20 لاعباً أميركياً استقدمتهم إيران لتنشيط كرة السلة يعاملون معاملة خاصة

اكتشفوا أن الكثير من الأشياء لا يحدث علنا

TT

توجه لاعب كرة السلة الاميركي غارث جوزيف نحو البائعة في طهران، ومال باتجاهها قائلاً: «اعطني ذلك الشيء». وبدون شك فان الأمر كان صعباً بالنسبة لأميركي اسود في ايران يتجاوز طوله المترين. مدت البائعة، التي كانت تضع نظارات وتغطي رأسها بوشاح اسود، يدها وأحضرت قطعة من لحم الخنزير: وهو شيء يباع في السوق السوداء في إيران، رغم انه غير قانوني في البلاد، وبثمن يوازي أثمان البضابع المهربة.

ويوجد في إيران نحو 20 لاعب كرة سلة اميركيا محترفا، وهم مستمرون في رياضتهم المفضلة التي لم يتمكنوا من ممارستها في الولايات المتحدة، ويعيشون وسط ثقافة مختلفة، لكن لديها الكثير خلف الأبواب المغلقة. يتجنب هؤلاء الرياضيون السياسة قدر الامكان، خصوصاً ان ايران في الوقت الحالي طرف في صراع دولي بسبب برنامجها النووي، وهي لا تزال تحظى بسمعة غير جيدة لدى الأميركيين منذ عام 1979 عندما استولى الطلاب المتشددون على السفارة الاميركية واحتجزوا دبلوماسييها لمدة 444 يوما. لكن لاعبي كرة السلة يلعبون الآن هناك بأجر.

وقال اندري بيتس وهو من تكساس يلعب في نفس الفريق الذي يلعب فيه جوزيف: «واحد من أصدقائي قال لي هل تحملون كلاشنيكوف؟ فقلت له اذا حضرت الى هنا، فانك لن ترغب في العودة مرة أخرى، بسبب الطريقة التي يعاملونك بها».

ولحم الخنزير في السوق السوداء هو أقل المشاكل التي يتعرض لها اللاعبون الاميركيون بإيران. فهم يحصلون على مرتبات تتراوح بين 60 الفا و200 الف دولار سنويا لتنشيط رياضة تأتي بعد كرة القدم والكرة الطائرة والمصارعة بهذا الترتيب. ويعامل الاميركيون معاملة خاصة الى درجة انه لا يطلب منهم تغطية الوشم كما يجبر اللاعبون الايرانيون خلال المباريات. واضافة الى ذلك، يحصلون على مرتباتهم بالدولار، لكن يضطرون لإرسالها الى الولايات المتحدة عن طريق دولة ثالثة لان المصارف الاميركية لا يمكنها التعامل مع ايران بسبب الحظر الاميركي.

وقال مصطفى هاشمي مدير فريق «بتروشيمي» وهو الفريق الذي تموله وزارة النفط في بلدة مهرام: «الاميركيين يغطون العجز ونقاط الضعف في الفريق، ويساعدون في نشر رياضة كرة السلة في البلاد بأكملها». ومهرام مدينة خالية من مطاعم جيدة، الى درجة ان الاميركيين يضطرون الى تناول وجباتهم في مطعم الشركة.

ويقول ايدي اليسما وهو من نيويورك وكابتن فريق بتروشيمي: «يبدو الامر وكأنك في معسكر، لكنه ليس بهذا السوء».

وفي الواقع فإن الحياة داخل البيوت في ايران، عكس الصورة العامة. فخلال وجود جوزيف بطهران منذ اكثر من 6 اشهر، كان اكبر اكتشافاته هو الحياة المزدوجة. فقد انتبه الى ان الناس خلال شهر رمضان يأكلون لكن ليس في العلن، حسبما قال. وأضاف: «اكتشفت أن الكثير من الاشياء لا تحدث علنا، لكنها تحدث» في الخفاء.

وخلف الابواب المغلقة تنتشر الخمور، سواء المحلية التي تنتج في ايران منذ الثورة عام 1979 او المستوردة والتي اصبحت متوفرة في السنوات الاخيرة عبر التهريب. وقال بيتس: «هل تعجبك مجموعة المشروبات الخاصة بي؟«، مشيرا الي فجوة في جدار غرفته.

