أكد مسؤول بريطاني كبير ان احالة ملف ايران النووي لمجلس الأمن الدولي، لن يؤدي تلقائيا لفرض عقوبات اقتصادية عليها. وفيما رأى مسؤولون بريطانيون رفضوا الكشف عن هويتهم ان العرض الايراني باستئناف المفاوضات مع الاوروبيين «لا معنى له»، طالما ظلت طهران مصرة على استئناف التخصيب، قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ان فرض عقوبات على ايران ليس أفضل السبل لاقناعها بالاستجابة للقلق الدولي بشأن برنامجها النووي، موضحا ان العقوبات التي فرضت على نظام الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين لم تنجح على مدار سنوات في تغيير سلوك النظام العراقي. وجاءت تصريحاته فيما توجه وفد اسرائيلي الى موسكو لاقناعها بالتشدد ازاء طهران، وسط مؤشرات متزايدة على ان الدول الاوروبية تريد توحيد الموقف الدولي من المسألة النووية الايرانية. وقال المسؤول البريطاني للصحافيين أمس طالبا عدم نشر اسمه حول احالة ملف طهران لمجلس الأمن، «لا نرى أن هذا يؤدي مباشرة الى العقوبات»، وأضاف «نريد أن نحشد ضغطا تدريجيا ومستمرا. لن نذهب الى نيويورك لفرض عقوبات اقتصادية تأديبية». وتابع أن روسيا والصين عضوي مجلس الأمن اللذين يتمتعان بحق النقض (الفيتو) لم تقررا بعد ما اذا كانتا ستؤيدان اقتراحا باحالة ملف ايران للمجلس. لكنه توقع أن يؤيد مجلس الوكالة الدولية للطاقة الذرية قرار الاحالة بأغلبية الاصوات ولكن ليس بالإجماع. ورفض المسؤول البريطاني تقارير عن أن ايران دعت بريطانيا وفرنسا والمانيا لاستئناف المحادثات وأضاف أن الثلاثي الاوروبي الغى اجتماعا مع مسؤولين ايرانيين كان مقررا غدا (اليوم). وتابع «هذا لا مغزى له لان الايرانيين هم من خلق الوضع الذي يجعل اجراء المحادثات أمرا مستحيلا». الى ذلك، قال متحدث باسم توني بلير رئيس الوزراء البريطاني للصحافيين امس ان لندن تفضل تسوية دبلوماسية للازمة. وتابع «النتيجة المثلى من وجهة نظرنا هي الحل الدبلوماسي. وهذا يعني ان تلتزم ايران بما تعهدت به دوليا. هذا هو المحك. اذا ارادت ايران ان تأتي بحل يفي بذلك فهذا شيء طيب وحسن». وفي موسكو، قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ان فرض عقوبات على ايران ليس أفضل السبل لاقناعها بالاستجابة للقلق الدولي بشأن برنامجها النووي. وقال لافروف للصحافيين ردا على سؤال حول ان العقوبات على ايران بمثابة وضع العربة أمام الحصان، قائلا ان «العقوبات ليست الافضل بأية حال وليست السبيل الوحيد لحل المشكلة»، موضحا ان فرض عقوبات على مدى أعوام طويلة على العراق لم ينجح في تغيير سلوك رئيسه المخلوع صدام حسين. واقترحت موسكو حلا وسطا يقضي بأن ترسل ايران اليورانيوم لروسيا لتخصيبه هناك مما يحد من مخاوف استخدام الوقود النووي في انتاج سلاح. وقال لافروف للصحافيين «العرض مازال قائما». كما رأت بكين امس ان الحل التفاوضي مع ايران ما زال ممكنا لتسوية قضية ملفها النووي. ودعت بكين ايران والغرب لاحياء المفاوضات الخاصة بالبرنامج النووي لطهران لكنها تفادت الرد على اسئلة مباشرة عن كيفية تعاملها مع التحركات الساعية الى احالة الازمة الى مجلس الأمن التابع للامم المتحدة. وقال كونج كوان المتحدث باسم الخارجية الصينية للصحافيين في بكين في بيان صحافي «الحكومة الصينية تؤمن ان حل المسألة النووية الايرانية سلميا من خلال المفاوضات الدبلوماسية هو خيار جيد في الظروف الراهنة وفي مصلحة كل الاطراف». وقال المتحدث باسم الخارجية الصينية كونغ كوان «علينا التأكيد ان جميع المشاركين في اللقاء اعربوا عن قلقهم بشأن استئناف تشغيل» المنشآت المرتبطة بتخصيب اليورانيوم. وأضاف ان «جميع الاطراف ترى انه على ايران الاستمرار في تعليق انشطتها الحساسة والعودة الى المفاوضات الدبلوماسية وكل الاطراف اعربت خلال اللقاء عن عزمها على مواصلة الجهود للتوصل الى حل تفاوضي وبالطرق الدبلوماسية». ودعا طهران مجددا الى استئناف المفاوضات مع الاوروبيين. وتابع «نعتقد انه بفضل الجهود المشتركة لكل الاطراف المعنية يمكننا العودة الى المفاوضات والى طريق حل سلمي، ونأمل في ذلك».
