لام أكول: في الربط بين دارفور والوفاء بتعهدات أوسلو رسائل خطيرة وخاطئة

وزير الخارجية السوداني لـ الشرق الاوسط : عدم تثبيت إطلاق النار يعود إلى رفض حركات التمرد احترام الاتفاق

TT

كثيرة هي المحاور التي يمكن مناقشتها مع د. مهندس لام أكول وزير الخارجية السوداني الذي حط بلندن ليوم واحد ليغادر فجر اليوم الى الخرطوم، فالرجل عائد من جلسات عاصفة لمجلس الأمن حول ملف دارفور، والخرطوم من خلفه غلت لأيام على خلفية تصريحات توحي بخلافات بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية حول البطء الذي يصاحب تنفيذ اتفاقيات السلام.

«الشرق الأوسط» التقت لام أكول في لندن أمس لتحاوره على تلك الجبهات.

> يبدو ملف دارفور قابلا للتصعيد الخارجي، وأنت عائد لتوك من اجتماعات مجلس الأمن، فلنقل تحديدا، أين أميركا، وأين أوروبا، وأين مجلس الأمن، بل أين الحركة الشعبية التي عوّل كثيرون على دور أكثر حيوية لها. ما هي مواقف تلك الأطراف من هذا الملف؟

ـ لا أخفيك أن مشكلة دارفور تأخذ أسبقية في جدول أعمال مجلس الأمن أو في أجندة الأطراف التي ذكرتها، وعلى إختلاف الآراء فالذي يجمع بينها يمكن تلخيصه في ما يلزم فعله تجاهها. وهنا نجد طيفا من المحاور، أولها نقاش حول ضرورة إحلال قوات من الأمم المتحدة مكان قوات الاتحاد الأفريقي، وثانيها تداعيات وتبعات عدم تقدم المفاوضات في أبوجا بين الحكومة وحركات التمرد، وثالثها ضرورة دفع عمليات الإغاثة نحو أفق تأتي معه بنتائجها على المتضررين، وضرورة أن تستقر الأحوال على الأرض في الوقت الذي تواصل فيه الأطراف في أبوجا مساعي التوصل لحل سلمي.

ولكن المشكلة الأساسية هنا أن مطلب استقرار الأحوال على الأرض سيظل موقوفا، أو قل معتمدا بصورة اساسية عل تنفيذ اتفاقية وقف اطلاق النار الموقعة بانجمينا عام 2004، فيما يعود عدم تثبيت وقف إطلاق النار الى رفض حركات التمرد احترام الاتفاق ومد لجنة وقف اطلاق النار للخرائط التي تحدد أمكنة قواتها. وهنا أيضا هناك من يثير مسألة نزع سلاح الميليشيات الموالية للحكومة، وردنا هنا أن قرارات الاتحاد الأفريقي تتحدث عن النزع المتزامن لسلاح الميليشيات وسلاح التمرد، ولكن الغريب هنا أن هناك أصوات تعلو مطالبة بنزع سلاح الميليشيات من دون حديث يقبله عن نزع سلاح حركات التمرد. وتلك هي ملامح الصورة والمواقف منها.

أما موقف الحركة الشعبية، فنحن جزء من الحكومة ونشارك في الوفد الحكومي في المفاوضات ونحن طرف أصيل فيها > ولكن التعاطي التفصيلي في فهم أوروبا من جهة وأميركا من جهة أخرى، يوشك أن يقول إن أوربا تقترب من «الشاب الجيد» في مقابل قيام أميركا بدور «الشاب السيئ»، ما رأيك؟

ـ لا أتفق معك، والمواقف بينهما ليست بتلك الدرجة من التباين.

> هناك فيما يبدو ربط من المانحين في أوسلو بين الوفاء بالتزاماتهم وبين التقدم في ملف دارفور، بما يعني أن عدم الوفاء بتلك الالتزامات سينعكس على اتفاق نيفاشا بين الشمال والجنوب، ضمن سيناريو يمكن أن يقود في النهاية الى تفكيك السودان لدويلات؟

ـ هناك رباط حقيقي بين تعهدات أوسلو وبين ملف دارفور، وليس هذا بالجديد لأن بعض الدول قد أعلنته صراحة، ولكن الغريب والجديد ربما يبدو في ربط كل الدول الأوروبية بين إسقاط ديونها على السودان وبين حل أزمة دارفور بذرائع تقول فيها تلك الدول أنها تتعرض لضغوط من الرأي العام.

