إيران توقف عمليات التفتيش على منشآتها النووية وتواصل التخصيب بعد قرار إحالتها لمجلس الأمن

دول عدم الانحياز صوتت لصالح القرار بعد إضافة فقرة «شكلية» حول إخلاء المنطقة من «أسلحة الدمار»

TT

أعلنت إيران أنها ستوقف فورا، عمليات التفتيش الدولية لمنشآتها النووية، وستواصل عمليات تخصيب كاملة لليورانيوم، وذلك ردا الى تصويت مجلس أمناء الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لصالح قرار يقضي برفع ملف إيران النووي الى مجلس الامن. وجاء القرار المتوقع أن يضيق الحصار على نشاطات ايران النووية، بعد مداولات ساخنة استمرت 3 ايام بين الدول الاعضاء في مجلس امناء وكالة الطاقة، خاصة دول عدم الانحياز، التي كانت تعارض إحالة طهران لمجلس الأمن، والدول الأوروبية وأميركا. وأمكن التوصل لقرار امس، بعدما وافقت الدول الأعضاء في مجلس الامناء على تضمين بند «شكلي» حول اخلاء منطقة الشرق الاوسط من اسلحة الدمار الشامل. واعتمد القرار بأكثرية 27 عضوا ومعارضة ثلاثة (كوبا وسورية وفنزويلا)، وامتناع خمسة (الجزائر وبيلاروسيا واندونيسيا وليبيا وجنوب أفريقيا). لكن القرار يعطي مهلة شهر قبل أي تحرك للامم المتحدة في حق ايران، لمنح وقت للجهود الدبلوماسية قبل الاجتماع المقبل للوكالة الدولية في فيينا في مارس (آذار) المقبل.

وقال جواد وعيدي نائب المفاوض النووي الايراني للصحافيين بعد التصويت «بعد هذا القرار.. يتعين على ايران ان تنفذ فورا قانونها البرلماني، بتعليق التنفيذ الطوعي للبروتوكول الاضافي للوكالة الدولية للطاقة الذرية، بشأن التفتيش المفاجئ ومواصلة التخصيب على نطاق تجاري الذي كان معلقا تماما حتى اليوم». وأضاف وعيدي ان على ايران «ان تفعل فورا القانون الذي اعتمد بالاجماع تقريبا من قبل مجلس الشورى الايراني عام 2005»، والذي ينص على وقف تعليق تخصيب اليورانيوم على نطاق واسع في حال رفع مسألة ايران الى مجلس الامن الدولي. وتابع وعيدي ان ايران «ستعلق التطبيق الطوعي للبروتوكول الاضافي (لمعاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية) الذي كانت تطبقه منذ ثلاث سنوات». وردا عن سؤال حول مصير المفتشين الدوليين، الذين يعملون داخل ايران ومستقبل المقترح الروسي بحل الازمة بموافقة ايران على تخصيب اليورانيوم بروسيا، اكد السفير الايراني ان ما تريده طهران في هذه اللحظة هو ارسال رسالة لأميركا والاوروبيين، مؤكدا ان طهران لا تخضع للتهديد، وأنها ستعاود التخصيب». كما اعتبر ان الاقتراح الروسي «ميت» بعد قرار الاحالة لمجلس الامن، الذي صوتت روسيا لصالحه. وجاء قرار مجلس الأمناء بالإحالة لمجلس الأمن، بمثابة تسوية بين رغبة الولايات المتحدة بحصول تحرك فوري للامم المتحدة ضد ايران، وطلب وروسيا اعطاء الجهود الدبلوماسية المزيد من الوقت. وكان مجلس امناء الوكالة علق اول من امس اعماله اثر خلاف حول التعابير الواردة في مشروع القرار، بعدما اصرت مصر على اضافة فقرة تنص ضمنا على تخلي اسرائيل عن الأسلحة النووية. وشددت الولايات المتحدة على ان هذه المسألة منفصلة عن الملف الايراني، لكن مصر أصرت على الإشارة الى ضرورة جعل الشرق الاوسط منطقة خالية من الاسلحة النووية في مشروع القرار، للاشارة الى المخاوف العربية من قدرة اسرائيل النووية المفترضة على ما اوضح دبلوماسيون. ووافقت الولايات المتحدة في النهاية على الصياغة مع استخدام كلمة «منطقة خالية من اسلحة الدمار الشامل»، بدلا من اسلحة نووية، اذ ان ذلك يرفع الاشارة الحصرية الى اسرائيل.

