نديم الجابري: الدكتاتور رحل مع صدام لكن الدكتاتورية باقية في العراق

زعيم حزب الفضيلة المرشح لرئاسة الحكومة الجديدة لـ«الشرق الأوسط»: لا بد من تحرير الإدارة المدنية من السيطرة السياسية والاستحقاقات الانتخابية

TT

برز الدكتور نديم عيسى الجابري، الامين العام لحزب الفضيلة الاسلامي في العراق، كإحدى الشخصيات المرشحة بقوة لرئاسة الحكومة الجديدة بعد تأكيده عدة مرات انه يصر على الترشح على رغم وجود مرشحين آخرين من قادة «الائتلاف العراقي الموحد» هما رئيس الحكومة الحالي ابراهيم الجعفري الذي يقود حزب الدعوة وعادل عبد المهدي نائب رئيس الجمهورية والقيادي في «المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق»، اقوى الاحزاب الشيعية.

ويقول اعضاء المكتب السياسي لحزب الفضيلة ان زعيمهم يحظى بتأييد كبير داخل «الائتلاف»، مشيرين الى ان حزب الفضيلة هو احد فروع التيار الصدري «ولا توجد عليه خطوط حمراء من أي من اطراف الائتلاف». اما خارج الائتلاف فان الجابري، حسب تأكيداتهم، تدعمه جبهة التوافق العراقية (السنية)، وانه ـ حسب ما يفيدون ـ يعد الخيار الثاني لقائمة التحالف الكردستاني، وان القائمة العراقية الوطنية (بقيادة اياد علاوي) تفضله على المرشحين الآخرين. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» قال الجابري «ننطلق في برنامجنا السياسي لإدارة الحكومة بتصحيح مسار العملية السياسية والأداء السياسي للحكومة الذي سجلت عليه بعض الملاحظات، حيث انه تم بعقلية المعارضة لا بعقلية الحكومة، وعقلية المعارضة تكون حذرة وتشكيكية بينما عقلية الحكومة تكون احتوائية، ولا بد ان يتم الحكم طبقا لعقلية الحكومة حتى نستطيع ان نحتوي كل مكونات الشعب العراقي».

وشدد الجابري على «ضرورة التخلص من العقلية الاستبدادية والتحول الى العملية الديمقراطية»، وأضاف «ان الذي حصل بعد 9 نيسان (ابريل) 2003 في تقديرنا هو سقوط الدكتاتور وبقاء الدكتاتورية المتمثلة في الفكر والسلوك السياسي، لأن العقلية التي اسقطت الدكتاتور ربما تأثرت بشكل او بآخر بذات العقلية، لذلك استذكر دائما طروحات الشهيد محمد باقر الصدر الذي يفرق بين نوعين من الثوريين، الاول يثور من اجل تغيير مواقع الاستغلال، وبدلا من ان يكون مظلوما يصبح ظالما، وهذا مطب خطير، والثاني يستهدف إلغاء ظاهرة الاستغلال ذاته، وهذه هي الثورة الاسلامية الحقة، لذلك سنعمل على إلغاء ظاهرة الاستغلال وليس تبادل مواقع الاستغلال بحيث سننصر اي مظلوم في المرحلة الحالية مهما كان انتماؤه السياسي او الاجتماعي، ويجب ان نتخلص من عقلية الاستبداد ونتبنى العقلية الديمقراطية».

وأشار الجابري الى «تدخل السياسة والاستحقاقات الانتخابية في الادارة المدنية (للدولة) واصبح كل من يأتي يغير الكادر برمته وكأنه أتى من بلاد اخرى». واضاف «هذا نفسه حصل في المؤسسات الأمنية بحيث فقدت حياديتها ومهنيتها لتصبح ممالك لمن يشغلها». واكد «نعتقد ان هذه الطريقة في الادارة والحكم ستحرم الدولة من تراكم الخبرات البشرية، وعلى هذا الاساس سنتبنى سياسة مفادها تحرير الادارة المدنية من السيطرة السياسية والاستحقاقات الانتخابية، اذ ان ما ينظم الادارة المدنية هو القانون وتقاليد العمل». واعتبر الامين العام لحزب الفضيلة، ان ادارة الحكم في الفترة الماضية «اتسمت بالفئوية والحزبية الضيقة ولم تفسح المجال للآخرين، وأتصور ان هذا المسار السياسي يشكل خطرا كبيرا على الديمقراطية في العراق، وربما يخلق وضعا ارتداديا رافضا للديمقراطية وداعيا الى تبني الدكتاتورية كحل لحالة الفوضى السائدة في البلاد، ومن هنا تأتي اهمية تصحيح المسار السياسي لأن بدونه لا يمكن ان تتحقق خطوات ناجحة، وان يجري الانتقال الى معالجة الملف الأمني، وبدون حل مشكلاته فان الحديث عن برنامج حكومي يصبح غير مجد». وأضاف «لا بد من تشخيص الحالة الأمنية في العراق بشكل صحيح، ونحن نعتقد انها مشكلة سياسية وليست عسكرية، وبالتالي حلها لا بد ان يكون سياسيا، وضمن هذا السياق نحتاج الى مبادرة سياسية تتحرك باتجاهين، الاول داخليا في معرفة عقلية الآخر وقدراته وطروحاته لكي نحسن التعامل معه ونعالج حالاته، والثاني خارجي باتجاه دول الاقليم بان نحمل رسائل تطمين من اجل ان تحكم الحدود وتغلق تماما بوجه المتسللين، كما ان المبادرة السياسية تحتاج الى اجراءات اقتصادية لأن جزءا كبيرا من اسباب الجريمة المنظمة يعود الى عوامل اقتصادية. كما يجب تخليص المواطن من الازمات المتمثلة بشح النفط والكهرباء من اجل خلق حاجز بين الشعب ومرتكبي الاعمال الارهابية، مع التركيز على خطة اعلامية تسير باتجاهين، اتجاه يبرر اجراءات السلطة ويضفي المشروعية عليها والأخر يبين الفظائع غير الانسانية لكي يخلق وعيا شعبيا رافضا للارهاب».