وأي صعوبات تعتبر نسبية بالنسبة للأميركيين الذين يلعبون في الخارج. فقبل وصوله الى طهران العام الماضي، لعب بيتس في تركيا وقبرص ولبنان وهونغ كونغ وسورية، حيث كان نجما بارزا. اما جوزيف، الذي لعب لفترة محدودة في فريقي تورونتو ودنفر، فقد وصل الى ايران بعد ان لعب أربعة مواسم في الصين، حيث لعب مرة مباراة في فضاء مفتوح في درجة حرارة 20 تحت الصفر وعلى ارضية طينية. ويقول جيرالد رايتسيل الذي أنشأ عملا خاصا به قائما على أساس تمثيل اللاعبين الأميركيين في الخارج ان منطقة الشرق الأوسط تثير مخاوف أي شخص يسافر اليها بناء على يقرأه في «واشنطن بوست» ويشاهده على شبكة «سي. إن. إن». وكان رايتسيل قد توقف عن اللعب خارج الولايات المتحدة في التسعينات عندما كانت اوروبا ساحة جديدة للعب في الخارج.

ويقول بيتس ان ثمة صعوبات في بعض الأحيان، فالحجارة تنهال أحيانا كالمطر من المدرجات، وحدث ان اصيب زميل له في الفريق في عينه. إلا ان اللاعبين يقولون ان الخطر الرئيسي هو الملل القاتل في ايران.

يهز جوزيف رأسه، الذي يكاد يلامس سقف شقته المطلة على طريق الصدر السريع، فيما يسمع صوت حركة السيارات والشاحنات. ويوجد سرير جوزيف في غرفه المعيشة ليصبح قريبا من التلفزيون الذي يستقبل إرسال القنوات الفضائية الذي يعتبره اللاعبون بمثابة جهاز الإنعاش. ويضيف جوزيف قائلا انه لا يشاهد التلفزيون الايراني لأنه كثيرا ما يظهر على الشاشة شخص يرتدي بزة عسكرية، على حد قوله. ويعلق حول أعداد مجلة «بيبول» ومجلة لكرة السلة قائلا انه يحاول ان يضفي طابعا اميركيا على سكنه، وهناك كتاب واحد في غرفته هو اطلس العالم. ويقول ان الصين فيها على الأقل مطاعم «تي جي آي فرايدي» و«آوتباك ستيكهاوس». ويضيف ان ايران تجعل الشخص يشعر بغربة اكثر، إذ ان الأشياء تبدو له اكثر غرابة، فمفاتيح الأضواء الكهربائية خارج الغرف وماكينات تنشيف الملابس من الأشياء الجديدة، اما الليمون الذي يضاف في المطاعم الإيرانية على كل شي فيجعل طعم الأشياء متشابهة.

وماذا عن أدوات المائدة من شوك وسكاكين وملاعق؟ يقول جوزيف إنه توجه مرة الى مطعم وطلب شريحة لحم مشوي ففوجئ بأن النادل أحضر له ملعقة معها.

لم يتكيف اللاعبون الاميركيون فقط مع ازدواجية إيران، بل باتت تغريهم ايضا. ففريق «سابا باتاري»، التابع لوزارة الدفاع، رفض الاستعانة باللاعبين الأميركيين، وهو امر مفروض على اعتبار ان العلاقات الدبلوماسية بين واشنطن وطهران مقطوعة، ويجري بانتظام تجديد طلاء شعارات «الموت لأميركا» المنتشرة في انحاء العاصمة طهران. وتتسم علاقة جوزيف بـ«الشيطان الأكبر» بالطموح على الأقل، فعلى الرغم من انه يعيش خارج ألباني بولاية نيويورك، فان جوزيف لا يزال مواطنا من الدومينيك ولد وتربى في منطقة البحر الكاريبي. إلا ان بيتس، الذي ولد وتربي في سيغوين بولاية تكساس، فهو مسجل رسميا في الفريق كمواطن سنغالي ويحمل جواز سفر سنغاليا، رغم انه لا يعرف كيف حصل عليه، ويقول ان وكيله هو الذي احضره له وان وجوده في ايران من اجل المال فقط.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»