السعودية وباكستان توقعان 5 اتفاقيات تشمل التعاون السياسي والعلمي والتقني

خادم الحرمين: علاقاتنا تجاوزت الصداقة إلى التحالف > مشرف : زيارتكم الأخيرة للهند ستساعد عملية السلام في كشمير

TT

اتفقت السعودية وباكستان امس على توسيع وتعزيز علاقاتهما الاقتصادية والتجارية وتنظيم مشاوراتهما تجاه القضايا السياسية والأمنية في المنطقة. وأجرى الجانبان محادثات موسعة حول كافة القضايا ذات الصلة بالعلاقات السعودية الباكستانية في مختلف المجالات، فضلا عن القضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك، بما في ذلك عملية السلام بين كل من الهند وباكستان والوضع في افغانستان والقضايا ذات الصلة بنشاط ايران النووي والوضع في العراق وتعزيز عمل منظمة المؤتمر الاسلامي وقضايا اخرى. وكان خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، والرئيس الباكستاني برويز مشرف استكملا في جلسة مباحثات أخرى عقدت بقصر رئيس الوزراء شوكت عزيز بالعاصمة اسلام أباد أمس، ما تمت مناقشته في جلسة سابقة عقدت مساء أول من أمس بالقصر الجمهوري، والتي تم فيها بحث مجمل المستجدات على الساحتين الإسلامية والدولية وفي مقدمتها تطورات القضية الفلسطينية والوضع في العراق إضافة إلى آفاق التعاون بين البلدين وسبل دعمها وتعزيزها في جميع المجالات بما يخدم مصالحهما المشتركة. وحضر المباحثات من الجانب السعودي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية، ومن الجانب الباكستاني بالإضافة إلى رئيس الوزراء، وزير الخارجية خورشيد محمود قصوري.

وتوجت مباحثات الجانبين أمس بالتوقيع على خمس اتفاقيات سياسية واقتصادية وفنية علمية، حيث وقع الأمير سعود الفيصل ونظيره الباكستاني على مذكرة تفاهم بشأن المشاورات السياسية الثنائية بين وزارتي خارجية البلدين، فيما وقع الدكتور غازي القصيبي وزير العمل، ووزير التعليم الباكستاني جاويد أشرف برنامج تعاون فني في مجال التعليم الفني والتدريب المهني بين المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني في المملكة ووزارة التعليم الباكستانية، كما وقع الدكتور إبراهيم العساف وزير المالية، ومستشار رئيس الوزراء سلمان شاه اتفاقية تفادي الازدواج الضريبي، بينما قام إياد مدني وزير الثقافة والإعلام، ووزير التعليم الباكستاني بالتوقيع على اتفاقية برنامج علمي وتعليمي للأعوام من 2006 إلى 2010 بين وزارة التعليم العالي السعودية ووزارة التعليم الباكستانية، كذلك وقع كل من الدكتور صالح العذل رئيس مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية في المملكة والوزير الفيدرالي للعلوم والتقنية شودري نوريز شكور خان، على اتفاقية للتعاون العلمي والتقني بين حكومتي البلدين.

وفي لمسة إنسانية سبقت حفل الغداء التكريمي الذي أقامه رئيس الحكومة الباكستانية لضيف البلاد الكبير والوفد المرافق، التقى خادم الحرمين الشريفين وبحضور القيادة الباكستانية عددا من الأطفال الذين فقدوا والديهم خلال الزلزال الذي ضرب باكستان أخيرا، حيث قدم الملك عبد الله لهم المواساة، وتحادث معهم في لمسة أبوية حانية، داعياً الله تعالى أن يتغمد والديهم بالرحمة ويسكنهم فسيح جناته وأن يأخذ بيد الأطفال ويوفقهم لما فيه خير الدنيا والآخرة. من ناحية أخرى وجريا على العادة المتبعة في حال زيارة زعيم دولة لباكستان، قام خادم الحرمين الشريفين أمس بزراعة شجرة في حديقة شكرباريا بإسلام أباد بحضور الرئيس برويز مشرف.

