واشنطن تضغط على إسرائيل ودول عربية وأوروبية لمواصلة تقديم المساعدات ودفع المستحقات للفلسطينيين

رغم موقفها المعلن الرافض لمنح أي أموال لحكومة تقودها أو تشارك فيها «حماس»

TT

بعد اقل من اسبوع من التهديدات والتحذيرات الاميركية والاوروبية، بقطع المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية، اذا لم تعترف حركة «حماس» المنتصرة في الانتخابات باغلبية مقاعد المجلس التشريعي، باسرائيل وتنبذ العنف وتنزع سلاحها، بدأت هذه الدول بالتخفيف او التراجع عن هذه المواقف المتشددة لاسباب شتى.

وكما يبدو فان الادارة الاميركية لا تريد قطع المساعدات للسلطة الفلسطينية في الوقت الحاضر أي خلال الفترة الانتقالية وقبل تسلم «حماس» شؤون ادارة البلاد. وتمارس ادارة الرئيس جورج ضغوطا على اسرائيل ودول عربية واوروبية كي لا تقطع تمويل السلطة لما قد ينجم عن هذا القطع من تداعيات لا تحمد عقباها.

يذكر ان البنك الدولي حذر في تقرير له نشر امس من ان الوضع المالي للسلطة الفلسطينية «لا يحتمل» بسبب زيادة كتلة الاجور في القطاع العام. وقال ان «الوضع الضريبي لا يحتمل خصوصا بسبب النفقات الحكومية الخارجة عن السيطرة ولا سيما الزيادة السريعة في كتلة الاجور في القطاع العام والمساعدات الاجتماعية المتزايدة وزيادة القروض». واضاف التقرير ان «الانكماش الاقتصادي ادى الى تراجع في عائدات الضرائب». واكد البنك الدولي ان العجز في موازنة السلطة الفلسطينية بلغ 800 مليون دولار، جرت تغطية 340 مليونا منه من قبل الدول المانحة والباقي من قروض مصرفية وتصفية موجودات تملكها السلطة في صندوق الاستثمار الفلسطيني.

وحذر البنك الدولي من انه اذا لم تحل السلطة الفلسطينية بسرعة مشكلة هذه القروض «فانها ستضر بآفاق اصلاح سريع عبر زعزعة عمليات السلطة الفلسطينية وخفض الاموال العامة والخاصة التي يمكن استثمارها».

ومنعا لتصاعد التدهور الاقتصادي في اراضي السلطة اعلنت الادارة الاميركية، رغم اصرارها على عدم تقديم أي نوع من المساعدات للسلطة الفلسطينية، عن رغبتها في ان تحول اسرائيل مستحقات الضرائب التي تجمعها من الواردات الى الاراضي الفلسطينية، دعما للرئيس محمود عباس (ابو مازن) على الاقل للشهود القليلة المقبلة. وقال المتحدث باسم الخارجية الاميركية شون ماكورماك «نعمل معهم (اسرائيل) على هذه المسألة» على مستوى سفيري البلدين. وقد اجتمع السفير الاميركي في تل ابيب ريتشارد جونز، مع مسؤولين اسرائيليين في القدس المحتلة حول هذه المسألة. وحسب المتحدث باسم الخارجية الاميركية فان الاتصالات ستتواصل مع الحكومة الاسرائيلية. ومن المتوقع بحث القضية مع وزيرة الخارجية تسيبي ليفنه، خلال زيارتها لواشنطن الاسبوع المقبل.

وذكر المتحدث الاميركي بتعهد اللجنة الرباعية (الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وروسيا والامم المتحدة) مواصلة تمويل السلطة الفلسطينية على الاقل حتى يتم تشكيل حكومة جديدة بقيادة «حماس». واوضح ان «السؤال المطروح هو: كيف يمكن دعم الرئيس عباس في جهوده في هذه المرحلة الانتقالية التي يمكن ان تستمر شهرين او ثلاثة اشهر؟»، موضحا ان «السلطة الفلسطينية لديها احتياجات بالتأكيد لدعم الميزانية ودفع الرواتب».

غير ان اسرائيل ظلت حتى يوم امس على موقفها الرافض لتحويل حوالي 45 مليون دولار، وهي اموال مستحقة، الى السلطة من اموال الضرائب. وابلغ السفير الاسرائيلي في واشنطن داني ايلون، مسؤولين اميركيين بقرار اسرائيل رفض الافراج عن الاموال الضريبية للسلطة في الوقت الحاضر.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مسؤول في رئاسة الوزراء الاسرائيلية القول «لن نفرج عن هذه الاموال الا عندما نتأكد من انها لن تستخدم لتمويل حكومة تضم عناصر ارهابيين».