وأوافقك الرأي أن ذلك سينعكس عل نيفاشا، وأذيعك أني قد نقلت لكل صناع القرار في تلك الجهات ممن التقيت بأن هذه المواقف تحمل إشارة خطيرة لشعب السودان وأخرى خاطئة للمتمردين. بمعنى أن التخلي عن دعم اتفاق نيفاشا لا يخلو من تنكر لتلك الحالة من الإجماع الدولي والمصحوب بالترحيب على ضخامة ذلك الإنجاز، ومكمن خطورة الرسالة للشعب السوداني تأتي من عدم الإيفاء بتلك الالتزامات سيمتد بلغة التنمية والاقتصاد الى حرمان المواطن السوداني، وفي الجنوب خاصة باعتباره الأكثر تضررا، من حظوظه التي يأمل فيها في الصحة والتعليم والمياه النقية ...الخ، وتلك جرعة إحباط يمكن لها أن تتداعى لجهة إحساسه بأن السلام لم يقدم له الجوائز التي ضحى من أجله بها، وذلك سيكرس بدوره لجرعة إحباط أخرى أكبر حين يحس المواطن وكأنه ليس هناك فرق بين مناخات الحرب وفضاءات السلام، وتلك مصيبة وكارثة، أعني سيادة مثل هذا الإحساس.

أما غشاوة الموقف الخاطئة للمتمردين في دارفور فمفادها أن الاستمرار في الحرب شيء مرغوب فيه مع هذا الزخم من المواقف، والربط بين مسار عمليات التنمية بآثارها على شعب السودان، وبين ما يفعلون، إضافة الى رسالة خاطئة أخرى مفادها أن بوسعهم، أي حركات التمرد في دارفور إيقاف التنمية في كل السودان، في مقابل تنمية لخيار الحرب تجعل التمرد في دارفور بلا حافز لاختيار الحل السلمي كخيار أنسب لحل المشكلة.

وليس ذلك فحسب، فالأدهى أن هناك من يفكر في فرض عقوبات على السودان، ولكنه يريد أن يفرق فيها بين الشمال والجنوب حتى لا يتأثر الجنوب على ما هو عليه من حال، وفي هذا أيضا رسائل أخرى كثيرة خاطئة لعل أهمها هذا التفريق الوهمي بين جزءين يعملان على إعداد وطن موحد، وجوهر الخطأ هنا أن الرسالة تقول إن هناك جزءا من الوطن جيد وآخر رديئ، ولا أحسب أن منطقا عاقلا يمكن أن يتقبل مثل هذا التمييز.

> في الخرطوم الآن زوبعة حول اتهامات من الحركة لشريكها المؤتمر الوطني بالتباطؤ في تنفيذ اتفاقية، كيف ترى مثل هذا الاتهام، وإذا كان موجودا ما هو أسبابه؟

ـ دعني بداية اسجل تحفظي على عدم ملاءمة طرح مثل هذه الأمور إعلاميا، وتقديري أن على الحركة والمؤتمر والآخرين الذي يريدون الاصطياد في بركة مثل هذه الخلافات، أن جزءا من هذه الخلافات حول البطء وغيره طبيعية، إذا أشرنا فقط الى أن مسار التنفيذ يأتي مستصحبا مسيرة عشرين عاما من الحروب بين الطرفين، أما ما هو غير طبيعي فيكمن في وجود ما يشبه المقاومة لعمليات التنفيذ ذاتها وإن كانت لدي قلة.

> قلة في المؤتمر أم في الحركة؟

ـ دعنا نقول في الجانبين، ولكن أين هو العمل السياسي الذي يخلو من الإختلافات لدى أي حزب أو فصيل أو حتى جماعة، ولكن الشاهد في قولي هنا هو .. وما العمل؟ هل نترك هذه الاختلافات والاتهامات تنمو مثلا؟. وأكفيك شر السؤال لأقول، أن نموها ليس من صالح السودان ناهيك عن طرفي الاتفاق، ومن هنا فإني أقترح، أو هكذا أفترض، أن يكون لدى المؤتمر الوطني والحركة الشعبية آلية جديدة تعنى بمناقشة الصعوبات التي تعترض تنفيذ الاتفاق.