وأكد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز على عمق العلاقات السعودية الباكستانية والتي وصفها بأنها «تجاوزت مرحلة الصداقة إلى مرحلة التحالف في السراء والضراء»، وقال «وما الزيارة التي نقوم بها اليوم سوى تعبير رمزي عن متانة هذه العلاقة وقوتها».

وقد جاء ذلك في الكلمة التي ألقاها مساء أول من أمس بعد أن قلده الرئيس الباكستاني برويز مشرف وسام «رمز باكستان» والذي يعد أعلى وسام في البلاد، وأوضح الملك عبد الله في كلمته أنه أعرب للمسؤولين الهنود إبان زيارته للهند عن الامل بنجاح المباحثات بين الهند وباكستان حول المشاكل العالقة بينهما بغية الوصول إلى الحلول المنشودة، وثمن للرئيس مشرف موقف بلاده من قضية فلسطين، والذي نعته بـ«التاريخي المشرف»، مشيرا إلى أن هذا الموقف «مصدر اعتزاز لكل العرب والمسلمين»، وفي ما يلي نص الكلمة:

«بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وآله وصحبه، فخامة الأخ العزيز الرئيس برويز مشرف، أيها الأصدقاء: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أود أن أشكر فخامتكم على مشاعركم النبيلة نحو وطني ونحوي، وأن أؤكد أنني أبادلكم هذه المشاعر الأخوية، وأن الشعب السعودي يعتز بعلاقته التاريخية الوثيقة مع الشعب الباكستاني الشقيق، كما أود أن أعرب لفخامتكم ولأعضاء حكومتكم الموقرة عن خالص الامتنان والتقدير لما لمسناه من حفاوة بالغة وضيافة أصيلة منذ وصولنا إلى بلدكم المضياف.

فخامة الرئيس، أيها الأصدقاء: إن العلاقة بين باكستان والمملكة تجاوزت مرحلة الصداقة إلى مرحلة التحالف في السراء والضراء، وما الزيارة التي نقوم بها اليوم سوى تعبير رمزي عن متانة هذه العلاقة وقوتها. إن روابط الأخوة الإسلامية هي الأساس الصلب لهذه العلاقة بالإضافة إلى التعاون الاقتصادي والاستثماري والثقافي الذي نأمل أن تسهم هذه الزيارة في ترسيخه، إننا نشهد بإعجاب ما حققته باكستان من منجزات علمية واقتصادية ونتطلع إلى شراكة حقيقية يستفيد منها الشعبان، وأحب في هذا الصدد أن أشيد بالدور الكبير الذي يقوم به حوالي مليون مواطن باكستاني تستضيفهم المملكة يساهمون في الاعمار والتنمية ورخاء البلدين.

فخامة الرئيس، أيها الأصدقاء: إن موقف باكستان التاريخي المشرف من قضية فلسطين هو مصدر اعتزاز لكل العرب والمسلمين، ونحن نأمل أن يسهم هذا الموقف في الوصول إلى تسوية عادلة تضمن حقوق الأشقاء الفلسطينيين وترسي دعائم السلم الدائم. إننا نقدر حرصكم على أن يسود السلام منطقتنا ونحن بدورنا حريصون كل الحرص على ألا تتعرض منطقتكم لشرور الحروب المدمرة. ومن هذا المنطلق قمنا خلال زيارتنا الأخيرة للهند بالإعراب عن أملنا في أن تنجح المباحثات بين البلدين في الوصول إلى الحلول المنشودة ونكرر هذا الأمل أمامكم متمنين الوصول إلى تسوية عادلة تضمن الحقوق المشروعة وتؤدي إلى استقرار المنطقة. والأمل في الوصول إلى هذه النتيجة معقود ـ بعد الله ـ على ما يتمتع به فخامتكم من مزايا القيادة الحكيمة الرشيدة. شكرا لكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».

وقد أجريت لخادم الحرمين الشريفين مراسم خاصة بتقليد الوسام بعد وصوله إلى القصر الجمهوري بصحبة رئيس الوزراء الباكستاني شوكت عزيز، حيث كان في استقباله الرئيس برويز مشرف، وتمت تلاوة إشادة خاصة بالملك عبد الله في ما يلي نصها: «إن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ظل صديقا حميما مخلصا لباكستان وأن باكستان حكومة وشعبا تقدر الرعاية الكريمة التي أبداها دائما تجاه باكستان وشعبها.

