مواجهة الاحتلال .. بالضحك

كوميديان من عرب 48 يعالجان النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي في إطار ثقافة شعبية

TT

من الصعب المزاح حول موضوع النزاع الاسرائيلي الفلسطيني وتداعياته اليومية من تفجيرات واغتيالات، إلا ان كوميديين عربيين من مواطني اسرائيل تمكنا من تحويل امر غير هزلي الى كوميدي، وكشفا ـ عبر السخرية ـ عن الشعور بخيبة الامل بين عرب اسرائيل. وتترك تعليقات ايمن نحاس وحنا شماس، المرحة، احساسا بالمرارة حتى بالنسبة للعرب الذين يمثلون اغلبية مستمعيهم.

فعلى سبيل المثال هناك مسرحية هزلية قصيرة يعلِّمُ فيها فلسطيني، تأخر في نقطة تفتيش، جنديا اسرائيلياً كيف يسيء معاملته. فيقول شماس الذي يمثل دور الفلسطيني وهو يعترض على معاملة نحاس الذي يمثل دور الجندي، الذي يطلب منه التقاط بطاقة الهوية من الارض: «لا تقل رجاء. يجب ان تضربني بكعب البندقية، ثلاث مرات على كتفي الايسر».

وعند نهاية العرض الهزلي القصير، يبدل الممثلان دوريهما، فيقلد شماس ضابط الجيش الاسرائيلي ويأمر نحاس بالابتعاد ثم يقول له: «توقف وإلا سأطلق عليك النار».

كذلك، هناك عرض هزلي قصير حول اغاني الاجازات التي تتردد على انغام الاغنية الانجليزية JINGLE BELLS. ويسخر العرض من عرب اسرائيل بخصوص التظاهر بالاهتمام بالفلسطينيين بينما يعيشون حياة ذاتية.

ويدعو نحاس الجميع للمشاركة في الغناء ويغني هو وشماس قائلين:

يا شهيد يا شهيد يا شهيد ارتاح احنا احنا احنا حنكمل كفاح نطلع مظاهرات ومنرفع شعارات ومنرجع نقعد في القواهي منقعد في البارات ومنعمل استقبال لأحلى احتلال والحالة عال العال ما دامو كلشي بعيد يا شهيد يا شهيد يا شهيد ارتاح احنا احنا احنا حنكمل كفاح عفنجان الهافوخ ع وطنا المسلوخ مندافع عن اراضينا ومنسطل ومندوخ بيجي شارون ناويل جايب لالنا الويل جايب دبابة وصواريخ تيفجرنا من جديد يا شهيد يا شهيد يا شهيد ارتاح احنا احنا احنا حنكمل كفاح منصرخ احنا هون قدام التلفزيون راح نربح المليون هادا اشي اكيد راح نضلنا ساكتين نبعت سكر وطحين ونقول اللي علينا حررنا فلسطين يا شهيد يا شهيد يا شهيد ارتاح احنا احنا احنا حنكمل كفاح (الاغنية على لحن ليلة عيد( ويقدم الشابان هذه العروض الهزلية بالعربية، الا عندما يتحدثان باللهجة العامية العبرية التي يستخدمها العرب في اسرائيل. وهناك مجموعات صغيرة من اليهود يشاهدون اعمالهم.

وقال نحاس، الذي تدرب كممثل ويدرس التمثيل للاطفال: «علينا ان نضحك، مثلما علينا ان نأكل. القضايا (التي نعالجها) هي ما يتحدث عنه الجميع وما نشاهده حولنا، مثل القتل وغيره. اذن لماذا لا نعرض مزحة عن ذلك؟».

وتجدر الاشارة الى ان مثل هذه السخرية السوداء نادرة في منطقة الشرق الاوسط، وظهورها بين عرب اسرائيل هو الاكثر دهشة. وبالرغم من ان العرب يمثلون 20 في المائة من سكان اسرائيل، فقد كان وجودهم تقليدياً غير مرئي. لكن الجيل الجديد حطم مثل هذه الصورة، طبقا لما ذكره مراقبون عرب واسرائيليون.

وقد ظهرت اهم الادلة على ذلك في اكتوبر (تشرين الاول) 2000، عندما احتج مئات من العرب الاسرائيليين على مقتل الفلسطينيين في بداية الانتفاضة. وقلد الشابان نظراءهما الفلسطينيين، واقاما حواجز طرق والقيا الحجارة. واستخدمت الشرطة الاسرائيلية الذخيرة الحية وقتلت 13 شابا. وذكر تحقيق للحكومة الاسرائيلية ان الشرطة استخدمت القوة المفرطة وان الحكومة عاملت العرب، في اراضيها، لفترة طويلة «بتفرقة وإهمال». وفي السنوات الاخيرة، احتج الشبان البدو في جنوب اسرائيل على مصادرة مراعيهم التقليدية، فردت الحكومة الاسرائيلية بتدمير حقول القمح التي يزرعها البدو على تلك الاراضي المتنازع عليها.

