واشنطن تكشف استراتيجيتها الدفاعية للعقدين المقبلين: التحسب للصين ومواصلة «حرب طويلة» ضد الإرهاب

الخطة تدعو لزيادة أعداد حاملات الطائرات في الخارج والقوات الخاصة ووحدات الحرب النفسية

TT

تعتزم الولايات المتحدة صنع أسلحة جديدة طويلة المدى لمواجهة مخاطر محتملة من دول مثل الصين، كما تخطط لتهيئة جيشها وتعزيز عديد قواتها الخاصة، لمواجهة تهديدات غير تقليدية مثل المجموعات الإرهابية، حسبما جاء في وثيقة عسكرية جديدة. وتضيف الوثيقة التي نشرتها وزارة الدفاع (البنتاغون) اول من امس ان واشنطن تعتزم تشكيل قوة مهام عسكرية لإحباط عمليات نقل الاسلحة الكيماوية والبيولوجية والنووية وتوسيع قدرات الحرب المعنوية.

وتعد هذه الوثيقة الاستراتيجية العسكرية بمثابة مراجعة دفاعية تقدم كل اربع سنوات الى الكونغرس وتهدف لتحديد التهديدات الأمنية المتوقعة خلال العشرين سنة المقبلة. وجاء نشر هذه الخطة التفصيلية في وقت يواجه فيه الجيش الاميركي حالة من الإجهاد حيث يخوض نحو 138 ألفا من جنوده حربا بدأت قبل نحو ثلاث سنوات في العراق الى جانب آلاف آخرين في أفغانستان يتعقبون قادة وأعضاء تنظيم «القاعدة».

وتقول الوثيقة ان خيارات «القوى الكبرى والناشئة» بما فيها الهند وروسيا والصين ستكون مهمة بالنسبة لأجواء الامن الدولي خلال القرن الواحد والعشرين. وتضيف ان «من بين القوى الكبرى والناشئة، تتمتع الصين بالقدرة الاكبر على منافسة الولايات المتحدة عسكريا وإدخال تقنيات عسكرية هدامة يمكنها مع مرور الوقت موازنة التقدم العسكري الاميركي التقليدي في ظل غياب استراتيجيات أميركية مضادة».

والولايات المتحدة حريصة على منع أي مواجهة مع الصين بخصوص تايوان. وكانت الصين قد هددت مراراً بمهاجمة هذه الجزيرة في حال اعلنت استقلالها عن «الوطن الأم» رسمياً.

وتفيد الوثيقة ايضاً بأن الصين ستواصل على الارجح الاستثمار بقوة في بناء أسلحة مثل الصواريخ ذاتية الدفع أو صواريخ «كروز» وأنظمة الدفاع الجوي والغواصات. وترى ان «سرعة ونطاق القدرة العسكرية الصينية يعرضان الموازين العسكرية الاقليمية بالفعل للخطر»، ولذلك فان الولايات المتحدة تسعى الى إثناء الصين وغيرها من الدول عن تطوير قدرات يمكن أن تهدد الاستقرار الاقليمي كما تسعى الى منع حدوث أي عدوان في حال فشل سياسة الردع. وفي اشارة الى اتساع الاراضي الصينية وافتقار الولايات المتحدة لقواعد في المنطقة يقول البنتاغون انه يعلق أهمية قصوى على «القوات القادرة على القيام بعمليات في مناطق بعيدة».

وتحدثت الوثيقة عن «الطبيعة غير المؤكدة للتهديدات في عالم ما بعد هجمات 11 سبتمبر (ايلول)». وقالت ان كوريا الشمالية تقوم بتطوير أسلحة نووية وكيماوية وبيولوجية وتقوم بارسال أسلحة الى دول أخرى. كما اشارت الى ان ايران تقوم بتطوير اسلحة طويلة المدى وتسعى لانتاج أسلحة نووية.

وجاء نشر هذه الخطة قبل عرض الميزانية المخصصة لوزارة الدفاع عام 2007 على الكونغرس يوم غد (الاثنين) والمقدرة بـ 439.3 مليار دولار. وتوصي الخطة ببناء قدرة هجومية «ضاربة» طويلة المدى ليتم ادخالها الخدمة بحلول عام 2018 وتحديث قوة قاذفات القنابل الحالية.

وقال اندرو كريبينفيتش، وهو مستشار في المراجعة الاستراتيجية للبنتاغون ومدير مركز التقويمات الاستراتيجية والميزانية (مجموعة بحثية مستقلة) ان عام 2037 كان الموعد المحدد لنشر القدرة الهجومية الجديدة لكن جرى تقديم الموعد 19 عاما.