إن خادم الحرمين الشريفين يحتل مكانة خاصة في قلوب الباكستانيين جميعا وتتجسد في شخصيته القيم الروحية السامية التي تجمع البلدين في علاقة خالدة، وقد تطورت العلاقات بين باكستان والمملكة العربية السعودية من قوية إلى أقوى تحت قيادته الحكيمة وقد وقف خادم الحرمين الشريفين بجانب باكستان في كل الأحيان ونحن نشيد بالمساعدة السخية التي قدمتها المملكة العربية السعودية لنهضة باكستان الاقتصادية كما لا ينسى الشعب الباكستاني التأييد المستمر من خادم الحرمين الشريفين في كل قضاياه المهمة.

إن خادم الحرمين الشريفين قائد سياسي في عصرنا وقد كرس حياته الكريمة في خدمة الأمن والسلام في العالم وقد نال مكانة سامية في العالم الإسلامي بأسره بسب التزامه بخدمة كل المقاصد العادلة والفلاح الشامل للأمة الإسلامية قاطبة وإن لقيادته دورا فعالا في تحويل منظمة المؤتمر الإسلامي إلى منظمة حاملة لمصباح النور لمستقبل الأمة.

واعترافا بالإسهام البارز لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود لتقوية التعامل والتفاهم لأعلى مستوى بين باكستان والمملكة العربية السعودية واعترافا بجهوده الخالدة لتضامن الأمة ونهضتها وتعبيرا عن الحب والتقدير الذي يحمله الشعب الباكستاني لخادم الحرمين الشريفين تشرف رئيس جمهورية باكستان الإسلامية بتقليد أعلى وسام مدني لخادم الحرمين الشريفين وهو وسام رمز باكستان».

من جهته ألقى الرئيس الباكستاني كلمة خلال حفل العشاء التكريمي الذي أقامه لخادم الحرمين الشريفين والوفد المرافق له، أكد فيها أن وجود الملك عبد الله في بلاده «مصدر الأفراح للشعب الباكستاني»، مضيفا أن تكريم المملكة العربية السعودية واحترام خادم الحرمين الشريفين «أمر يجري في نفوسنا مجرى الدم، وإنه جزء لا يتجزأ من الشخصية الباكستانية».

وقال «إن صداقتنا دائمة تتعدى البيئة الدولية المتغيرة وتفوق كل الاعتبارات للسياسة الدولية، وإننا نقيم التعاون مع المملكة ونقويه كمبدأ أساسي لسياستنا الخارجية ونظريتنا العالمية»، واضاف بأن كلا البلدين قد وقفا إلى جانب بعضهما البعض دائما، وقال «وكنتم دائما صديقا حميما وشقيقا مخلصا لنا وقد بادرتم دائما إلى مساعدتنا كلما واجهتنا أية مشاكل، ولا يمكن أن ننسى المعونات الفورية السخية منكم حينما أصيبت باكستان بالزلازل في أكتوبر الماضي».

وخاطب مشرف خادم الحرمين الشريفين بقوله «إننا نؤمن بأن قوتكم هي قوتنا وأنا متيقن أن هذا الشعور مشترك بيننا»، وأشاد بالإسهام الذي قدمته المملكة باستمرار في تنمية بلاده الاقتصادية خاصة بطريق الاستثمار، وقال «سوف نواصل جهدنا لتطوير التعاون بيننا في كل المجالات»، مشيرا إلى أن زيارة الملك عبد الله ستزيد من علاقات البلدين قوة ودفعا إلى الأمام «ونحن سوف نرفع مستوى اشتراكنا الشامل وتعاوننا الاستراتيجي إلى أعلى درجات ممكنة».

وحيا الرئيس الباكستاني الملك عبد الله وأشاد بقيادته الحكيمة ونظرته الثاقبة والإخلاص والوفاء لأمته، وقال «وقد ظهر إخلاصكم لفلاح الأمة في مبادرتكم المهمة إلى عقد مؤتمر قمة استثنائي لمنظمة المؤتمر الإسلامي في شهر ديسمبر في مكة المكرمة ونحن نرجو أن هذا المؤتمر سوف يلعب دورا فعالا في نجاح جهودنا لتقوية التضامن الإسلامي ولتحويل منظمة المؤتمر الإسلامي إلى منظمة نشيطة وفعالة».

