوك والنجف. وسيحاول المشروع، الذي يتوفر له حتى الآن 30 مليون دولار من الأموال المقترحة، تقليص العنف عبر توفير فرص عمل وتجديد البنية التحتية والتخفيف من النزاعات الإثنية والدينية.

ومن أجل اعداد مقدمي العروض المحتملين للمهمة، ارفقت الوكالة ملحقا مع طلب التعاقد يصف العراق بأنه يواجه تمردا «تشتمل أساليبه على خلق الفوضى في المجتمع العراقي ككل وإثارة الحرب الأهلية». ويقول الملحق ان الكثير من الهجمات موجهة الى قوات التحالف وقوات الأمن العراقية، وهي «تلحق ضررا كبيرا بالبنية التحتية للبلاد، وتسبب تزايدا في النتائج الاجتماعية والاقتصادية السلبية التي تنتشر في العراق». وعلى الرغم من أن الرئيس الاميركي جورج بوش وكبار مسؤولي ادارته يميلون الى رؤية العدو ممثلا أساسا في الموالين لصدام حسين والارهابيين الأجانب، فان محللي الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، يؤكدون ايضا على «النزاع الداخلي» الذي يشتمل على العنف «الديني ـ الطائفي والاثني والعشائري والإجرامي والسياسي».

ويعود تاريخ العنف المتقابل بين السنة والشيعة الى عدة قرون خلت. واليوم يجري استغلال الخلافات من الطرفين، حيث التفجيرات السنية للمواقع الشيعية سوية مع أعمال الخطف والقتل تقابلها أعمال انتقام وقتل من جانب الشيعة ضد السنة.

وتلاحظ الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ايضا أعمال المتطرفين الدينيين ضد العلمانيين. وتصف الورقة كيف انه في جنوب العراق الذي يهيمن عليه الشيعة يجري تقليص الحريات الاجتماعية على نحو دراماتيكي عبر تهديدات شرطة الآداب المعينين من قبل الأحزاب والهيئات الدينية. ففي المدن يفرض الحجاب على النساء ويقتل الحلاقون الذين يحلقون شعر اللحية وتفجر نوادي ومحلات المشروبات الروحية.

وتصف ورقة الوكالة بعض النتائج التي كانت في السابق تظهر فقط في التقارير والايجازات السرية. وعلى سبيل المثال تشير الورقة الى ان مقاتلين وجماعات أجنبية مثل القاعدة «يتزايد عددهم وعنادهم كأشخاص فاعلين»، وان معظم المفجرين الانتحاريين يأتون من دول اخرى. وقد أدى انهيار المجتمع العراقي و«غياب سيطرة الدولة وقوات الشرطة الفاعلة الى حرية حركة ونشاط العناصر الاجرامية في المجتمع العراقي»، وفقا لما ورد في الورقة التي تضيف ان المجرمين العراقيين في بعض الحالات «اصطفوا مع الجماعات والأطراف المقاتلة من أجل تحقيق أهدافهم. وبغداد مقسمة الى مناطق تسيطر عليها جماعات الجريمة المنظمة».

ويطرح تحليل الوكالة أيضا احتمالات أن تلجأ احزاب سياسية الى النزاع المسلح في ما بينها، كما فعل الحزبان الكرديان الرئيسيان أواسط التسعينات. وتحذر الورقة من أنه «بينما تستعيد الأحزاب السياسية أهميتها في الديمقراطية الناشئة، هناك خطر متزايد من أنها يمكن ان تتحول الى جماعات متنازعة».

وقال بول بيلار، ضابط الاستخبارات القومية السابق المسؤول عن الشرق الأوسط في وكالة المخابرات المركزية والأستاذ الزائر الحالي في جامعة جورج تاون، ان التحليل يعكس «واقع ان العنف في العراق معقد ومتعدد الوجوه».

وقال بيلار، ان احدى نقاط ضعف الورقة تتمثل في تقليلها من شأن «الاستياء من الاحتلال الأجنبي»، وأضاف ان هناك «قوميين» عراقيين خارج اطار السنة الذين يرفضون القوات الأميركية والقوات الأجنبية الأخرى. وقال «هناك اساس حيوي لبعض حجج من يؤيدون الانسحاب»، مشيرا الى تصريحات النائب الديمقراطي جون مورثا.

وفي مؤتمر صحافي عقد الجمعة الماضي، اعطى الجنرال جون فاينز، قائد قوات التحالف في العراق الذي سيتقاعد قريبا، تقييما متباينا لتقديرات الوكالة الأميركية للتنمية الدولية. فقد قال ان التمرد ينفذ أساسا بيد جماعات عراقية مختلفة، بعضها يشعر بأنه تضرر في ظل النظام الجديد، والبعض الآخر يعارض وجود التحالف. وقال ان «بعض العراقيين ينظرون الى وجود التحالف كمبرر لممارسة العنف ضدهم. وذلك امر لا جدال فيه»، ولكنه لم يشخص حجم تلك الجماعة. وأضاف انه يتوقع أن يواصل «الجهاديون» السعي الى فرض آرائهم على اولئك الذين يعتقدون، مثل القوميين السنة، انهم «غير ممثلين على نحو كاف» في الحكومة الجديدة. وعلى خلاف تحليل الوكالة قال فاينز «ان جماعة أبو مصعب الزرقاوي قد تكون في «وضع مرتبك»، وان هناك مؤشرات على أن الكثير من الأحداث التي نشهدها ليست مرتبطة بتنظيم القاعدة في العراق». وقال ان بعضها ينفذ من جانب عناصر النظام السابق، ولكن «في بعض الحالات ترتبط بأشخاص ينفذون اعمال العنف مقابل المال».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)