من جانبه، اكد السفير الأميركي ان المجتمع الدولي منح ايران «فرصا عدة اضاعتها الواحدة تلو الاخرى»، غير انه قال ان «نافذة الحل الدبلوماسي ما تزال مفتوحة»، مضيفا ان ايجاد حل للقضية النووية الايرانية، سيسهم في الجهود العالمية الرامية الى منع الانتشار النووي، وفي تحقيق الهدف المتمثل في اخلاء الشرق الاوسط من اسلحة الدمار الشامل. كما شدد على ان الامر ليس قضية بين ايران وأميركا، بل بين ايران والعالم، الذي «يهمه ان تسمع الحكومة الايرانية الرسالة التي يرسلها لها». وأكدت مصادر دبلوماسية متعددة لـ«الشرق الأوسط»، أن قرار مجلس أمناء الوكالة بشأن النشاط النووي الايراني، لم يمرر بصورة سهلة إذ خضع للعديد من التغييرات والتعديلات ومحاولات التوفيق بين الرؤى المتضاربة بين الدول والمجموعات التي يضمها مجلس أمناء الوكالة. وأوضحت المصادر ان اصعب مراحل المفاوضات كانت بين المجموعة العربية بقيادة مصر والولايات المتحدة الأميركية، اذ تمسك العرب بضرورة إضافة بند للقرار ينص على اخلاء منطقة الشرق الأوسط من اسلحة الدمار، وبذلك تصبح اسرائيل مطالبة بالتخلي عن برامجها واسلحتها النووية تماما مثل ايران، لكن الولايات المتحدة عارضت ذلك، مما أخر اجازة القرار حتى رضخ الطرفان لصيغة توفيقية، لم تأت كبند، بل جزء من بند يعترف ان ايجاد حل للقضية الايرانية يسهم في تحقيق الهدف المتمثل في اخلاء الشرق الاوسط من اسلحة الدمار الشامل.

وقال السفير المصري رمزي عز الدين لـ«الشرق الأوسط»، ان مصر كانت من ضمن الدول التي صوتت على ابلاغ مجلس الأمن بالملف النووي الايراني، ولم تمتنع عن التصويت او تعارضه، موضحا ان تصويت مصر جاء على اساس ان القرار يعتبر مجرد «ابلاغ» لمجلس الأمن، وانه يمنح ايران فرصة للتعاون خلال الشهر المقبل، بما يقطع الطريق امام اية عقوبات من مجلس الامن. وتابع «ان الدول الاعضاء بمجلس الأمن مثل روسيا والصين، تتمسك بضرورة الا يتحرك مجلس الأمن، الا بعد تقرير مدير الوكالة، مما يحتفظ للوكالة كذلك بدورها»، في الملف الايراني. وقلل السفير المصري من اهمية تصريحات السفير الأميركي، حول ان اضافة الفقرة بخصوص الشرق الأوسط، ضرورة اجبرتهم عليها دواعي التفاوض. وأضاف «ان الفقرة رغم ذلك، لا ترضي طموحات مصر وغيرها من الدول العربية، لكن اهميتها جاءت لكونها تؤكد مبدأ يمكن البناء عليه، مما يمكن اعتباره انجازا في ظروف صعبة كالتي نعيشها الآن». وعلى صعيد مصير المقترح الروسي لايران، قال غريغوري بيردنيكوف سفير روسيا لدى الوكالة، ردا على سؤال عما اذا كانت المحادثات بشأن الاقتراح الروسي توقفت الآن «لقد تحدثنا الى الايرانيين، والانطباع الذي لدينا هو ان الاقتراح ما زال على مائدة البحث والمفاوضات ستستمر». من ناحيته، قال بيتر جنكينز السفير البريطاني لدى الوكالة، «هذا يبعث برسالة قوية اخرى الى الجمهورية الايرانية.. رسالة تعبر عن القلق.. وانعدام الثقة المتواصل في نوايا ايران النووية». أما السفير الصيني وو هيلنجون، الذي تريد بلاده شأنها في ذلك شأن روسيا حماية تجارة الطاقة الضخمة مع ايران، ولا تزال تعارض العقوبات، فقد عبر عن موقف يتسم بالحيطة قائلا انه ما زال هناك مجال لتبديد القلق تجاه ايران في اطار الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وقال «تدعو الصين كل الاطراف المعنية الى التحلي بضبط النفس والصبر والامتناع عن اتخاذ اي اجراء، قد يعقد او يؤدي الى تدهور الموقف بصورة اكبر». لكن دبلوماسيين آخرين ليسوا على صلة بالقرار، عبروا عن شكوكهم حول تداعياته. ومن شأن وقف عمليات التفتيش المفاجئة ان يضعف قدرة الوكالة الدولية للطاقة الذرية على مراقبة الأنشطة النووية الايرانية، ويقوض نظامها الخاص بالضمانات بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي. وقال دبلوماسي بارز لم يشارك في مساعي ابلاغ مجلس الأمن بشأن ايران «التهديد الايراني خطير، وهناك مخاوف من اننا ندخل مرحلة محفوفة بالمخاطر من الاستقطاب والمواجهة، لن تكون في مصلحة أي طرف».