وتطرق الرئيس الباكستاني إلى الصراعات والنزاعات في العالم الإسلامي، موضحا أن الجميع يعيش في عهد عصيب مليء بالمفاجآت، وقال «إذا نظرنا حولنا نجد أن كل أزمة عالمية رئيسية مرتبطة بالعالم الإسلامي»، وأكد أن النزاعات القديمة لفلسطين في الشرق الأوسط ولكشمير في جنوب آسيا ما زالت قائمة، وكذلك الأزمة في العراق «ما زالت مستمرة ولا يرى لها نهاية»، مشيرا إلى الوضع في أفغانستان بأنه «لم يستقر بعد» وقال «كما توجد إمكانات لأزمات خطيرة أخرى تظهر في الأفق والنظرات الحاقدة نحو المسلمين ما زالت موجودة ومتزايدة». واضاف أن قمة مكة المكرمة عالجت هذه القضايا بوضوح ووافقت على تصور موحد جاء بيانه في إعلان مكة.

وشدد الرئيس برويز مشرف على أن الجميع بحاجة شديدة أكثر من أي وقت مضى إلى العمل الجاد لإيجاد الوئام بين الديانات والحضارات المختلفة على صعيد العالم وإلى مواجهة التعصب والعداء ضد الإسلام والمجتمعات الإسلامية.

وقال «نحن لا نشك في أن زيارتكم الأخيرة للهند سوف تساعد عملية السلام، وإننا نشيد بالتزامكم المستمر بحل قضية كشمير وإنه يدل على تأييدكم الدائم لكل القضايا العادلة كما يشهد بعنايتكم وشفقتكم بأحوال الأمة في أحوال عصيبة وبأحوال المكافحين لنيل حقوقهم المشروعة».

ووصف الرئيس الباكستاني علاقات بلاده مع السعودية بأنها «نعمة عظيمة من الله تعالى»، موضحا أنها تقوم على أسس الصداقة والإخاء، مؤكدا أن ثقة البلدين وقيادتيهما وصداقتهما والتفاهم المشترك «ليست مصدرا للقوة والتشجيع لنا فحسب، إنما هي عامل مهم يسهم في سلام هذه المنطقة واستقرارها وازدهارها».

وقالت مصادر باكستانية ان رئيس الوزراء الباكستاني، شوكت عزيز اطلع خادم الحرمين الشريفين على آخر التطورات في الحوار بين الهند وباكستان بهدف تحقيق السلام وكذلك على الاصلاحات الاقتصادية التي طبقتها بلاده خاصة في مجال جذب المستثمرين الأجانب. وأشار عزيز على وجه الخصوص الى قطاعات التشييد والنفط والغاز والزراعة والاتصالات والطاقة وتكنولوجيا المعلومات. وقال ان باكستان تقدر الاستثمارات السعودية في البلاد، مؤكدا ترحيبها بالمزيد من الاستثمارات السعودية بهدف تحقيق المزيد من التنمية والتقدم. ووجه عزيز الدعوة الى رجال الأعمال السعوديين للاستثمار في مشروع مصفاة للنفط تعتزم الحكومة الباكستانية تشييدها في المنطقة الساحلية. واتفق الجانبان على ترتيب عقد اجتماع بين رجال اعمال من البلدين بغرض مناقشة فرص الاستثمار والأعمال التجارية في البلدين. وأعرب عزيز عن ثقته في ان الصندوق الاسلامي الذي اقترح الرئيس مشرف تأسيسه بمساهمة كل الدول المسلمة سيفتح فرصا جديدة للتنمية في العالم الإسلامي.

واختتم الملك عبد الله بن عبد العزيز زيارته لباكستان، وغادر اسلام اباد عصر أمس، وكان في مقدمة مودعيه بالمطار الرئيس برويز مشرف ورئيس الوزراء شوكت عزيز والوزراء وكبار المسؤولين في الحكومة الباكستانية بالإضافة إلى سفراء الدول الإسلامية والسفير السعودي بباكستان علي بن عواض عسيري والسفير الباكستاني بالمملكة عبد العزيز مرزا.