ويمكن أن تشمل القدرات الجديدة قاذفات يقودها طيارون أو بدون طيار الى جانب اسلحة مثل الليزر. وكانت قيادة الاشتباك الجوي التابعة لسلاح الجو قد بدأت في اكتوبر (تشرين الاول) الماضي لإجراء تحليل يستمر عاما للخيارات اللازمة لبناء مثل تلك القدرة. وتدعو الخطة الى زيادة عدد حاملات الطائرات في المحيط الهادئ الى خمس أو ست حاملات وإبقاء 60 في المائة من غواصات سلاح البحرية هناك، اضافة الى زيادة عدد الغواصات الهجومية التي يتم شراؤها سنويا بحلول عام 2012 الى المثلين.

وبخصوص موضوع الارهاب، تقول الخطة «ان الولايات المتحدة تخوض حربا طويلة» مع الارهاب، وستواجه أعداء مثل تنظيم القاعدة اكثر مما ستواجه دولا تملك اسلحة تقليدية. وترى الخطة انه في حين «لا تزال الولايات المتحدة متفوقة على الصعيد العسكري التقليدي»، فان محاربة الارهاب تتطلب «اعتماد مقاربات غير تقليدية وغير مباشرة». وتضيف ان «العراق وافغانستان يعدان حالياً ساحتي معركة حاسمتين، لكن الصراع يمتد الى خارج حدودهما بكثير». ويضيف البنتاغون ان «على الولايات المتحدة الى جانب حلفائها وشركائها، ان تكون مستعدة لخوض هذه الحرب مستقبلا في العديد من المناطق وفي الوقت ذاته». ولذلك، حددت وزارة الدفاع الاميركية هدفا ضروريا يتمثل في اعادة توجيه الامكانات والقوات العسكرية الاميركية لتكون «أكثر ليونة» و«تتهيأ (لمواجهة) تحديات غير تقليدية وأوسع» و«تحمي نفسها من (العمليات) غير المتوقعة خلال السنوات العشرين المقبلة». ويعتبر البنتاغون ان هذه الخطة لا تشكل تغييرا استراتيجيا بل هي امتداد للاستراتيجية العسكرية التي وضعتها ادارة الرئيس جورج بوش بعد اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، والتي طورت فيها مبدأ الضربة الوقائية. ويشير البنتاغون الى انه استخلص العبر من افغانستان والعراق. وقال أحد مساعدي نائب وزير الدفاع، راين هنري خلال مؤتمر صحافي: «لا يمكننا ان ننتصر في هذه الحرب الطويلة بمفردنا، كوزارة او حتى كبلد». وعمليا، يقترح البنتاغون زيادة بنسبة 15%، اي ما يعادل ثمانية آلاف شخص، عديد قواته الخاصة يبلغ حاليا 52 الف جندي، بالاضافة الى زيادة عدد افواج القوات الخاصة بمعدل الثلث وانشاء قيادة للعمليات الخاصة داخل مشاة البحرية (المارينز). وسيزيد البنتاغون كذلك عديد وحدات «الحرب النفسية والشؤون المدنية» 3700 عنصر اي بارتفاع نسبته 33% في هذا المجال. وجاء في الوثيقة ايضا ان البنتاغون «سيزيد بشكل كبير الوسائل المتاحة له» لمواجهة انتشار اسلحة الدمار الشامل. وتنوي وزارة الدفاع الاميركية كذلك تخصيص 1.5 مليار دولار على خمس سنوات لتمويل برنامج يسمح بتطوير مجموعة من الاجراءات المضادة للتهديدات الناجمة عن الارهاب البيولوجي. وفي وجه «الغموض الاستراتيجي في المستقبل» سيطور البنتاغون مجموعة واسعة من وسائل الردع التقليدية «مع الإبقاء على قوة ردع نووية قوية». وفي هذا الاطار، قرر البنتاغون اللجوء الى «عدد صغير من الصواريخ الباليستية من طراز «ترايدنت» التي تطلق من الغواصات، لاستخدامها في اطار رد تقليدي سريع». كما سيشتري مزيدا من طائرات من دون طيار لمضاعفة امكاناته في مجال المراقبة. وجاء في الوثيقة ان وزارة الدفاع «ستبدأ بتطوير نوع جديد من الغارات على المدى الطويل»، مستبقة مشاريعها في هذا المجال على مدى عشرين سنة.