تقرير اللجنة الدولية في حادثة تحطم طائرة قرنق يستبعد وجود «مؤامرة»

«الشرق الأوسط» حصلت على تفاصيل رئيسية.. والأسباب تعود إلى عوامل فنية وتقديرات خاطئة

TT

دخل التحقيق في حادثة تحطم طائرة الدكتور جون قرنق، النائب الاول للرئيس السوداني، والذي أفضى إلى وفاته مع مرافقيه في 30 يوليو (تموز) الماضي، مراحله النهائية، حيث صدر التقرير المبدئي من اللجنة الدولية التي تضم السودان وأوغندا وكينيا وتترأسها الولايات المتحدة.

وحصلت «الشرق الاوسط» على اهم النقاط الواردة في التقرير، والتي تتناول العوامل الفعلية لسقوط الطائرة الرئاسية الاوغندية التي أقلت قرنق.

ويستبعد تقرير اللجنة الدولية التي يرأسها الاميركي وينز جونس، خبير الهيئة الوطنية للسلامة الجوية الأميركية، وجود «نظرية مؤامرة» أو تخطيط لتحطم الطائرة أو عملية اغتيال، مشيرا الى ان الجوانب الفنية تشكل العامل المباشر لسقوط الطائرة وتحطمها. وكشف التقرير ان الطائرة أقلعت من مطار عنتيبي وهي محملة بوقود «أكثر مما يجب». وكشف سفير السودان السابق لدى أوغندا ومقرر اللجنة الوطنية سراج الدين حامد أن الصندوق الأسود الذي أفرغ من محتوياته، وعلى مدى ساعتين وتسع وثلاثين دقيقة، أبان حقائق ومعلومات كثيرة عن الملابسات وما دار من حديث في الطائرة، وأنه «كان في غاية الوضوح»، كما كشف أن تحريات لجنة التحقيق أفادت ان الدكتور قرنق كان يخطط لدى وصوله الى كمبالا لأن يتجه الى نيروبي بدلا من عنتيبي، ولكنه في آخر لحظة قرر الاتجاه لنيوسايت في الجنوب. وقال «لا يعرف أحد على وجه اليقين ما وراء هذا القرار أو التغيير».

وذكر آخر من التقوه أو ودعوه في مطار عنتيبي بمن فيهم وزير أوغندي، «أنه كان قلقاً جداً» ومتعجلا للمغادرة وللوصول الى نيوسايت. وأن جانباً من تقرير المحققين قال إن تحطم الطائرة مرتبط بخطة تغيير السفر من عنتيبي الى نيروبي.

وعندما سألته «الشرق الأوسط» عما إذا كان فحوى الصندوق الأسود قد أظهر قلقاً للدكتور قرنق عند دخول المنطقة الحدودية الجبلية بين السودان وأوغندا حيث الأجواء سيئة؟ رد السفير حامد: «أن صوت الدكتور قرنق بدا هادئاً وطبيعياً لكنه في مرحلة استشعر خطورة الحالة وأن الأوضاع الجوية حرجة، فطرح من باب الحيطة ما اذا كانت هناك مشكلة، فالأفضل الهبوط في أحد مطارات أوغندة القريبة» وحدد منطقة «سروري أو قولو».

وبدا من انطباعات المتابعة لما دار من أحاديث الصندوق الأسود أن طاقم الطائرة «كان مفرطاً في ثقته بالتعامل مع الموقف»، وهو طاقم له كفاءته وخبرته واعتاد قيادة الطائرة الرئاسية، وعلى متنها الرئيس يوري موسيفيني.

ولدى السؤال عما إذا كانت الطائرة الأوغندية هي بالفعل الطائرة الخاصة للرئيس موسيفيني، جاء رد السفير حامد «ان للرئيس طائرتين رئاسيتين، إحداهما تابعة للقصر الجمهوري والأخرى للجيش، وكلتاهما مجهزة كصالون، والطائرة مؤهلة تماماً للرحلات»، وأنه أي السفير نفسه، أقلته أكثر من مرة للقاء الرئيس موسيفيني عندما يكون خارج كمبالا. وأكد أن اللجنة الفنية السودانية التابعة للجنة التحقيق الوطنية المكونة من 12 عضواً، وهي ذات تخصصات وخبرات عالية لدى التقصي الفني لموقع سقوط الطائرة ولحطامها، لم تعثر على أي دليل مادي حسي يفيد أو يشير إلى حدوث أو وقوع عمل تخريبي مقصود، ولكن الدكتور شمبول عدلان، عميد الهندسة في جامعة السودان كانت لديه ملاحظات من نوع غياب أجهزة صغيرة مثل المايك الخاص بالحديث في الطائرة لم يكن موجوداً.