واضاف المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، ان «الاسرائيليين هم الذين يعيشون هنا ويعانون من انعكاسات الارهاب». وكان يفترض ان يحول المبلغ المذكور اول من امس.

واظهر الاتحاد الاوروبي على لسان الممثل الاعلى للشؤون الامنية والخارجية، خافير سولانا، تراجعا عن موقفه الاولي المتشدد ازاء فوز «حماس». وقال سولانا ان الاتحاد الاوروبي سيواصل تقديم المساعدات المالية للسلطة في اطار تقديم المساعدة والدعم لأبو مازن وعدم التخلي عنه في هذه المرحلة، وهو موقف يعتبر ترديدا للموقف الاميركي. وحسب الموقف الاوروبي فانه سيعاد النظر في المساعدات بعد تشكيل الحكومة الجديدة.

وكان ابو مازن قد ناشد الدول المانحة والاوروبية عدم وقف المساعدات للشعب الفلسطيني الذي هو في امس الحاجة اليها في الوقت الحاضر، كما قال مشددا «لا علاقة للمساعدات بمن فاز ومن لم يفز».

وأكد أحمد قريع (ابو علاء)، رئيس الوزراء، امس رفض الحكومة العقوبات الجماعية التي تفرضها إسرائيل على الشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية، بعدم دفع المستحقات المالية، وإغلاق معبر المنطار شرق مدينة غزة. وطالب ابو علاء خلال الجلسة الأسبوعية لمجلس الوزراء في مقر رئاسة الوزراء بمدينة رام الله، الحكومة الإسرائيلية بالإفراج عن المستحقات المالية التي تقدر بحوالي 45 مليون دولار، عبارة عن عائدات ضريبية تجبيها إسرائيل لصالح السلطة الفلسطينية، قامت الحكومة الإسرائيلية بحجزها.

وأضاف أن الأمر لا يتوقف عند عدم دفع المستحقات المالية من قبل الحكومة الإسرائيلية، بل إن هناك تهديدات بوقف الدعم الدولي للسلطة، الأمر الذي أدى إلى نشوء أزمة مالية حقيقية، مؤكداً رفض حكومته لأشكال العقاب الجماعي كافة.

واشار ابو علاء إلى قيام إسرائيل بإغلاق معبر المنطار، ما أدى إلى تلف المنتجات الزراعية الفلسطينية، بسبب عدم سماح إسرائيل بتصديرها، داعياً الحكومة الإسرائيلية إلى إعادة النظر بإجراءاتها التي تشكل عقوبة جماعية للشعب الفلسطيني وليس لأحد آخر. واوضح أن الحكومة تعمل على تدبر الأمور المالية من خلال الاتصال بالأشقاء العرب في دول الخليج العربي كالمملكة العربية السعودية، موضحاً أن هذه الإجراءات ستتم قريباً. وطالب العالم باستمرار دعمه للشعب الفلسطيني لأنه للشعب وسلطته الوطنية للقيام بواجباتها، وليس لحزب أو حركة.

يذكر ان صحيفة «الغارديان» البريطانية نقلت في عددها الصادر اول من امس عن دبلوماسيين غربيين القول إن الإدارة الأميركية أجرت اتصالات مع العديد من الدول العربية وحثتها على مواصلة الدعم المالي لحكومة فلسطينية تقودها حركة «حماس».

ويتناقض الموقف الاميركي وراء الكواليس مع موقفهم المعلن بشأن قطع كل المساعدات عن السلطة الفلسطينية، حتى تنبذ «حماس» الارهاب وتلغي بند تدمير اسرائيل في ميثاقها وتعترف بوجودها.

ويبرر الموقف الاميركي هذا بأن الادارة لا تريد للأمور في الضفة الغربية وقطاع غزة ان تتدهور الى حد الفوضى العارمة بسبب نقص الموارد والمساعدات. وتخشى الولايات المتحدة حسب «الغارديان» من ان قطع المساعدات قد يفتح الباب امام دول مثل سورية وايران بانتهاز الفرصة، لتعزيز سمعتهما في العالم الاسلامي في وقت تسعى فيه واشنطن الى عزلهما، حسب ما قالت الصحيفة.