جيش الاحتلال يحذر من إقامة «دولة إرهاب» للمستوطنين في الخليل بعد أن تم الاعتداء بالضرب على ضباطه

إغلاق المقطع المحتل من المدينة في وجه المتمردين اليهود تمهيدا لاخلائهم من منطقة السوق

TT

أعلن الجيش الاسرائيلي، الأحياء التي ما زال يحتلها في مدينة الخليل العربية في جنوب الضفة الغربية، منطقة عسكرية واغلقها في وجه المستوطنين المتمردين عليه، ابتداء من صباح أمس، وذلك لكي يتمكن من تنفيذ قرار محكمة العدل العليا في القدس بإخلاء السوق من المستوطنين الذين استوطنوا فيه بالقوة. وإزاء المقاومة الشرسة التي أبداها المستوطنون والاعتداءات التي نفذوها ضد الجنود والضباط، حذر مصدر عسكري كبير من تحويل هذه المنطقة من الخليل إلى «دولة ارهاب يهودية، ينطلقون منها لتنفيذ أعمال ارهاب خطيرة ضد الفلسطينيين من شأنها أن تجر اسرائيل إلى كارثة قومية». وقال المصدر ان المستوطنين في المنطقة ومعهم أعداد كبيرة من المستوطنين في مناطق متعددة من الضفة الغربية لا يعترفون بدولة اسرائيل وقوانينها ولا يترددون في القيام بأي نشاط عدواني على جيشها وشرطتها ويعلنون صراحة انهم ينوون اقامة دولة خاصة بهم ينطلقون منها الى ممارسة الاعتداءات الدامية على الفلسطينيين وعلى كل من يعترض طريقهم فيها.

يذكر ان هذه الفئة من المستوطنين هم بالأساس من اليهود القادمين من الولايات المتحدة الأميركية وبعض القادمين من روسيا. وقد استوطنوا في قلب مدينة الخليل في مطلع التسعينات. وفي حينه تساهلت معهم الحكومات الاسرائيلية (حكومة اسحق شامير في البداية ثم سائر الحكومات الأخرى). وفي شهر رمضان المبارك من سنة 1994، أقدم أحدهم وهو الطبيب باروخ غولدشتاين على ارتكاب مجزرة بحق الفلسطينيين، إذ دخل إلى الحرم الابراهيمي في البدة القديمة، خلال صلاة الفجر وراح يطلق الرصاص بشكل جنوني على المصلين. فقتل منهم على الفور 29 مصليا واصاب العشرات بجراح، لكنه لم يخرج حيا. واثارت جريمته سخط الفلسطينيين، فهبوا في مظاهرة احتجاج تحركت باتجاه بيوت المستوطنين. فاعترضت طريقهم قوات الاحتلال وأكملت المجزرة بقتل عشرين متظاهرا منهم وجرح عشرات آخرين.

وبدلا من أن تنتهز حكومة اسحق رابين الفرصة لاخلاء المستوطنين من البيوت والحوانيت الفلسطينية التي احتلوها، فرضت حظرت التجول على الفلسطينيين في الخليل وأغلقت عشرات الحوانيت والبيوت الفلسطينية في السوق الشعبي وطردت سكانها وأصحابها وفرضت حراسة مشددة تمنع الفلسطينيين من العودة اليها. وفي مفاوضات واي ريفر في الولايات المتحدة، اشترط رئيس الحكومة الاسرائيلية، بنيامين نتنياهو الاحتفاظ بهذه المنطقة من الخليل، وتشكل 15% من مساحة المدينة، مقابل الانسحاب من بقية أحياء المدينة. وشيئا فشيئا استغل المستوطنون اليهود هذا الوضع وراحوا يحتلون هذه العقارات تحت بصر وسمع جنود الاحتلال وفي كثير من الأحيان بتشجيع منهم. ومع انفجار انتفاضة الاقصى في سنة 2000، اتسع هذا الاستيطان ليشمل كل الحي. ثم استغلوا قيام مسلح فلسطيني بقتل طفلة يهودية، ليعلنوا عن الحي مستوطنة أطلقوا عليها اسم «شلهيفت» اسم الطفلة القتيلة. وراحوا يعتدون على الفلسطينيين في الحي بشكل منظم وسط استخدام أساليب بطش دامية. وكما قال أحد ضحايا الاعتداءات، نضال العيووي، فإنهم داهموا بيته ثلاث مرات، في احداها دخلوا اليه عبر موقع عسكري تابع للجيش الاسرائيلي، وحطموا كل ما تناولته أيديهم من أثاث واوان زجاجية وكبلوه هو وزوجته وراحوا يعتدون على أطفاله. وبعد الاعتداء، حضرت قوة من الجيش وأكملت الاعتداء عليهم من جديد. وقبل سنتين، تقدم أصحاب المحلات الفلسطينيون بواسطة عدد من منظمات حقوق الانسان الاسرائيلية، إلى محكمة العدل العليا الاسرائيلية بدعوى لإخلاء هذا الحي من المستوطنين واعادته الى اصحابه الفلسطينيين. وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، اوقفت المحكمة بحث القضية بعد أن تعهد وزير الدفاع شاؤول موفاز، بان يخلي المكان من المستوطنين، على أن يقسم الحي الى ثلاثة أقسام: الأول يعاد إلى الفلسطينيين كونهم يملكون فيه مستندات تدل على ملكيتهم له، وقسم يحتفظ فيه الجيش الى حين البت بملكيته. فما هو ثابت انه ملك لليهود منذ عام 1929، يسلم لليهود، وما هو ثابت انه ملك للعرب يسلم للعرب، والبقية تبقى بأيدي الجيش أمانة حتى يبت بمصيره. وقد قبلت المحكمة بهذا الموقف وحددت موعدين دقيقين لتنفيذه، هما: 15 يناير (كانون الثاني) الجاري كحد أقصى لرحيل المستوطنين عن منطقة السوق بارادتهم، فإن لم يرحلوا، يتم اخلاؤهم بالقوة في موعد أقصاه 15 فبراير (شباط) المقبل. وبدأ الجيش اجراءات الاخلاء بواسطة تسليم المستوطنين نسخة من أمر المحكمة، لكنهم رفضوا تسلمه وراحوا يعتدون على الجنود بالضرب (قائد قوات الجيش في الخليل أصيب بإحدى عينيه) ويطلقون الشتائم والاتهامات، مثل: «أنتم نازيون ولستم يهودا» و«بسبب صلواتنا دخل شارون الى المستشفى وستلحقون به أجمعين» و«أولمرت على طريق النازي شارون» و«حكومة اسرائيل دمية تابعة للولايات المتحدة» وغيرها. وفي الأسبوع الأخير انضم الى هؤلاء المستوطنين حوالي أربعمائة مستعمر من مستعمرات المنطقة ومن المستعمرات القائمة في منطقة نابلس، بهدف مقاومة الاخلاء بالقوة. وبدت مقاومتهم شديدة وعنيفة بشكل خاص، لدرجة جعلت أحد قادة القوات العسكرية الاسرائيلية يقول: «انهم أشد بأسا وقوة وتنظيما من تنظيمات الارهاب الفلسطينية المنظمة».