تدور مشاورات مكثفة، وعلى مدار الساعة في الكويت، بين أفراد الأسرة الحاكمة وفي البرلمان حول قضية القسم الدستوري الذي يفترض أن يؤديه الأمير الجديد للكويت، الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح.
وكان انتقال السلطة من الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد إلى ولي عهده الشيخ سعد العبد الله، قد تم في اليوم الأول لوفاة الأمير اعمالا لدستور الكويت وقانون توارث الإمارة الذي ينص على أنه إذا خلا منصب الأمير، تنتقل السلطة مباشرة إلى ولي عهده.
لكن المشكلة التي تحاول كافة الأطراف المعنية مواجهتها هي تلك المتعلقة بالمادة الثالثة من قانون توارث الإمارة والتي تنص انه «يشترط لممارسة الأمير صلاحياته الدستورية ألا يفقد شرطا من الشروط التي يجب توافرها في ولي العهد، فإن فقد احد هذه الشروط أو فقد القدرة الصحية على ممارسة صلاحياته، فعلى مجلس الوزراء بعد التثبت من ذلك عرض الأمر على مجلس الأمة في الحال للنظر فيه خلال جلسة سرية فإذا ثبت للمجلس بصورة قاطعة فقدان الشرط يقرر المجلس بأغلبية ثلثي الأعضاء انتقال ممارسة صلاحيات الأمير إلى ولي العهد بصفة مؤقتة وانتقال رئاسة الدولة إليه نهائيا».
وفي الوضع الحالي للكويت، فإن هناك أميرا تم توليه المنصب اعمالا لأحكام الدستور، وليس هناك ولي عهد في هذه الحالة. كما أن المشكلة الثانية هي قضية أداء الأمير الجديد للقسم الدستوري أمام البرلمان وارتباطها بالحالة الصحية له. وهناك ضغط في الوقت، اذ أن الاثنين المقبل هو اليوم الثامن لوفاة الأمير الراحل، وقانون توارث الإمارة ينص على أن الأمير الجديد يجب أن يؤدي اليمين الدستورية خلال ثمانية أيام.
أمام هذا الوضع دعا رئيس مجلس الأمة، جاسم الخرافي، أعضاء مجلس الأمة إلى اجتماع تشاوري غير رسمي، وانتهى بوجهتي نظر، تعود احداها للرئيس الخرافي نفسه الذي أعلن بشكل صريح ضرورة الالتزام بأداء الأمير الجديد للقسم، كما أن عددا من الخبراء الدستوريين رجحوا هذا الرأي والذي تمركز حول نقاط أبرزها «يجب أن يكون القسم بصوت مسموع لأنه لا يوجد قسم مكتوم، ويكون القسم مباشرا بمعنى يجب أن يؤديه الشخص نفسه ولا يمكن لهذا الشخص أن يسر بالقسم إلى شخص بجانبه يؤديه عنه، ويضيف الخبراء: وتأدية القسم علنية يطلع عليها الناس جميعا ولا يجوز أن يتولى حاكم شؤون إدارة بلاده سرا».
وقد بدأت مشاورات مكثفة بين أفراد الأسرة الحاكمة مع الانتهاء أمس من اليوم الثالث لتقبل العزاء، ومن المنتظر أن يجتمع عدد من كبار أفراد الأسرة الحاكمة للتشاور في كيفية الخروج من هذا الوضع. وعلمت «الشرق الأوسط» أن لقاءات عديدة عقدت للتشاور في هذه المسألة، فالرئيس الخرافي نقل لرئيس الوزراء الشيخ صباح الأحمد فحوى ما دار في اجتماع النواب، واجتمع رئيس مجلس الأمة بالشيخ سالم العلي الصباح بحضور عدد من الشيوخ منهم الشيخ محمد الخالد وزير الداخلية الأسبق ـ والشيخ سعود الناصر وزير النفط الأسبق ـ وعدد آخر من الشيوخ المقربين من الشيخ سالم العلي. ومن جهة أخرى، قال دبلوماسي غربي لوكالة الصحافة الفرنسية «انها اشارة ايجابية للغاية، للاسلوب الذي تتعامل به الكويت تجاه مستقبلها. كان انتقالا سلسا وسريعا جدا للسلطة».
وتقضي التقاليد بأن تنتقل القيادة في البلاد بالتناوب بين فرعين رئيسين لأسرة الصباح.
وقال شفيق غبرة، رئيس الجامعة الأميركية بالكويت: «الكويت لديها تقليد يتمثل في التمسك بالنظام الدستوري ومكنها ذلك من تحقيق الانتقال السلس للسلطة».
وقال محللون ومسؤولون انه لن يكون هناك تغيير في السياسة النفطية الكويتية أو تحالفات الكويت مع الغرب. وذكر المحلل شملان العيسى ان وفاة الامير لن تغير السياسة الخارجية الكويتية خاصة تحالفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة. وأضاف ان هناك اتفاقا على ذلك بين الاسرة الحاكمة والبرلمان والمؤسسات الاخرى. وتابع أن علاقات الكويت بأسواق النفط العالمية ستبقى كما هي نظرا لأنها تمثل حجر الزاوية في السياسة الكويتية.
ويحظى الشيخ صباح في السياسة الكويتية بالاحترام لتنفيذه اصلاحات اقتصادية وسياسية مهمة منذ توليه رئاسة الوزراء في يوليو (تموز) عام 2003، شملت منح المرأة حق التصويت في الانتخابات وتحرير الاقتصاد. لكنه يواجه الان التحديات الكبيرة المتمثلة في هزيمة مقاتلي تنظيم «القاعدة» الذين هددوا بزعزعة استقرار الكويت في عامي 2004 و2005 وفتح قطاع النفط أمام الاستثمار الاجنبي. واعترض العديد من أعضاء البرلمان على مشروع الكويت، وهو خطة تبلغ قيمتها 8.5 مليار دولار تشمل شركات متعددة الجنسيات لتحديث أربعة حقول شمالية كبيرة للمساعدة في زيادة الطاقة الانتاجية، قائلين انه لا يوفر ضمانات لحماية الثروة النفطية.
ومن المقرر أن يعقد البرلمان جلسة خاصة في 23 يناير (كانون الثاني) الجاري لبحث المشروع الذي تجري مناقشته منذ التسعينات.
وأصبح الشيخ سعد الحاكم رقم 14 من أسرة الصباح التي تحكم البلاد منذ نحو 250 عاما.
ويعطيه الدستور مهلة تصل الى عام كامل لتعيين ولي عهد جديد، لكن لا يكاد يكون هناك شك في أن الاختيار سيقع على الشيخ صباح.
وقال دبلوماسي: «هو الذي يتولى شؤون البلاد.. وهو صاحب أطول خبرة سياسية». وتعيين الشيخ صباح وليا للعهد سيبقي كذلك على تقليد تناوب السلطة بين فرعي العائلة. فالامير الراحل والشيخ صباح من فرع الجابر الذي يتولي العديد من المناصب الوزارية. والشيخ سعد من فرع السالم، ومنه فقط وزير الخارجية.
وقال دبلوماسي غربي آخر: «قد تحدث بعض عمليات التصحيح في المناصب العليا، اذ يتعين أن يكون لفرع السالم نصيب أكبر من المناصب الرسمية، لكنني لا أتوقع أي تغيير كبير في السياسات، سواء الخارجية أو الداخلية، خاصة سياسة الطاقة».