وكان وانج جوانجيا سفير الصين لدى الامم المتحدة اكثر وضوحا في نيويورك يوم الجمعة حين قال ان احالة طهران الى مجلس الأمن «قد يعقد القضية». والصين عضو دائم في مجلس الأمن يحق لها استخدام حق النقض (الفيتو) ضد أي اقتراح مثلها مثل الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا.
الى ذلك، اوفدت اسرائيل موسكو بأمر من رئيس الوزراء بالوكالة ايهود اولمرت وفدا الى موسكو في محاولة لاقناع روسيا بتشديد اللهجة ازاء ايران التي تواصل تطوير برنامجها النووي. ويضم الوفد الاسرائيلي مستشار الأمن القومي الجنرال الاحتياطي غيورا ايلاند ورئيس لجنة الطاقة الذرية جدعون فرانك وخبراء آخرين، بحسب ما اوضح مسؤول كبير في رئاسة الحكومة لوكالة الصحافة الفرنسية. وقال المسؤول الذي رفض الكشف عن هويته «هذه الزيارة قررها قبل شهرين رئيس الوزراء ارييل شارون وتهدف الى تبادل وجهات النظر والمعلومات حول مدى تقدم البرنامج النووي الايراني». وأضاف ان «زيارة العمل» هذه تقررت بعد زيارة قام بها الى واشنطن منذ شهرين الوزير دون حقيبة تساحي هانغبي الذي كلف تحريك الحوار الاستراتيجي بين اسرائيل والولايات المتحدة.
وتابع «بعد هذه المحادثات وبالتنسيق مع الاميركيين، تقرر تحريك الاتصالات مع روسيا حول ايران». وأشار الى ان «روسيا تلعب دورا اساسيا في هذا الملف بما انها تواصل بناء مفاعل نووي في ايران وتتعاون مع هذا البلد لتطوير صواريخ بعيدة المدى وتمده بأسلحة تقليدية». وأكد المسؤول من جهة ثانية ان اسرائيل تؤيد فرض مجلس الأمن الدولي عقوبات اقتصادية على ايران.
ويرى افرائيم كام من معهد الدراسات الاستراتيجية جافي في جامعة تل ابيب ان هدف الوفد هو اقناع موسكو بـ«تبني المواقف الصادرة عن الاميركيين والاوروبيين وهي اكثر تشددا». وقال الباحث الاسرائيلي «يبدو ان موسكو لم تعد تعارض مبدأ العقوبات التي يمكن ان يتخذها مجلس الأمن الدولي ضد ايران. ولكن كل المسألة تكمن في معرفة ما ستكون عليه طبيعة هذه التدابير: هل سيتعلق الامر بعقوبات اقتصادية متشددة او عقوبات رمزية فقط».
كما تحدث عن جدل قائم في اسرائيل حول احتمال اللجوء الى الخيار العسكري. وقال «في الوقت الحالي، الرأي المهيمن بين الخبراء والمسؤولين الرسميين يعتبر ان هجوما اسرائيليا على ايران سيطرح مشاكل». وأضاف «ان ايران بعيدة اكثر من العراق، والايرانيون نشروا منشآتهم النووية في مناطق مختلفة، ولا يزال مكان وجود جزء من منشآتهم سريا. وبالتالي اذا دمرنا بعض مواقعهم، يمكن للايرانيين ان يستأنفوا برنامجهم النووي في مكان آخر». وكان كام يشير الى اقدام الطيران الاسرائيلي في 1981 على تدمير مفاعل تموز النووي العراقي قرب بغداد.
وفي طهران، دعت ايران الاوروبيين الى استئناف المفاوضات حول برنامجها النووي في 18 يناير (كانون الثاني)، بحسب ما اعلن مسؤول ايراني كبير في فيينا في اتصال معه امس، في وقت يطالب الاتحاد الاوروبي باحالة الملف الايراني الى مجلس الأمن الدولي. وقال المسؤول الذي رفض الكشف عن هويته ان «ايران مستعدة لاستئناف المفاوضات وتدعو الاوروبيين الى استئنافها في 18 الشهر الجاري»، مشيرا الى ان هذا الموقف الايراني ورد في رسالة موجهة الى الترويكا الاوروبية (المانيا فرنسا وبريطانيا)، من دون ان يكشف تاريخ الرسالة.
الي ذلك، صرح السفير الايراني لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية ان ايران ستعلق تعاونها الطوعي مع الوكالة اذا ما احالت ملفها النووي الى مجلس الأمن الدولي. ونقلت وكالة الانباء الايرانية الرسمية عن السفير علي اصغر سلطانية قوله «كما قلت اخيرا، اذا خرج الملف النووي الايراني عن نطاق الوكالة الدولية للطاقة الذرية ليحال الى مجلس الأمن (...)، فان الحكومة ستتوقف عن تعاونها الطوعي وكذلك في موضوع تطبيق البروتوكول الاضافي» لمعاهدة حظر الانتشار النووي. واوضح ان خطوة كهذه يمكن ان تتخذ «وفقا للقانون الذي صوت عليه البرلمان»، موضحا ان «هذه الرسالة واضحة جدا ومباشرة جدا وعلى امانة (الوكالة الدولية للطاقة الذرية) وأعضاء الوكالة ان يفهموها».