واعتبر الجابري ان «المقاومة حق للشعوب كافة كما نص عليها ميثاق الامم المتحدة، وتختلف مستوياتها بين المسلحة والسلمية، وهي تجربة لمعظم شعوب الارض، وبالتالي اغلب الكيانات السياسية في حالة مقاومة»، وشدد على ان «الارهاب لا يعد مقاومة».

وفيما يتعلق بالعلاقة بين الدين والدولة قال الجابري ان تجربة كتابة الدستور اظهرت وجود «اتجاهين في الربط او الدمج التام ما بين الدين والدولة او الفصل التام بينهما، والظروف التي يمر بها العراق لا تجعل ايا من الاتجاهين عمليا، لذلك وضعنا حلا وسطا بين الاثنين، ووفقنا الى حد ما في ذلك، وبما ان الدستور كتب بطريقة توافقية فان الكل لديه ملاحظات ويطمح الى التعديل، لكن على ان لا يتم التعديل على حساب افراغه من محتواه الحقيقي، ولدينا أجندة لبعض القرارات التي تصب في صالح تعزيز الدستور وليس إضعافه». وبخصوص الفيدرالية قال الجابري «انها أقرت في الدستور، وبالتالي لا اجتهاد في موضع النص، وهنالك آلية الاستفتاء الشعبي لإقامة اي اقليم، ونحن سنحترم خيار الشعب ولا نقف ضد اي استفتاء ناجح، وبالتالي القرار عائد للسكان». وانتقد الجابري قانون مكافحة الارهاب، وقال انه «تعوزه الدقة في الصياغة والمفاهيم، وقد انسحبنا من قاعة الجمعية الوطنية عند التصويت عليه، وفيه ثغرة تتبنى المفهوم الغربي للارهاب، باعتبارها ان استخدام العنف او التلميح له يعد إرهابا، والدول الاوروبية أرادت تمرير ذلك من خلال الأمم المتحدة، والعمل الارهابي يجب ان يقترن بالعنف، اما التلويح اذا عد ارهابا فان القرآن سيدخل في عداد الكتب الارهابية، والإعداد تلويح، لكن لا ينطوي على عمل ارهابي وإنما يعني الردع، وهي نظرية معروفة في العلاقات الدولية، اما الارهاب فيقترن بالعنف الفعلي، كما ان المأخذ الآخر في تحديد انواع الاسلحة، وربما تبرز أسلحة غير مصنفة ضمن هذا القانون».

وعن ترشيحه لرئاسة الحكومة قال «لم يجر حوار جدي داخل الائتلاف حول هذا الموضوع، وتوجد اتصالات ثنائية، وكل مرشح له مقبولية لدى بعض القوى السياسية، لكن الصورة غير واضحة، خصوصا وإننا نتوقع ان تحدث تطورات في الايام القادمة وعلى الاغلب ستكون لصالحنا، أما خارج الائتلاف فهنالك قسم من الاطراف المحسوبة على الوسط السني اعلنت التأييد لترشيحنا، ومن لم يعلن لا يعارض، وكذلك القائمة العراقية، رغم ان رئيسها خارج العراق، لكن هنالك مؤشرات غير رسمية من المرجح ان تكون لصالحنا، وهم لديهم اجندة معينة، أما التحالف الكردستاني فهم لا توجد لديهم اعتراضات على ترشيحنا، لذلك نعتقد ان الامر لو عرض على مجلس النواب الجديد ستكون كفتنا هي الراجحة»، وتوقع ان يستغرق تشكيل الحكومة القادمة شهرين او ثلاثة اشهر.

* الجابري - من مواليد بغداد 1959 - حاصل على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية - استاذ في جامعة بغداد لمدة 20 عاما - أشرف على اكثر من 20 رسالة وأطروحة دكتوراه - ألف عدة كتب بينها: الفكر السياسي لثورة العشرين، الأصولية اليهودية، النظام السياسي الاسرائيلي، المرجعية الدينية العليا في إسرائيل، جدلية الارهاب بين الطروحات الغربية والإسلامية، نظام الحكم المناسب في العراق، اشكالية المقاومة والاحتلال، ملاحظات جوهرية حول قانون ادارة الدولة. ونشر العديد من البحوث في الدوريات.