ولأن العديد من التقارير أشارت الى «لقاء مهم تم بين الرئيس موسيفيني وسفراء أميركا وهولندا والنرويج وبريطانيا، وذلك أثناء زيارة النائب الأول الدكتور قرنق في مزرعته مما يشي بتآمر ما»، جاء تأكيده «أنه لا أساس له من الصحة». وأنه، أي السفير حامد، استمع إلى إفادة السفير الأميركي جيمي كولكر ويوكا برانوث سفيرة هولندا واستيف سفير النرويج، حيث التقى كل واحد على حدة، وأن ملخص الافادات أن اللقاء بالدكتور قرنق في مزرعة الرئيس الأوغندي جاء بمحض الصدفة، إذ كان السفراء المذكورون قد طلبوا قبل أسبوعين من تاريخ وصول قرنق لقاء مع الرئيس موسيفيني، وأن الرئيس ما كان متحمساً للقائهم لمعرفته بموضوع اللقاء، ولكنه في نهاية الأمر حدد الموعد بعد 10 أيام من طلبه الذي صادف وصول الدكتور قرنق الى راكوتورا في 30 يوليو 2005.

وفي هذا اللقاء، نقل السفراء مساندة حكوماتهم لما يسمى مبادرة بيتي بيقومي لتحقيق السلام في شمال أوغندا بالطرق السلمية، وكان واضحاً أن الرئيس موسيفيني غير متحمس لهذه المبادرة لحل مشكلة اضطرابات شمال أوغندا سلمياً، وكان يائساً من جدوى مثل هذه المحاولات التي سبق أن تداولها. وبعد أن فرغ السفراء من تحاورهم مع الرئيس الأوغندي، فإنه أبلغهم بأن معه ضيفا عزيزا واقترح عليهم لقاءه حيث قدم اليهم النائب الأول الدكتور قرنق، فالتقوا معه لفترة استغرقت عشر دقائق، وتناولوا في الحديث تنفيذ اتفاقية السلام، وكذلك أهمية تطبيع العلاقات مع إريتريا، حيث كانت السفيرة الهولندية في كمبالا قد سبق لها العمل في أسمرة. وقد أفضى السفراء بهذه الإفادات لمقرر اللجنة الوطنية للتحقيق في تحطم الطائرة الرئاسية، لأن السفير حامد كان زميلاً وصديقاً لهم أثناء عمله سفيرا لدى أوغندا. وقال السفير حامد «أعتقد أنهم كانوا صادقين». فرغم اللقاء، فإنهم اتفقوا على سبب طلب لقائهم مع الرئيس موسيفيني، وأن لقاءهم بالدكتور قرنق كان مجرد صدفة، ولذلك لا صحة البتة في مسألة وجود تآمر أو مؤامرة تزامنت مع حضور الدكتور قرنق لكمبالا، بالإضافة الى أن الولايات المتحدة كانت مهتمة من جانبها بالتحقيق في الأسباب التي أدت الى تحطم الطائرة، واختارت خبيراً متخصصاً لرئاسة اللجنة الدولية، لأنها ترغب بالفعل في «معرفة ما حدث».

وعن التصريحات التي أدلى بها الرئيس موسيفيني لدى وصوله لنيوسايد لتعزية حرم الدكتور قرنق، والتي أثارت شكوكا حول سقوط الطائرة، جاء تفسير السفير حامد «أعتقد أنها كانت دون تحضير مسبق، وهي نتيجة للصدمة والواقع أنه وقتها، كان لا يدري ما حدث للطائرة».