ونصف سكان اسرائيل من البدو يعيشون في قرى كانت موجودة قبل انشاء اسرائيل في عام 1948، لكن السلطات الاسرائيلية لا تعترف بهم رسمياً، ولا يحصلون على مياه صالحة للشرب او كهرباء من الحكومة.

ويشير مراقبون الى ان مشاعر الانتماء بين عرب اسرائيل تنكمش تجاه اسرائيل وتزداد تجاه الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة. وقال اسحاق ريتر في بحث قدمه عام 2003 عندما كان عضواً بمعهد الشرق الاوسط في واشنطن «ان التفرقة ضد العرب واستبعادهم من الوظائف العامة المهمة اديا بأكثر من مليون عربي في اسرائيل الى تأكيد هويتهم الفلسطينية والتعبير عن تضامنهم مع النضال الفلسطيني والنظر الى اعمال العنف ضد اسرائيل باعتبارها مقاومة مشروعة».

ويرفض كل من نحاس وشماس الوصف التقليدي بعرب اسرائيل. وقال نحاس: «نحن فلسطينيون نحمل جوازات سفر اسرائيلية. هذه هي الطريقة التي نقدم بها انفسنا للعالم». وتحديد الهوية لهذين الشابين يتم عبر الاتصال الافتراضي. فنحاس كان يزور، في بعض الاحيان، بيت لحم لتعليم الاطفال التمثيل، لكنه لم يسافر الى نابلس ولا الى قطاع غزة او أي مركز لتجمع السكان الفلسطينيين. وبدلا من ذلك يعتمد هو وشماس على الانترنت والهواتف الجوالة للاتصال بالفلسطينيين الموجودين على بعد كيلومترات قليلة عبر الطريق. وقال نحاس:«اتذكر الانتفاضة الاولى (التي اندلعت اواخر الثمانينات) ومرت بنا بدون ان نعرف عنها أي شيء حقاً. الآن بإمكاننا ان نطلع على كل شيء من غرف نومنا».

وقد التقى الاثنان قبل اربع سنوات في مهرجان للمسرح ووجدا ان اسلوب نحاس الحماسي وشخصية شماس المحافظة يمكن ان تثيرا الضحك. وبعض عروضهم الهزلية تثير الصدمة بسبب اسلوبهما الذي يكسر الكثير من الحواجز (التابوهات) في مجتمع محافظ. كما انهما يستخدمان كثيراً اللهجة المحلية.

ويقدم نحاس وشماس عروضهما في مسارح مزدحمة في الحي القديم في حيفا والمدن العربية الصغيرة. ولهما ايضاً برنامج اسبوعي في محطة الاذاعة العربية في اسرائيل.

ويضع اسلوبهما الساخر النزاع العربي الاسرائيلي في اطار الثقافة الشعبية. فهما يقدمان المعارك بين الاسرائيليين والفلسطينيين كمباراة في كرة القدم، حيث يجري استخدام الكليشيهات التقليدية في كرة القدم الى احداث قتل الاطفال. وفي عرض هزلي آخر، يحولان برنامجاً موسيقياً الى برنامج يطلق عليه اسم «الموسيقى والموت» حيث يصوت الفلسطينيون على اكثر العمليات الانتحارية شعبية. وفي عرض ثالث يطلب الفلسطينيون انواعا متعددة من التعذيب من النادل الاسرائيلي:«الصدمة الكهربائية طازجة اليوم». كما يسخران من «المرجلة» العربية، وذلك عبر برنامج للطهي يعلم الازواج الذين تركتهم زوجاتهم كيفية اشعال فرن الغاز. وقال شماس ان جيل والديه ابتعد عن السياسة. واضاف قائلاً: «لقد عاش الجيل (السابق) بكامله في خوف. والداي كانا يقولان لي: لا تدخل في ذلك. كانت عبارة الفلسطيني امرأً لا يمكننا قوله حتى همسا. اما الآن فقد اصبحت عبارة بسيطة». اما نحاس فيقول: «نحن على ثقة كافية بالقول الى من ننتمي. بالطبع والدتي لا تزال تحذرني من الشرطة السرية». ثم يتابع: «ولم الخوف؟ في السجن سيكون لدي على الأقل مستمعون من السجناء».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»