وعن ما تردد أن الدكتور قرنق كانت لديه أموال واستثمارات في أوغندا استدعت لقاء موسيفيني، جاء رده أنه معروف أن لدى الحركة الشعبية استثمارات في كمبالا «ولا أستبعد وجود معاملات مالية بين الحركة وكمبالا»، ولكن للحقيقة لا أحد يعرف إطلاقاً ماذا دار بين الرئيس موسيفيني والدكتور قرنق ونوع الموضوع الذي جرى تداوله أو بحثه».

وعن مدى كفاءة الفريق الفني السوداني الذي شُكّل للتحري والتقصي في الحادث والطائرة، فقد وصفه السفير حامد «بأنه فريق عالي الكفاءة والخبرة وشمل كافة التخصصات والمجالات ذات الصلة بالحادث من مهندس للطائرات وإلى الارصاد الجوي والمفرقعات وغيرهم. وأمضوا في موقع الطائرة المحطمة ساعات طويلة، حيث سجل كل خبير ملاحظاته، وقد اعتمد الفريق الدولي اعتماداً كلياً عليها وأن اللجنة الفنية تريثت في كشف ما توصلت إليه في التحقيق لكي تمكن لجنة التحقيق الدولية من إعلان ما توصلت إليه بالنسبة للحادث وملابساته، ولكن التقرير الدولي سيحمل بصمات اللجنة الوطنية للتحقيق في تحطم الطائرة الرئاسية ووفاة النائب الأول». واعتبر مقرر لجنة التحقيق أن ما توصلت اليه اللجنة الوطنية ستكون لملاحظاته وما توصل اليه من نتائج ردود فعل وأثر قوي خاصةً ما يتصل بنتائج التحقيق وأسباب الحادث. كما عبر عن اعتقاده بأهمية تقرير اللجنة السودانية الوطنية لأنه يتناول بالإضافة الى أسباب الحادث أوجه القصور المحتملة في الدولة السودانية تجاه الإجراءات الواجب اتباعها بالنسبة لسفر كبار موظفي الدولة، بالإضافة إلى إبراز أوجه القصور في الإدارات المختصة بالدولة في مجالات الترتيب والتنفيذ لسفر قيادات الدولة، كالرئيس ونوابه ومساعديه، ويشمل كذلك الجوانب المراسمية. وسيكون التقرير مفيداً جداً للجميع للحيلولة دون وقوع حوادث مماثلة وربما يقود إلى وضع نظام أمني جديد لدى السفر جواً.

وعن مسؤولين استمعت لجنة التحقيق لإفاداتهم، أجاب مقرر لجنة التحقيق أنه تم الاستماع الى العديد من الوزراء وفي الحركة الشعبية، كما تم الاستماع الى خمسة ضباط من الحركة الشعبية الذين قدموا تقريراً جيداًُ ومعلومات وافية بعد أدائهم القسم باعتبارهم أول من وصلوا لمكان تحطم الطائرة.

وعن لقاء اللجنة مع السيدة ربيكا، حرم قرنق، قال: «إن اللجنة التقت بها في منزلها بنيروبي، وإنها ردت على الأسئلة المكتوبة بإجابات وافية، وكانت في غاية التعاون والاهتمام وعبرت عن استعدادها التام على الرد على أي تساؤل أو استفسار».

وحول أهم ما لفت انتباهه بالنسبة للقاء الدكتور قرنق مع السفير الأميركي والسفراء الأوروبيين، قال السفير حامد: «لفت انتباهي ما أورده السفير الأميركي كوكر الذي سأل الدكتور قرنق عن خطط الحركة الشعبية في المستقبل، خاصةً أن الولايات المتحدة تتجه للتفاوض من أجل النهضة في جنوب السودان، فرد قرنق: الجنوب ليس بكيان منفصل والجنوب والشمال كيان واحد، والدولة في العلاقات الخارجية لا تعرف السودان الواحد».

وتعتزم اللجنة الوطنية للتحقيق في تحطم الطائرة ووفاة قرنق تقديم تقريرها نهاية فبراير (شباط) الحالي. وكانت اللجنة قد كونت بقرار من الرئيس عمر البشير يوم 16 أغسطس (آب) 2005 برئاسة القانوني ونائب رئيس الجمهورية الأسبق أبيل ألير الذي سبق أن تقلد رئاسة أول حكومة للإقليم الجنوبي عقب توقيع اتفاقية السلام في أديس أبابا عام 1972.